تاريخ الفلسطينيين في الكويت
صدر مؤخرا، ضمن سلسلة ذاكرة فلسطين، عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كتاب شفيق الغبرا، “النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت”. وواجه الكاتب مهمة معقدة، بتناوله مرحلة زمنية تبدأ من العام 1936، عندما وصلت أول بعثة تعليمية فلسطينية للكويت.
بعد العام 1948، سعى فلسطينيون للذهاب للكويت ليجدوا فرصة عمل ومخرج من مآزق ما بعد نكبة اللجوء والاحتلال. أحد أعضاء البعثة التعليمية، سالفة الذكر، محمد نجم، قضى في الكويت، ما بين العامين 1938 و1942، وانخرط في المجتمع الكويتي، وكان له فضل إنتاج اول مسرحية في الكويت. وبعد النكبة، فإنه مع فلسطينيين آخرين، لجؤوا إلى مصر، قام نظام حكم ما قبل ثورة 1952، بسجنهم، بذريعة أنهم في معسكر مؤقت لحين عودتهم لبلادهم، فيما السبب الحقيقي برأيهم، لئلا يكشفوا للمصريين ما جرى في الحرب. توسط لإطلاقه عبدالعزيز حسين، مسؤول “بيت الكويت” في القاهرة، وكان هذا البيت يتابع مصالح الكويت في مصر. في خريف 1948، وصل نجم الكويت، وبدأ باستصدار تأشيرات للأساتذة العالقين في أماكن مختلفة.
أصبحت الكويت وجهة مهمة للاجئين لدرجة أن أحد الذين استقدمهم نجم، خيري أبو الجبين، أضاع في طريقه، شقيقه في محطة قطارات البصرة، وبدأ ينادي عليه، ليعثر على ابن عمه الذي كان يعمل في يافا ميكانيكي سيارات، ويقصد الكويت للعمل، ولم تنته الطريق حتى كان 11 شخصا من يافا وجدوا بعضهم.
الكتاب لا يغفل عصابات تهريب اللاجئين، عبر الصحراء والمستنقعات وضياع وموت بعضهم.
مع العام 1965 كان 48 % من القطاع العام الكويتي من الفلسطينيين (15512 رجلا و1477 امرأة)، وفي القطاع الخاص 41.4 %.
لم يقم الكويت باستقبال اللاجئين للعمل وحسب، بل ساهم في إعداد كثير منهم، وأرسل عددا منهم في بعثات تعليمية، خصوصاً في مجال الطب. وفي الكتاب قصص فردية جميلة عمن أعادوا بناء ذاتهم، وأيضاً كيف ساعدوا عائلاتهم ومعارفهم.
في الكتاب قائمة طويلة من مواقع ومناصب تولاها فلسطينيون، فعلى سبيل المثال، عين ثلاثة فلسطينيين، سفراء للكويت في الخارج. ووضع سابا جورج شبر، الحاصل على دكتوراة الهندسة من جامعة كورنيل الأميركية العام 1956، أسس المخطط الهيكلي لمدينة الكويت الحديثة. ووصل هاني القدومي، العام 1948، ليكون مدير أول دائرة للإقامة والجوازات في الكويت. أما خالد الحسن، فقد كان غضبه من الأداء العربي سببا دفعه لقرار الهجرة إلى كينيا، وفي الطريق اعتقل في مصر، ووصل الكويت العام 1952، وتدرج في المناصب ليصبح، أمين عام مجلس بلدي العاصمة، ثم أصبح قائداً ومفكرا فلسطينيا.
تولى أبو الجبين بجانب عمله مدرسا، أمانة سر اتحاد الرياضة الكويتي، بين العامين 1953 – 1957، وأمانة سر اتحاد كرة القدم 1957 – 1964. وأسس محمد الغصين، من الرملة، أول محطة إذاعية العام 1959. وكان أشرف لطفي من يافا، مدير مكتب أمير الكويت، وحل محله عند مرضه العام 1962، هاني القدومي، وكان عبدالكريم الشوا، من غزة مدير الأمن في منطقة الأحمدي، ووصل شقيقه مصطفى رتبة وكيل وزارة مساعد في وزارة الدفاع، وصار عبدالمحسن قطان مديرا عاما في وزارة الكهرباء. وأسست سلوى أبو خضرا، أول حضانة نهاية الخمسينيات، بعد أن درست وحدها في البيت مدة عام كتبا ومجلات أميركية، كيف تؤسس وتدار حضانة. وأصبح درويش المقدادي مديرا للتعليم عام 1950.
اتجه الكويت لتوطين الوظائف القيادية في الستينيات، فانتقل مسؤولون فلسطينيون من القطاع العام، بتشجيع كويتي رسمي، للقطاع الخاص ليصبحوا من أبرز رجال الاعمال.
يتناول الكتاب مرحلة غزو العراق للكويت العام 1990، ويقدم تفاصيل مهمة، ربما تنشر لأول مرة عما حدث حينها.
الكتاب فيه تحليل علمي أكاديمي مهم وشيق، يشكل إضافة نوعية لدراسات اللاجئين عموما، وليس الفلسطينيين وحسب. يدرس مثلا، كيف يعيد اللاجئون تشكيل مجتمعاتهم عندما يتجمعون ثانية في بلد جديد. ثم يوضح الكتاب، تحولات هرم ماسلو (سلم الحاجات الإنسانية)، فمع خروج اللاجئين من مأزقهم المعيشي، وتحسن أحوالهم المادية، بدأ الفلسطينيون في الكويت إعادة تأسيس حركتهم الوطنية الحديثة، منتصف الستينيات. ويطرق الكتاب كذلك باب توثيق الشتات الفلسطيني في مناطق متعددة، ويؤرخ لنشوء الدولة العربية الحديثة.
التعليقات مغلقة.