ما حقيقة الأفلام التي يبثها تنظيم ’’داعش’’؟

 

الأردن العربي ( الأحد ) 12/7/2015 م …

نصح الكاتب الصحفي في صحيفة “واشنطن بوست”، ديفيد أغناتيوس، متصفحي الإنترنت بعدم مشاهدة الأفلام المروعة التي يبثها تنظيم داعش من حين لآخر، معتبراً أن هذا الأخير أنشأ لنفسه مسرحاً للموت ونشره عبر الفضاء، عندما صور قطع رؤوس وإغراق أحياء أو إحراقهم، أو تكسير عظامهم.

وتعد الممارسات الوحشية جزءاً من ماركة داعش، والقصد منها إخافة الناس، وقد نجح في مسعاه، فبقدر ما تفيد تلك الصور الملونة في ترويع أعدائه، ساعدته أيضاً في اجتذاب مجندين صغاراً، حتى أوجد أولئك “الجهاديون الفرسان” كما يتخيلون أنفسهم، نمطاً مختلفاً من حرب الاتصالات المعاصرة.

استعراضات عامة

ولكن، بحسب الصحيفة، ليس تلك الاستعراضات الوحشية جديدة أو فريدة، فالناس عندما يصفون ممارسات داعش بأنها “من العصور الوسطى” يقولون ذلك لأنهم يتذكرون ما قرأوا عن حالات التعذيب العلني التي كانت شائعة في الساحات العامة في بريطانيا وفرنسا، ودول أوروبية أخرى.

إلا أن الشيء الجديد الذي ابتكره داعش، تم عبر وضعه ذلك النوع من التعذيب على الإنترنت، وغالباً ما تترافق أفلامه بأناشيد دينية حماسية، ولكن تلك الأفلام تستدعى بربرية بعيدة عن أية ديانة أو ثقافة، بحيث يقف الجهاديون إلى جانب النازيين الألمان الذي ارتكبوا الهولوكوست(المحرقة) بحق اليهود، أو محاكم التفتيش الإسبانية في القرن الخامس عشر. وقد يعتقد الجهاديون المتطرفون أنهم يقلدون الأسلوب الأمريكي في تعذيب عناصر القاعدة عبر إيهامهم بالغرق، إلا أن ذلك كان صنفاً من التعذيب، وليس عملية إعدام مصورة.

قتل الآخرين “الكفار”

ويستعرض الكاتب بعض مشاهداته عن عمليات قتل لمن يعتبرهم داعش “كفاراً”، حيث أظهر فيديو صور في منطقة نينوى في العراق عملية إعدام 16 من الجواسيس عبر إغراقهم داخل قفص، أو وضعهم داخل سيارة ثم تفجيرها، أو قطع رؤوسهم عبر سلك ناسف شد حول رقابهم، كما يظهر فيلم تم تصويره في الفلوجة إعدام أربعة رجال متهمين بالشذوذ الجنسي عبر رميهم من فوق سطح مبنى.

صور مأتمية

واللافت أن داعش يحتفل بتلك الأفلام المأتمية، ويبثها عبر مركز التنظيم الإعلامي “الحياة”، وحيث اختار عملية الإغراق والإحراق وقطع الرؤوس في نينوى على رأس أفضل عشرة أفلام بثت من العراق.

ولكن ما أصل تلك الأفعال الصادمة؟ بحث فلاسفة وعلماء اجتماع وإنسان عن إجابة لهذا السؤال من أجل تقييم الطبيعة البشرية في أشد مراحلها همجية، وفي كتابها الصادر في عام 1985 “جسد متألم”، وصفت الين سكاري، أستاذة الأدب في جامعة هارفارد، العملية بأنها “تحويل الألم الحقيقي إلى رواية عن السلطة”.

وتشير واشنطن بوست إلى أنه، في العصور الوسطى، كان مقر تلك الاستعراضات يوجد عادة في مكان عام يتجمع فيه الناس، وكان أشبه بمسرح.

وتكتب سكاري: “ويتواصل الاستعراض المسرحي، إلا أنه ليس عرضياً، فقد أطلق على غرفة التعذيب، وصف “غرفة الإنتاج” في الفيليبين، و”غرفة السينما” في جنوب فيتنام، و” المسرح ذو الإضاءة الزرقاء” في تشيلي”.

تطور المجتمع

ورأى الفيلسوف الفرنسي، ميشيل فوكو، في تدني مستوى الوحشية في العقاب كمؤشر على تطور المجتمع، إذ كانت عمليات الإعدام الفظيعة شائعة في أوروبا حتى نهاية القرن الثامن عشر، وكانت الوفيات البطيئة المؤلمة جزءاً من تلك العمليات، وفي زمن الثورة الفرنسية، عدت المقصلة، التي نعتبرها اليوم آلة رهيبة “شيئاً إنسانياً”، بوصفها آلة تؤدي للموت بسرعة ودون إهانة.

ووصف فوكو في كتابه الصادر في عام 1975 “العقاب والردع: مولد السجن” المبدأ العقابي الذي اتبع قبل العصر الحديث، والذي يبدو أن داعش قد تبناه: “لا يفترض أن يطلع الناس على نوعية العقاب وحسب، بل يجب أن يشاهدوا عملية تنفيذه بأعينهم، حتى ينتابهم الخوف، ولكي يكونوا أيضاً شهوداً وضامنين لعدم تكرار الجريمة”.

مجتمعات متحضرة

وتلفت واشنطن بوست إلى أن الشعوب الأوروبية المعاصرة والمتحضرة استبدلت تلك الطقوس الدموية بمؤسسات عقابية عدت كسجون “إصلاحية”، حذر فوكو أيضاً من طبيعتها القمعية.

لكن داعش بخليطه العجيب من أشكال العقاب العصرية والقديمة، أحيا ممارسات التعذيب والاستعراضات العامة، وقدمها في أفلام مصورة.

وتشير الصحيفة لوجوب فصل الأناشيد التي ترافق الأفلام التي يبثها تنظيم داعش، لأنه في حين قد تبدو الأناشيد إسلامية، فإنه ليس للصور أي أساس ديني، سوى في كونها تعبيراً عن القدرات البشرية الهائلة في الاستمتاع بتعذيب آخرين.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.