جريمة جديدة يرتكبها داعش بحق آثار سورية / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي* ( سورية ) الإثنين 13/7/2015 م …

* مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق

في تصرف مماثل بما تمارسه إسرائيل  في فلسطين المحتلة وتنظيم داعش في العراق بحق الآثار تمارس داعش عربدتها وسطوتها ليطال آثار ومتاحف  سورية الضاربة في الجذور، بذلك إنتقلت حربها من مرحلة إبادة الناس إلى مرحلة إبادة الأثر والتاريخ البشري الذي يحويه المكان السوري على إتساع رقعته الجغرافية، هذا ما نراه منذ أشهر من إستهداف ممنهج للمواقع الأثرية، آخرها تفجير جزء من قلعة حلب وقصف مدينة تدمر التاريخية، كما تتعرّض الآثار والمواقع التاريخية في سورية لحالة نهب وتدمير غير مسبوقة نتيجة الحرب التي تستعر نارها في عدد من المحافظات السورية، وخاصة بعد تحويل داعش والقوى المتطرفة الأخرى الكثير من القلاع والمباني الأثرية إلى متاريس وأماكن للتموضع العسكري، وهو ما أدّى إلى تعريض تلك الآثار العريقة للقصف المتبادل وللموت الأثري البطيء، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ماذا يريد هؤلاء المجرمون من تراثنا ولماذا يستهدفون تاريخنا وحضارتنا وإنسانيتنا؟.

سورية التي تعد كنزاً تراثياً كبيراً تعرضت منذ إندلاع الحرب فريسة للنهب والتدمير، وتعرضت متاحفها للسرقة، كشفت صحيفة الإندبندنت البريطانية في عددها الصادر في 5 أغسطس السابق، أنه تم إغراق أسواق الأردن وتركيا ودول عربية وغربية بالقطع الأثرية السورية المسروقة، وهناك تقارير من أنحاء سورية عن أضرار جسيمة يصعب إصلاحها لحقت بالمواقع التراثية النادرة،  واليوم ترتكب عناصر داعش فعلاً إجرامياً جديداً بحق آثار سورية وإرث البشرية، إذ أقدمت على تفجير جزءاً من السور الرئيسى للقلعة الأثرية فى مدينة حلب شمال سورية والمدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمى، تلك القلعة التى استعصت على غزاة العالم  أصبحت هدفاً لقتلة الحضارة و الإنسان ، ووصل الأمر أن داعش أطلقت تهديدا بتفجير قلعة حلب التي تعتبر قصر محصن بغية  تحريرها، كما أحرقت داعش سوق حلب الذي ظل منذ 4000 عام ملتقى للتجار من مختلف أنحاء العالم ، بالإضافة إلى البلدة القديمة في دمشق وبصرى الشام والقرى القديمة في شمال سورية وقلعة الحصن، التي يرجع تاريخها إلى عهد الحروب الصليبية، وقلعة صلاح الدين وتدمر وغيرها، كما تعرّضت الكنائس والأديرة التي تعود الى مئات السنين، للهدم على يد الأصوليين الذين يعيثون فيها نهباً، قبل تدميره، غير أن هذا التوجه الأخرق بإستهداف المواقع الأثرية القديمة ينم عن حقد دفين تجاه سورية  وموروثها الحضاري ومحاولة لمحو حضارتها وتاريخها الذي تعاقبت عليها الحضارات البابلية والمصرية والفارسية واليونانية والرومانية، إنهم يهدفون الى تهميش سورية وتاريخها وضرب هويتها الذي هو إعتداء على الإنسانية جمعاء.

في وقت سابق صدرت تحذيرات عدة من العالم حول خطورة دخول داعش للمناطق التاريخية في سورية ليس آخرها تحذير المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”، إيرينا بوكوفا، من أنه إن حصل وتم تدمير مدينة تدمر الأثرية السورية، التي سيطر عليها تنظيم داعش مؤخراً فهو أخطر من أن يكون مجرد جريمة حرب بل سيشكّل خسارة هائلة للبشرية، وأضافت بوكوفا أن تدمر مهد الحضارة البشرية، وأنها ملك للبشرية جمعاء، وأن الجميع اليوم يجب أن يكونوا قلقين لما يحصل، في هذا السياق لا بد من مناشدة جميع مؤسسات الدولة، وزارة الثقافة والسياحة، وكل القوى المدنية الفاعلة، وكل الناشطين والمنظمات المدنية الدولية، كاليونسكو والأليسكو، و… و… الخ، ذات العلاقة بشأن التراث الإنساني الانتباه لما يجري في سورية وأن يقفوا بمسؤولية أكبر في وجه إستهداف الآثار وكل ما يمس بهذا التراث، باعتباره إرثاً إنسانياً ولا بد من أن نلتقي على هدف ومبدأ هو حماية إرثنا الثقافي الذي لا يقدر بثمن، ووقف أطراف القتال، وتلافي هذه الكارثة الإنسانية التي كل يوم نرى نتائجها تلتهم المدن المطحونة بالحروب.. مدينة حلب، وحمص ودرعا..و.. لأن استهداف حضارة سورية إنما هو استهداف لهوية الإنسان السوري.

مجملاً….نشعر بحزن عميق ونحن نرى ونسمع عن ممتلكاتنا وآثارنا وهي تسرق وتهرب وتباع بأبخس الأثمان وبطرق بعيدة عن كل أنواع الأعراف والأخلاق، فالحرب لم تعد حرباً على سورية الوطن فقط، بل تحولت الى حرب للنيل من تاريخها وعراقتها وسلب إرثها الحضاري والثقافي وهو أغلى ما تملك، فهم يهدفون الى تعزيز خلخلة موقع سورية في التصنيف العالمي، فضلاً عن تشويه وتغيير هذا الإرث الحضاري والثقافي الكبير للشام،انها محاولة بائسة يائسة لكسر إرادة السوريين، بالأمس القريب دخلوا مدينة تدمر واليوم أظهروا حقدهم وغلهم وقاموا بتفجير جزء من سور قلعة حلب  الأثرية، إنما يعبرون بذلك عن دنائتهم وسقوطهم الأخلاقي وهدفهم ليست الجدران ولا المباني .. وإنما أرادوا بذلك النيل من رمزية تلك الأماكن وما تمثله من دلالات تاريخية حافلة بالشموخ والعصيان على كل الغزاة والمحتلين الذين سبقوهم والذين أراداوا بسورية السوء، بالتالي إن كل ما يجري في سورية من تدمير وتخريب لمعالمنا الثقافية هو مخططاً رهيباً وحاقداً لإزالة شواخص سورية وبنيتها الحضرية، يريدون من خلاله القضاء على ذاكرتنا …وحضارتنا… وثقافتنا… وتراثنا… واستبدال العلم بهمجية التخلف والوفاء والمحبة بالبغض والكراهية،لمحو الشخصية السورية وتدمير هوية عقل الإنسان السوري، وأخيراً ربما أستطيع القول إن الإستمرار في تدمير التاريخ والحضارة السورية يؤشر لنا الدليل على أن المستهدف هو سورية وشعبها بكافة مكوناته وأطيافه مما يستوجب من الجميع وقفة جادة ومسئولة تبعد الخراب والتدمير عن الشأن السوري المؤثر بفعالية في المنطقة الإقليمية والدولية.

 

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.