هل استيّقَظ «اليسار الفلسطيني»؟ / محمد خروب
بعد طول غيبوبة وفي استفاقة مُفاجِئة، اعلنت خمسة فصائل فلسطينية ذات «جذور» يسارِية إضافة الى بعض الشخصيات «المُستقِلّة»، انطلاق «تكتّل»أطلقَت عليه اسم «التجمّع الديمقراطي الفلسطيني»، تارِكة الباب مفتوحاً امام «سائِر القوى والفعاليات التي توافِق على العمل المُشترَك، وِفق برنامج عمل التجمع الديمقراطي».الذي يتكوّن مِن الجبهتَيْن.. الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والمبادرَة الوطنية وحزب فِدا».
ما تمّ نَشره عن برنامج العمل العتيد هذا،يقول الكثير ويستبطِن او يسكت عما هو اكثر،وبخاصة انه يُعيد تكرار العبارات والمصطلحات والمواقِف التي سبق لهذه الفصائل ان ركَّزَت عليها في خطابها الفصائلي او الحزبي، وما كانت عبَّرَت عنه من آراء عند منعطفات عديدة وخطيرة مرّت بها القضية الفلسطينية، او أحدثَت سِجالات وجدل صاخب على الساحة الفلسطينية، وبخاصة إزاء تفرّد القيادة الفلسطينية وعدم ايلائها الاهمية او الاحترام لشركائِها (المُفترَضين) في منظمة التحرير او المجلس الوطني وخصوصا المجلس التشريعي، الذي بات الآن في حكم الماضي (بعد ان تم حلّه)، فضلا عن الحكومات المتعاقِبة التي تم تشكيلها طوال ربع قرن على اتفاق اوسلو،ولم تُسفِر بيانات ومواقِف واعتراضات فصائل وأحزاب اليسار الفلسطيني، عن إحداث اي تغيير جدي او ملموس على مواقف السلطة/فتح بل بدت (الفصائل اليسار) في معظم المُنعطفات وفي مواجَهة قرارات السلطة/فتح،وكأن الرعب قد استبَدّ بها وارتفع منسوب»الخوف»لديها على بعض «الفُتات» الذي كانت تُقدّمه لها هذه السلطة،ما أسهَم في تغوّل القيادة حدود إدارة الظهر وازدراء كل التهديدات «اليسارِية»، إن بتجميد عضويتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أم الخروج في مسيرات احتجاجية او اصدار بيانات إدانة ورفضٍ دائماً ما تأتي… خجولة.
ليس القصد التقليل من أهمية هذه الخطوة المُتأخرة جداً، إن كُتِبَ لها النجاح او تنامَت قوّتها واستطاعت استعادة بعض ثقة الجمهور الفلسطيني، حيث تُؤشِّر استطلاعات الرأي انها لا تحظى بدعمه او تثير مواقفها اهتمامه، بعد ان مضت هذه الفصائل طويلا في التصاقها بـ»سلطة» يتواصَل نهجها السياسي والامني والاداري وحتى الاقتصادي المعروف والمجرّب، والذي لم يحصد سوى الفشل وتعنّت الاحتلال ومُضيّه قُدماً في مخططات التهويد والاستيطان والتنكيل والاذلال، دون ان تنجح بيانات وتهديدات «اليسار الفلسطيني» في كَبحِه او وضع حد له، او حتى العمل على فضحه وعزله جماهيرياً، والخروج من عباءتِه التي لم توفِّر لفصائل اليسار المذكورة، سوى بعض المال وبطاقات الـ»VIP» و»مناصب» في حكومات وهيئات ومجالس، لا تجتمع سوى لالتقاط الصور وإصدار بيانات، لا تجد طريقها للتنفيذ او لاتّخاذ قرارات تصب لصالح نهج»السلطة»، التي لا تتوقف فصائل اليسار عن انتقادها والإعتراض الكلامِيّ على قراراتها، وما تتخِذه من إجراءات وما تعقِده من اتفاقات وتفاهمات وتنسيق مع جيش الاحتلال ولصالِحه، لكنها – بيانات اليسار – لا تنجَح ولم تنجَح في ثَنيِ سلطة أوسلو عن نهجها او دفعها للتوقّف عن كيدها السياسي، او اتخاذ خطوات وقرارات تُناقِض ما كان صدر من بيانات و»قرارات» عن هيئات تمثيلية لمنظمة التحرير او المجلِسَيْن..المركزي والوطني.
الاهداف النبيلة والصحيحة، والقراءة الدقيقة التي انطوى عليها برنامج عمل»التجمّع الديمقراطي»الذي تم إعلانه عند إطلاق التجمّع،يكاد لا يختلف اثنان على أهمِيّته بل ضرورته والحاجة الماسّة إليه، بخاصة في الراهن الفلسطيني المأزوم والمُهترئ والمتردّي، الذي وصل اليه المشروع الوطني الفلسطيني، والذي يَصعب القول:إن الاحتلال الصهيوني والتحالف الصهيوأميركي وخذلان بعض العرب وهرولتهم نحو العدو تطبيعاً وتبريراً لجرائمه، هم المسؤولون وحدهم عن المخاطر الحقيقية والماثِلة، التي تهدّد القضية الفلسطينية.بل ثمة مسؤولية كبيرة وواضِحة تتحمّلها القيادات الفلسطينية»التاريخية» (ومنها اليسار الفلسطيني)، التي احتكرت التمثيل الفلسطيني وأخضعَته لحساباتها الفصائِلية والشخصِية، ولم تأخذ في الاعتبار طبيعة التحوّلات التي عصفَت بالمنطقة، والكيفية التي تعامَل بها ومَعها النظام العربي المُتكلّس، وبخاصة تلك الأحلاف والتجمّعات والمجالِس التي نهضت «فجأة»،بعد زيارة السادات للقدس والصلح المُنفرِد الذي عقده مع العدو، فضلاً عن «السذاجة» التي حكَمَت فِكر ومسار»القيادة الفلسطينية» عندما أبرمَت اتفاق أوسلو، خصوصاً عندما التحَقَت به فصائل اليسار الفلسطيني، وَوُجِدَ بينها مَنْ بَرَّر هذا الاتفاق الكارثي وروّج له، وبات بالتالي جزءاً أصيلاً منه.على نحو لم يستطِع – حتى الآن – الفَكاكَ منه.
في السطر الأخير…لم يأتِ برنامج عمل التجمّع الديمقراطي الفلسطيني بِذكرٍ على الإجراءات والمواقِف التي سيتّخذها، في حال واصَلت سلطة أوسلو نهجها الراهن، في تجميد واستتباع وارتهان عمل مؤسسات منظمة التحرير، باحتكار تمثيلهاواستصدار القرارات باسمها، ناهيك عن موقِفه في حال واصَلت حركتا…»فتح وحماس» نهج تعريض مصالح الشعب الفلسطيني وبرنامجه الوطني لصراعِهما الثُنائِي، المُرتبِط قطعاً بتحالفات إقليمية.فضلاً عن خُلو برنامج التجمّع من أي إشارة إلى كيفية مقاومة الاحتلال، إن لِجهة المقاوَمة الشعبية أم لجهة الكفاح المُسلّح، الذي تُنادي بعض الفصائل باللجوء إليه، بعد أن واصَل العدو التعاطي مع الشعب الفلسطيني بمنطِق القوة العسكرية العارِية، دون التزام بأيّ معايير قانونية أو إنسانية أو أخلاقية؟.
[email protected]
التعليقات مغلقة.