روبن هود الأردني / قمر النابلسي

قمر النابلسي ( الأردن ) الخميس 3/1/2019 م …



روبن هود الأردني
(من سلسلة قناديل في العتمة)
منذ أن كنّا صغاراً وحتى الآن والسؤال نفسه يطرح على الأطفال في مختلف الأعمار, في البيت,في المدرسة,مع الأقارب :(ماذا تريد أن تُصبح عندما تكبر) لنحظى بإجابات مفاجئة أحياناً, مدهشة أحياناً أخرى, وغالباً مضحكة ,من تأثر هؤلاء الأطفال بما يشاهدون من رسوم متحركة وأفلام فمنهم من يريد أن يصبح سوبرمان ليساعد الضعفاء أو الرجل العنكبوت ,لجميلة صغيرة تريد أن تكون بياض الثلج وتحظى بالأمير, وغيره مما ترك أثراً بنفوس هؤلاء الصغار من القصص والشخصيات .
صدقاً لا أذكر بماذا كنت أجيب وأنا صغيرة عندما كنتُ أسأل هذا السؤال,ولكن لو قدّر لي أن أختار الآن ماذا أريد أن أكون لأجبت بكل إصرار:أريد أن أكون روبن هود,تلك الشخصية التي شاهدناها كثيراً من خلال الرسوم المتحركة ومن خلال الكثير من الأفلام ,أما روبن هود فهو شخصية انجليزية برزت في الفلكلور الإنجليزي تمثل فارساً شجاعاً مهذباً طائشاً (خارج عن القانون في نظر الفاسدين,نصير الفقراء في نظر العامة)عاش في العصور الوسطى ,وكان يتمتع ببراعة مذهلة في رشق السهام ورميها,حيث كان يقوم بسرقة الفاسدين من أجل إطعام الفقراء, حيث كان روبن هود مع مجموعة من الرجال الأقوياء الأشدّاء يحاربون الظلم والطغيان ومعظمهم من الطبقة المتوسطة هدفهم محاربة الفساد والقمع.
ربما لأن الفاسدين أذكياء جداً لا يتركون خلفهم أي أثر,لهم أعوان بينهم مصالح وحماية متبادلة,يتقنون اقتناص الفرص وإخفاء الأدلة,رغم أننا نعرف معظمهم بالأسماء ,والكثير يعرفون كيف نهبوا أموال الوطن ,وكل صفقاتهم المشبوهة,ولكن لا دليل يُدين ,رغم أن الأدلة كثيرة وواضحة كما الشمس في كبد السماء:مديونية ,فقر,بطالة,طبقة متوسطة متآكلة, مؤسسات متهالكة.
لذلك كان لا بد من روبن هود ,ولأحمي نفسي من القانون الأعمى أحياناً, سأضع قناع روبن هود الأسود.
سأقف عند كل محطة وقود في زاوية مخفية,أرقبُ كل من جاء ليملأ قنينة بالكاز, بالكاد يملك ثمنها ليرجع لأجساد كمشها البرد بأمعاء خاوية علها تبث بعض الدفء في الأوصال.
وسأختبىء بالقرب من كل حاوية قمامة لأحصي عدد النابشين في الحاويات, والسيدات الجالسات بجانبها مع أطفالهن ينتظرون ما تجود به المركبات المارة ,وهم يكثرون لهم من الدعاء علّ المبلغ الممنوح يكفي وجبة العشاء.
أما عند كل إشارة ضوئية, فبعدد الأطفال المشردين الذين يطرقون نوافذ المركبات ليبيعوا ما بأيديهم الصغيرة الباردة, بعيون متحجرة من قسوة الحياة ,سأحرص على حمل كل ما باستطاعتي من أموال الوطن المنهوبة في جعبة الفاسدين,سأملؤها بأكياس(خيش) حتى لا ألفت النظر ,أوزعها على كل بيت, بالقدر الذي يضمن لهم حياة عزيزة كريمة ,سأغادر بخفة كما روبن هود من دون أن يراني أحد ,لن أحتمل نظرة انكسار أو حتى امتنان من احدهم, فأنا لم أقدم لهم إلا ما يستحقون في وطنهم .
فالوطن أمان وعزة وكرامة .
حماك الله يا وطني

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.