نودّعُ عاماً فلسطينياً بامتياز / د. خليل سليم
د. خليل سليم ( الجمعة ) 28/12/2018 م …
يمكن لنا أن نصف هذا العام، وهو يودّعُ أيامه الأخيرة، بأنه كان عاماً فلسطينياً بامتياز.
إذ شهدت الحالة السياسية الفلسطينية، مجموعة من التطورات والتداعيات الكبرى، خاصة مع وصول ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية، وما رافق تصريحاته ومواقفه من انحياز كامل للعدو الإسرائيلي وكيانه المصطنع، كإعلانه عن عزمه نقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس، وبأن العام سيشهد عقد صفقة على صعيد الصراع العربي الصهيوني، تمّ تسميتها بـ “صفقة القرن”، لا تنهي الصراع بل تتم بها تصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء حق العودة لفلسطينيي الشتات، لا بل إنهاء كلّ الحقوق. وفي مقدمتها حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على أرضه ووطنه.
سارع العدوُّ الصهيوني إلى الاستفادة من الدعم اللا محدود لإدارة ترامب بإجراءات لوجستية بوضع حواجز وكاميرات، وتشديد الدخول على المقدسيين إلى المسجد الأقصى، ومصادرة البيوت والبدء بعملية تهويد لمدينة القدس وتغيير معالمها التاريخية والأثرية، ووجهها الفلسطيني.
مما جعل انتفاضة الشعب الفلسطيني، تأخذ منحىً تصاعديًا يوميًا شمل حراكها، كلّ المدن والقرى الفلسطينية، التي عملت جرافات الاحتلال، على هدمها وطرد سكانها، في أوسع عملية استيطان منذ نكبة عام 1948 المستدامة. على إثر ذلك، تتوقف الإجراءات التعسفية الصهيونية داخل الأقصى، إلاّ أن جحافل المستوطنين بقيت ولا تزال تقتحم المسجد، وتعتدي على الجموع، بشكل عنصري هستيري وفاشي. والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى، تشتدُّ وتجترع مختلف أشكال النضال وأدواته؛ من الطعن والدهس والطائرات الورقية أو البالونات الحارقة إلى المقلاع والحجر، وفنون التفخيخ كتغطية العبوة بالعلم الفلسطيني، تنفجر إثر محاولة نزعه من أرضه وترابه.
هو عام فلسطين، لأن ما جرى على أرض فلسطين، جعل كُتّاباً ومُعلِّقين صهاينة يعترفون قائلين: “لنخرجَ من فلسطين وندعها لشعبها، الذي لم نستطع، ولن نستطيع السيطرة عليه”، بل ذهب البعض منهم يتنبأ بقرب نهاية الكيان الصهيوني المصطنع، ويدعو إلى العودة للبلدان التي جاؤوا منها”.
هو عام فلسطين. لأن الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت أكثر من خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، والشعوب الأوروبية تقاطع البضائع الإسرائيلية، وسبق ذلك قرارات لمنظمة اليونيسكو تعتبر فيه أن القدس والخليل هي مدن فلسطينية، وما ادّعاءات الصهاينة عن يهوديتها، إلاّ محض أساطير، لم تثبتها الوقائع التاريخية والحفريات التي جرت، بل هي محض أوهام وميثولوجية، سقطت علمياً وبخاصة أمام وقائع وعلم التاريخ. وهذه الأوهام والأساطير من نتاج عقل عنصري متطرّف عند عتاة الصهاينة، والصهيونية المسيحية لليمين الأميركي المتطرّف، وترامب والكثير من مساعديه، ينتمون إليها قلباً وقالبا.
كلُّ هذه الإنجازات ما كانت لتتم، لولا التضحيات البطولية والصمود الأسطوري، وصبرٌ كبيرٌ على المعاناة. وآلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين والأسرى والمعتقلين، ناهيك عن المعاناة اليومية للملايين، بالإضافة إلى العقوبات الجماعية للعقل الإجرامي الوحشي لجنود الاحتلال.
كان من الممكن التخفيف من وطأة المعاناة هذه، ويتحمّلها الشعب الفلسطيني، لولا الأخطاء والمراهنات العقيمة للقيادة الفلسطينية الرسمية، وتضارب في التوجّهات والأجندات، والارتهان ليس للأميركي والصهيوني فحسب بل للأنظمة الرجعية العربية، التي تهرول نحو التطبيع مع العدو، وتدين الأعمال البطولية للمقاومة والجماهير المنتفضة لا بل وتعطي الحق للصهاينة باغتصاب فلسطين والمشروعية لكيانها المصطنع.
واليوم، وأكثر من أيِّ وقتٍ مضى، ثمة إجماع على ضرورة وضع حدٍّ لهذا الخلل، ويأتي في هذا السياق، الوثيقة التاريخية التي وقّعها الحزب الشيوعي اللبناني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على بلورة مشروع مقاومة عربية شاملة منفتحة على كلّ قوى اليسار والتقدّم في وطننا العربي، في ضوء التحدّيات الخطيرة التي تبرزها المرحلة الجديدة من أشكال المواجهة مع المشروع الأميركي الصهيوني والرجعي العربي.
لا يسعنا إلاّ أن نُحيِّ الانتصار الكبير للغزيين في معركتهم ضدَّ الغزو الصهيوني الأخير. وهذا يثبت أنه عام فلسطين بامتياز، ويثبت مرةً أخرى، أن خيار المقاومة هو الأنجع وليست المفاوضات العقيمة، بالمقاومة ندافع عن الأرض وبها تتحرّر، والتحرير مرتبط عضوياً بالتغيير الوطني الديمقراطي، للأنظمة العربية الرجعية المرتهنة، التي تقدم ثروات شعوبها وكرامة مواطنيها لقمة سائغه للرأسمالية المتوحّشة، وتولّد الأزمات والآفات الطائفية والحروب الأهلية بين أفراد الشعب الواحد وعلى الشعوب العربية الأخرى.
#فلسطين
#مجلة_النداء
التعليقات مغلقة.