اقتصاد عالمي – انحدار أمريكي بطيء / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) الإثنين 31/2018 م …

مقدمة:




يَسْتَحْوِذُ الدولار على أهم نسبة من العملات التي تُشكّل احتياطيات المصارف المركزية العالمية، مما يُشكِّلُ أحد عوامل هيمنة الدّولار، وهيمنة الإمبريالية الأمريكية على العالم، ولكن هذه النسبة (من الإحتياطيات) بدأت بدأت بالتراجع، وإن بِشكل بطيء، فقد انخفضت من 6,499 تريليون دولارا في الربع الأول من سنة 2017 إلى 6,282 تريليون دولار أي نحو 62,72% من الاحتياطات الدولية، في الربع الأول من سنة 2018، مما يُظْهِرُ تآكل حصة الدولار، وانخفاض جاذبيته، ربما بسبب السياسة الأمريكية الراهنة التي توحي بمحاولة فَرْضِ مصالح الشركات الأمريكية، على الجميع، دون تقديم أي تنازل، وأظهرت بيانات من صندوق النقد الدولي (29/12/2018) انخفاض حصة الدولار الأمريكي في الاحتياطيات العالمية للعملات، خلال الربع الثالث من سنة 2018 إلى أدنى مستوى في نحو 5 سنوات، من 62,4% خلال الرّبع الثاني إلى 61,94% خلال الربع الثالث من سنة 2018، بينما زادت حصة العُمْلَة الأوروبية (“اليورو”)، في الربع الثالث من سنة 2018 إلى 20,48%، وهي أكبر حصة منذ الربع الرابع من 2014، كما تراجعت  هيمنة الدولار على عقود النفط والسلع الأخرى، وعلى سبيل المثال عمدت الصين وكوريا الجنوبية إلى استخدام عُمْلَتَيْهِما في التعاملات التجارية الثُّنائية بينهما، بدلا من الدولار، واتفقت الصين واليابان، في تشرين الأول/اكتوبر 2018، على صفقة مقايضة عملات بقيمة 30 مليار دولار، وهي أكبر صفقة لليابان، مع الإشارة إن الولايات المتحدة تمتلك قواعد عسكرية ضخمة في كل من كوريا الجنوبية واليابان، وتعتبرهما “مَحْمِيّتَيْن”، أي تحت الهيمنة الأمريكية، وتستخدمهما الولايات المتحدة بمثابة الدّرْع ضد روسيا والصين

الدولار والولايات المتحدة، من القوة إلى الإنحدار:

أظهرت أزمة 2008 – 2009 بجلاء انعكاس أي مشكل اقتصادي أمريكي داخلي، على اقتصاد العالم، مما جعل التفكير في استبدال الدولار أمرًا مُلِحًّا، كما ازداد اللجوء إلى الذّهب والعملات الأخرى، مثل اليورو، فيما تراجع الطلب على سندات الخزانة الأمريكية، رغم زيادة معدلات الفائدة، وساهمت سياسة الرئيس “دونالد ترامب” في نفور دول “صديقة” و”حليفة” لأمريكا من سياساته ومن فَرْض الرسوم الجمركية، وأدّى رد فعل الصين وأوروبا (بزيادة الرسوم على السلع الأمريكية) إلى صعود أسعار الواردات الأمريكية لأعلى مستوى ليتسبب ذلك في قفزة للتضخم، كما زادت هذه السياسة الأمريكية من احتمالات التّخلِّي عن اعتماد الدولار في المعاملات التجارية الدّولية (الصين وروسيا وتركيا وإيران والإتحاد الأوروبي…)، ومما يُقَلِّصُ بالتالي من هيمنة الدولار ومن قيمته في الأسواق العالمية، وعلى سبيل المثال، أعلن رئيس المفوضية الأوروبية “وجب تحديد سعر السّلع الأوروبية باليورو، وليس بالدولار”… كما اتخذت الصين عدة إجراءات عَمَلِيّة، من بينها افتتاح بورصة عالمية للطاقة، في مدينة “شنغهاي”، حيث يتم تداول تجارة النفط باليوان (العملة الصينية)، وتوقَّعت مجموعة “غولدمان ساكس” المصرفية أن تفقد الولايات المتحدة بعضًا من هيمنتها الإقتصادية، خلال السنوات الخمس المقبلة، عبر انسحاب المستثمرين من السندات الأمريكية، تدريجيا، لترتفع قيمة الإستثمارات الأجنبية في الأوراق المالية الصينية المقومة باليوان، كما قررت كل من روسيا وتركيا وإيران والعراق استبدال الدولار باستخدام العملات المحلية في تجارتها مع جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا، ويتركز الضرر الحقيقي الذي يهدد مكانة الدولار في السياسات التي من شأنها القضاء على الاستقرار المالي، وانخفاض درجة الثقة في المؤسسات الأمريكية، كما إن الدّولار مهدّد بالإنهيار، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى البطالة، الأمر الذى سيعود بالولايات المتحدة إلى فترة الكساد...

اعتبرت صحيفة “فايننشال تايمز” إن الدّولار “يحتاج إلى دعم من المصرف المركزي بعيدًا عن التدخلات المباشرة، كما يحتاج إلى سيادة القانون وإلى نظام قضائي مستقل”، وهو ليس بحاجة لإلى التدخل المباشر والفَج للرئيس (بصفته مُمَثِّلاً لفئة من الرّأسمالية الحاكمة)، وإنما يحتاج الدولار إلى “مجموعة من العوامل المعززة لثقة المستثمرين في المؤسسات الأمريكية”، وفق الصحيفة المختصة في الشأن الإقتصادي والمالي، وورد في نفس المقال: “رغم التراجع الطّفِيف في هيمنة الدولار كوسيلة للتبادل التجاري، فإنه يبقى، بلا منازع، الملاذ الآمن الأفضل، ولم يظهر المستثمرون الأجانب، بما في ذلك المصارف المركزية، أي علامات على التخلي عن أصولهم الدولارية…”

يُعتَبَرُ هذا الرأي متفائلاً، ولكنه يستند إلى بُطْءِ عملية اهتراء وضع الدولار، أو تراجع مكانته في المبادلات العالمية.

الظروف التاريخية للهيمنة:

لم تتعرض الولايات المتحدة في تاريخها القصير إلى أي حرب على أراضيها، ولم تتعرض إلى أي هجوم، ولم تَخُضْ أي حرب دفاعية، ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحربَيْن العالميَّتَيْن في أواخرها، دخلت الحرب الأولى سنة 1917، بعد تخريب أوروبا، منذ 1914، ودخلت الثانية بداية من 1943 (بدأت الحرب منذ 1939) وخربت طائراتها مُدُن الحُلفاء في فرنسا وبريطانيا، وكذلك مدُن الصف المُقابل (ألمانيا وإيطاليا واليابان)، وانتهت الحرب قبل منتصف 1945، بإنهاك الإتحاد السوفييتي، لكنه اكتسح نصف قارة أوروبا وحَرّرَها من الإحتلال النّازي، وانتهت الحرب أيضًا باستنزاف أوروبا الغربية واليابان، وبدخول الجيش الأمريكي إلى عواصمها، دخول “المُحَرِّر”، أو الغازي المُنْتَصِر…

قبل نهاية الحرب، تهيأت الولايات المتحدة للهيمنة على العالم، عبر اجتماع “بريتن وودز”، حيث دعت الحكومة الأمريكية 44 دولة بمدينة “بريتون وودز” سنة 1944، بهدف تأسيس نظام نقدي قائم على التجارة الحرة ويضمن السيولة الكافية لجميع الأعضاء، مقابل مجموعة من الشروط وأهمها ربط عملة كل دولة إما بالذهب أو الدولار، وهو النظام الذي تَواصل العمل به حتى سنة 1971، عندما قَرّرت الحكومة الأمريكية وقف تحويل الدولار واحتياطات الدول الأخرى من الدولار إلى الذهب، ولكي يكون هذا النظام ناجعًا، رافقت تأسيسه مجموعة من المؤسسات “الدّولية” (وجميعها تحت الهيمنة الأمريكية، وهيمنة الدّولار)، من بينها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وما أصبح يُعْرَفُ لاحقًا ب”منظمة التجارة العالمية”…

اندَرَجَتْ هذه الخطوات ضمن خطة أمريكية مُحْكَمة، أُعِدّت قبل نهاية الحرب، وانتهزت أمريكا فرصة ضُعف أوروبا، لتفرض هيمنتها عليها، وعلى العالم، وعند طَرْحِ مسألة إعادة إعمار ما خَرّبَتْهُ الحرب (وما خربته الطائرات والسفن الحربية الأمريكية في بلدان أوروبا)، قَدّمت الولايات المتحدة برنامج “مارشال” الذي يتلخص في إقراض أوروبا واليابان مبالغ ضخمة بالدولار، لإعادة الإعمار، وشكّلت إعادة إعمار أوروبا واليابان، بداية نجاح الخطة الأمريكية، الهادفة هيمنة الدولار على النظام النقدي العالمي…

لم يوافق الإتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية (منذ البداية) على الإنضمام لنظام نقدي تُهيْمِنُ عليه الإمبريالية الأمريكية، لكن هيمنة الدولار زادت، وازدهر الإقتصاد الأمريكي (على حساب أوروبا التي عَمَّهَا الخراب والدّمار)، وهيمنت أمريكا على التجارة العالمية، عبر التوسع في الأسواق (لأن أداة الإنتاج والزراعة والمصانع الأمريكية بقيت سليمة خلال الحرب) وعبر اعتماد الدولار عملة الاحتياطات الدولية، بل أصبحت الولايات المتحدة منذ اتفاقية “غات” للرّسُوم الجمركية (المنظمة الأم لمنظمة التجارة العالمية) سنة 1947، تُشْرِفُ على إدارة الاقتصاد العالمي بصفتها القوة العظمى الأولى بعد تراجع نفوذ الإمبرياليتَيْن البريطانية والفرنسية…

مظاهر قوة الولايات المتحدة وقوة الدولار:

لا يحتاج الدولار الأمريكي إلى أي ضمان أو أي غطاء، رغم اعتماد التجارة الدولية على التعامل بالدولار، وتقويم أسعار البضائع مثل النفط والمعادن والمحاصيل الزراعية (كالحبوب والسّكّر والزّيوت النباتية والألْبان ومشتقّاتها) بالدولار، وأصبح اعتماد الدولار في حد ذاته، يُعتبَر بمثابة تغطية احتياطية، مما يجعل نفط مجموعة “أوبك”، وحبوب روسيا وأوروبا، وغيرها من المُنْتجات غير الأمريكية، تُشَكِّلُ غطاءً للدّولار، وأصبحت الخزانة الأمريكية (المصرف المركزي) تَقُوم بدور المصرف المركزي العالمي، ولذلك فإن من أهَمّ أسباب قوة الدولار الأمريكي، اعتماده كعملة التبادل التجاري العالمي وتقويم سعر النفط وأهم المعادن، والمواد الأولية، والحبوب، بالدولار الذي يُمثل أكثر من ثُلُثَيْ احتياطيات الدول، أي إن الولايات المتحدة تتحكم في أسعار السلع وفي احتياطيات الدول من العملات الأجنبية…

أصبحت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي يمكنها طَبْع أوراق نقدية، وتُصَدِّرُها إلى مختلف بلدان العالم، التي تلتزم بالدفع مقابل هذه العملات، فيما يبقى قرار تسعير قيمة هذه العملة (الدّولار) من اختصاص الولايات المتحدة، كما أظْهَرت الولايات المتحدة إنها قادرة على تجميد ومُصادرة أموال الدول التي تُخالفها الرأي، لأن هذه الأموال مُقومة بالدولار، أو مَرّت عبر المصارف الأمريكية، وأصبح اعتماد الدولار في التعاملات، يُشكل وبالاً على أي دولة تختلف حكومتها مع سياسات الولايات المتحدة، التي تُهدِّدُ بمصادرة الأموال، وتجميد الإستثمارات، مثلما فعلت مع العراق وليبيا وإيران وروسيا وفنزويلا وغيرها…

هل هي بداية الإنهيار؟

إن أحد عوامل قوة الدولار الأمريكي هو ضعف العملات التنافسية الأخرى، والمشاكل التي تُعاني منها منطقة “اليورو”، وتخوفات الصين من الرد المناسب على العدوان الإقتصادي الأمريكي (الحرب التجارية) لتجنّب انخفاض أو وقْفِ تدفق رؤوس الأموال المفتوحة و تقليص حجم التجارة العالمية التي تستفيد منها الصين حاليا…

أدت الحرب التجارية التي أعلنتها الولايات المتحدة، مع خروجها من “اتفاق النووي الإيراني” إلى إعلان بعض قادة أوروبا (باحتشام) ضرورة السّعي للتخلي عن العملة الأمريكية، وضرورة البحث في بناء قوة أوروبية مُسْتَقِلّة عن الولايات المتحدة، وكتبت صحيفة “طهران تايمز” الإيرانية (09/09/2018) إن رئيس المصرف المركزي الإيراني ناقش في اجتماع مع ممثلي روسيا وتركيا مسألة المبادلات التجارية فيما بينهم باستخدام العملات المحلية بدلا من الدولار… كما وصف رئيس المفوضية الأوروبية ، في أيلول/سبتمبر 2018 إجبار الأوروبيين على شراء سلعهم الخاصة بالدولار بـ”السخيف”، وصرح وزير المالية الفرنسي بضرورة الإستقلال عن الولايات المتحدة، عبر فك الإرتباط بين اليورو والدولار.

كتبت صحيفة “فايننشال تايمز” (04/12/2018) إن السياسة العُدوانية للرئيس الأمريكي، دفَعت بالإتحاد الأوروبي إلى وَضْعِ خطة لتعزيز السيادة الإقتصادية الأوروبية، ولدور دولي أقوى للعملة الأوروبية (اليورو)، بغية الحدّ من هيمنة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية، ولتعزيز القطاعات الاستراتيجية الأوروبية، مثل الطاقة والسلع الأساسية وصناعة الطائرات، فضلا عن تعزيز نظام المدفوعات الأوروبي، وأصبحت أوروبا من الدّاعين (قَوْلاً على الأقل) إلى “عالم متعدد الأقطاب”، وشكل خروج الولايات المتحدة من الإتفاق النووي (مع إيران) مُنْطَلَقًا للنقاش في أوروبا بشأن “تعزيز دور العملة الأوروبية” والدّعوة إلى “سيادة أوروبا على قراراتها الاقتصادية والمالية، ويتكتّم الزعماء الأوروبيون وكذلك وسائل الإعلام عن فك الإرتباط الأوروبي مع حلف شمال الأطلسي، أو استقلال القرار السياسي الأوروبي بشأن الحروب العدوانية التي تَشُنُّها الولايات المتحدة في العالم، بمشاركة أوروبية نشيطة، من أفغانستان إلى غرب إفريقيا، مرورًا بسوريا والعراق واليمن والصومال وليبيا وغيرها…

في روسيا، أشارت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية، إلى أن روسيا بصدد الحد من ارتباط التعاملات الروسية بالد,لارا، وهي بصدد تقليص أصولها المالية من الدولار، بسبب ارتفاع المخاطر المرتبطة بالعملة الأمريكية في التعاملات الدولية، وتسعى روسيا للتخلص من الدولار، بواسطة دعم احتياطيها من الذَّهَب، وبيع السندات الحكومية الأمريكية، كما أدّت الحرب التجارية، التي أعلنتها أمريكا ضد الصين، إلى فرض البلدين عددا من الرسوم والإجراءات، في الإتِّجاهَيْن، مما يُقَلِّصُ حركة التجارة بين أقوى اقتصادين في العالم، وعمدت الصّين تَحَدّي هيمنة العملة الأمريكية في أسواق الطاقة العالمية، فبدأت بإدخال عملتها المحلية “اليوان” في تعاملات الطاقة الخاصة بها… وعبرت حكومتا كل من روسيا والصين على ضرورة خفض الإرتباط بالمنظومة المالية الأمريكية، وذلك بتقليص استخدام الدولار في التعاملات التجارية، مع زياد حصة العملات المحلية في المبادلات والتعاملات الدولية، على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف…

يَعْتَبِرُ بعض خبراء الإقتصاد الشمولي (ماكرو إيكونومي) هذه المتغيرات، نتيجَةَ استخدام الدولار في العقوبات المالية، إنذارًا للولايات المتحدة، بسبب الحسابات الخاطِئة، لأن الإتحاد الأوروبي يسمح للشركات الأوروبية بالإلتفاف على العقوبات الأمريكية، لتتمكن من مواصلة نشاطها، بعد الخلافات بشأن انسحاب واشنطن من “الإتفاق النّوَوِي” مع إيران (وهو اتفاق دولي وليس ثنائي بين إيران وأمريكا)، بالإضافة للرسوم الجمركية التي فرضتها أمريكا على الألمنيوم والفولاذ…

خاتمة:

أدّت الحرب التجارية التي أعلنتها الولايات المتحدة إلى ظُهُور بعض التّمَرّد الأوروبي، وإلى وضع آليات التعامل بغير الدّولار، من قِبَل منتجين كبار للنفط، مثل روسيا، ومُستهلكين مثل الصين والهند، الذين يفوق استهلاكهم استهلاك الولايات المتحدة، لكن التزم الدّاعون إلى هذه الفكرة (استبدال الدولار بالعملات المحلية) الحَذَرَ الشديد، لأن الإمبريالية الأمريكية استخدمت القوة العسكرية للقضاء على محاولات استبدال الدولار بعملات أخرى، غير إن مجموعة “بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)  التي تضم  دولاً كُبرى طرحت الفكرة بخجل، لكن بأكثر وضوح، وذلك قبل أن تضعف جنوب إفريقيا، وقبل أن يفوز اليمين المتطرف في انتخابات الهند والبرازيل، ويهدف المشروع الأصلي لمجموعة “بريكس” تطوير المبادلات التجارية بين هذه البلدان، باستخدام العُملات الوطنية، بديلا عن الدولار، ورحّبت بعض الدول المُصدّرة للنفط بالفكرة، لأن واردات بلدان آسيا وأوروبا من النفط تَفَوق بكثير واردات الولايات المتحدة (التي أصبحت مُصَدِّرًا للنفط الصّخري، وتنافس روسيا والخليج)…

إن الدول التي يمكن أن تُساهم بفاعلية في إزاحة الدولار عن موقعه هي روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، ولكن لكل من هذه القوى حساباتها الخاصة، ونقاط ضعفها، بينما يعتمد الإقتصاد الأمريكي على استيراد العديد من المواد الإستهلاكية الرخيصة، المصنوعة في البلدان الفقيرة، ويُشجع التكنولوجيا المتطورة والصناعات العسكرية (والقطاعات الإستراتيجية) على البقاء في الولايات المتحدة، وبذلك يمكن أن تتسبب الحرب التجارية في خسائر فادحة للإقتصاد الصيني، لأن الولايات المتحدة أكبر زبون لصادرات الصين، وربما تكون خسائر الإقتصاد الصيني جسيمة، جراء ضُعْف قيمة الدولار، لأن الصين تمتلك احتياطات ضخمة من الدولارات (حوالي أربعة تريليون دولارا)، بالإضافة إلى الإستثمار الهائل للصين (1,170 تريليون دولارا) في الدّيُون الأمريكية، التي تُقَدّر قيمتها الإجمالية ب21,52 تريليون دولارا، وإلى ضخامة حجم التجارة الأمريكية الصينية البالغ 500 مليار دولار سنوياً، من إجمالي صادرات الصين البالغة قيمتها 2,1 تريليون دولارا (سنة 2016)، وفق منظمة التجارة العالمية، وموقع صحيفة “سايكصين” المالية الصينية، (بتاريخ 20/09/2018)… لذلك قد تكون الصين أكبر مُتَضَرِّرٍ من تدهور قيمة الدولار، وتراجع مكانته في الإقتصاد العالمي…

تُعالج الحكومة الأمريكية تراكم المديونية، والأزمة المالية (منذ 2008) بضخ المزيد من السيولة، أي بطباعة الدولارات، أي إن أمريكا تُسَدِّدُ دُيونها بدولارات لا قيمة لها، لأنه لا يُقابلها إنتاج، مما قد يُؤدّي إلى انهيار للدولار، أو إلى فقدان دول العالم جزءًا من ثرواتها، وفقدان الثقة في العملة الأمريكية التي تُشَكِّلُ أساسًا للتعاملات التجارية وللإحتياطي النّقدي في المصارف المركزية، إضافة إلى ما تمتلكه الدول من سندات الخزينة الأمريكية…

تتمتل المعضلة في عدم إمكانية اعتماد عملة عالمية بدل الدولار، حاليا، لكن مبادرات روسيا والصين للتعامل بالعملات المحلية، وعقد صفقات وإبرام عُقُود مع دول أخرى، بالعملات المحلية، وزيادة الإقبال على شراء الذهب (لاستخدامه كاحتياطي بدل الدولار) يُضْعِفُ من هيمنة الدولار، ومن هيمنة الإمبريالية الأمريكية، ولو بِبُطْءٍ شديد، وبنسبة صغيرة…

يُمكن للدول المُصَدِّرَة للنفط وللمعادن التّخلي عن الدولار في معاملاتها اليومية، لكن غياب القرار السياسي السيادي، وهيمنة الشركات متعددة الجنسية على هذه الثروات، يُعرقل أي تحرك ضد الولايات المتحدة حاليا، ويبقى نضال الشعوب والطبقات الكادحة، أساس أي كفاح من أجل تأميم الثروات وإلغاء الدّيون، ومقاطعة بضائع وعملة الويات المتحدة…  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.