المغرب … قصة أمير لا يُريد اللقب ويرفض أن يُدفن في المقبرة الملكيّة… بينما للملك رأيٌ آخر
“أودّ أن أكون حراً وأعيش حياتي وكل الإمكانات المُتاحة لي”، هكذا برّر الأمير مولاي هشام، ابن عم الملك المغربي محمد السادس، الطلب الذي وجّهه إلى الملك من أجل إعفائه من لقبه الأميري بصفة نهائية، ليُصبح اسمُه الجديد/ الأصلي في سجلاّت الحالة المدنية هو “هشام العلوي”.
لقد شكّل إعلان مولاي هشام صدمة في الأوساط المغربية، فعلى الرغم من أنه معروف بمواقفه المثيرة للجدل التي تجعل منه الاستثناء داخل الأسرة الملكيّة، إلا أن رغبته في التخلي نهائياً عن لقب الأمير فاجأت الكثيرين، لأنها تعني أن الرجل يريد أنْ يبتعد بصفة نهائية عن المؤسسة الملكيّة، لدرجة أنه كشف في حواره مع قناة “فرانس 24” الفرنسية أنه طلب من الملك ألا يتمّ دفنه في مقبرة تابعة للعائلة الملكيّة؛ وهو طلب يحمل في طيَّاتِه رسائل ومعاني كثيرة.
طلب مرفوض
خلال مقابلته التلفزيونية، أكد الأمير هشام أن القضاء المغربي لا يستطيع البتّ في طلبه لأن مسألة كهذه تدخُل في إطار صلاحيات الملك حصراً، ما جعله يتقدّم بطلب رسمي إلى ابن عمّه (الملك) بمساعدة محاميه؛ لكن مصدراً مُقرّباً من الأمير، كشف في حديث مع رصيف22 أن الملك كان قد رفض طلباً مماثلاً من مولاي هشام منذ ثلاث سنوات.
يعني ذلك، بحسب المصدر، أنه حتى وإن تجدّد طلب الأمير مرة أخرى، فإن الملك لن يُوافق لحساسية المسألة، فهي سياسية بالدرجة الأولى، إضافة إلى أنها تمُسّ بصورة ما تماسك الأسرة الملكيّة، بِحُكم أن الملك يبقى هو رئيس العائلة، وبالتالي فإن أي شيء يخُصّ أحد أفرادها يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.
دوافع الأمير
لماذا يرغبُ هشام العلوي في التخلّي عن صفته الأميرية؟ هل هو إعلان عن قطع شعرة معاوية مع الملكيَّة؟
بالعودة إلى مساره خلال العشرين سنة الماضية، يظهر أن علاقة الأمير هشام بالقصر، وابن عمه الملك تحديداً، اتسمت بالفتور، منذ أن طُلِبَ منه الابتعاد نهائياً عن البلاط غداة وفاة الملك الحسن، وذلك بعدما “اصطَدَمَ” بالملك الجديد حين قدَّم لهُ تَصوُّره حول مستقبل الملكيَّة.
شارك عام 2005، تشكلت خليّة من داخل القصر لبحث نزع اللقب عن هشام العلوي، لكنها توقفت… ويبقى القرار بيد الملك حصراً، فيما يتم استبعاد حصوله لـ”حساسيّة المسألة”
“استجمعت شجاعتي وذهبت للقاء محمد السادس في القصر لأُصارحهُ برأيي في النظام الملكي، والمخزن بحضور وُجهاء القصر والأسرة… قُلت له إن ثروة العائلة المالكة يجب أن تعود إلى الأمة، وناشدته ألاّ يعطي أية ضمانات لجنرالات الجيش، وألاّ يعقد اجتماعاته في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، كما طلبت منه تنحية إدريس البصري من وزارة الداخلية برفق، وأخيراً ألححت عليه لأجل تعزيز انفتاح النظام على اليسار. لم يُجبني الملك وظهر كأنه لا يدري ما يقول، وتجنَب أن أُكلّمه على انفراد، وتكفّل الوجهاء الحاضرون بتقويض كل طروحاتي واقتراحاتي بقوة، مع احترام اللياقة”؛ يقول الأمير في كتاب مذكراته “سيرة أمير مُبعَد”، الصادر عام 2014 والممنوع في المكتبات المغربية من دون قرار رسمي؛ وِفقاً للمعطيات التي سبق وأن نشرناها في يونيو الماضي.
مُحاولةٌ… قبل 13 سنة
عام 2005، نشرت مجلة “الصحيفة” – المُتوقّفة عن الصدور- خبراً يتحدّث عن “تفكير بعض المحيطين بالملك في محاولة تجريد مولاي هشام من صفة الأمير”؛ وهو الخبر الذي أكّد مصدر مُقرّب من الأمير صحّته لرصيف22.
قالت “الصحيفة” آنذاك إن خليّة تشكّلت لبحث ما إذا كان ذلك مُمكناً من الناحية القانونية، بحيث ذكرت المجلة أن “تلك الخليّة باشرت اتصالاتها مع عبد اللطيف أكنوش، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، بغرض تكليفه بمهمَّة بحث الصّيغة القانونية لهذه العملية”.
وعن سبب اختيار أكنوش، شرحت المجلة أنه يعود إلى كونه “كان خلال منتصف الثمانينيات من القرن الماضي قدْ أنجزَ دراسة حول (صفة الأمير) نُشرت في موسوعة المغرب”، وأن الإتصال به في ذلك الوقت تمّ من خلال الوزير المنتدب السابق في الداخلية فؤاد عالي الهمة (المستشار الحالي للملك) والمدير العام السابق للأمن الوطني حميدو لعنيكري؛ وأن لقاءات عُقدت لهذا الغرض بين الثُّلاثي المذكور أسْفرَت عن اعتذار أستاذ القانون الدستوري عن القيام بهذه “المهمّة”.
أن تكون أميراً، أميراً مغربياً بالتحديد، يفرض عليك العديد من القيود؛ قيود لم يتقبّل مولاي هشام أن يَفْرِضها على نفسه، وشرع يُعبّر عن مواقفه من نظام الحكم ويدعو إلى الديمقراطية ويدافع عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان
في العام 1985، كان الملك الراحل الحسن الثاني قد أسقط لقب “صاحب السمو الملكي” عن الأمير هشام وأخيه وأخته، واستبدله بـ”صاحب السمو”.
يقول الأمير عن هذه الواقعة في كتاب مذكراته: “طوال أسابيع راح مُذيعو الأخبار في دار الإذاعة والتلفزة الوطنيَّيْن يقولون (الملك الحسن الثاني يُرافقُه صاحب السمو الملكي، آه… لا، عفواً، صاحب السمو…)، وكنت آنذاك في عُنفوان شبابي، مُعتزاً بنفسي، فتأثّرت بهذا القرار الذي جرح كبريائي في الصميم”، مضيفاً “من حُسن الحظ استدعتني جدّتي لأبي للاَّ عبلة لِتقُول لي: (اسمع، كلّ هذه الألقاب أتتنا من الغرب، وهي مُجرّد ألقاب، فلا أنت صاحب سموّ ولا ملكيّ، أنت من الأشراف، وإذا اتخذّ الحسن الثاني هذا القرار فلِخِشيته أن تسرق الأضواء من ابنه”.
الأمير والقصر… الودّ المفقود
يحظى الأمير مولاي هشام بِشعبية كبيرة في أوساط المثقفين المغاربة، بالنظر إلى ثقافته الواسعة ودفاعه عن القيم الديمقراطية والحداثية ومُعارضته للمخزن (أي الطبقة الحاكمة المقربة من الملك)، لكن في المقابل، لم يحصل أي تقارب بينه وبين القصر لتجاوز الخلافات القائمة، بل في كلّ مرة كانت تظهر مؤشرات على أن “الخِصام” بين أبناء العم لم ينتهِ بعد…
فَفي نوفمبر 2005، ولأوّل مرّة بعد إبعاده من القصر، وُجِّهت دعوة رسمية إلى الأمير هشام لحضور احتفالات الذكرى الخمسينية لاستقلال المغرب إلى جانب باقي الأمراء والأميرات؛ آنذاك، اعتقدت الصحافة أن المياه عادت إلى مجاريها بين الأمير والقصر، لكن سرعان ما تبيّن ألا شيء تغيّر عندما نشرت مجلة “باري ماتش” الفرنسية صورة حصريّة لمجموع أفراد العائلة الملكيّة بدون حضور مولاي هشام.
بعدها بأربع سنوات، تكرّر المشهد نفسه خلال حفل زفاف شقيقة الأمير مولاي إسماعيل، بعدما نشرت جريدة “لوماتان” المقربة من القصر صورتان تملآن نصف الصفحة الأولى؛ تضمّ الأولى كل أفراد العائلة الملكيّة ما عدا الأمير هشام، فيما ظهر في الصورة الثانية برفقة شقيقه وعائلتيهما، ما دفع آنذاك الصحافي المُخضرم خالد الجامعي للخروج بمقال كتب فيه أن “هذا التمييز الفوتوغرافي يُسيء إلى الملكيّة لأنه يفتح الباب أمام كل الإشاعات والتأويلات، ويدفعُ أكثر من واحد إلى الاعتقاد بأنَّ العائلة الحاكمة تُعاني من نقص حقيقي في الوحدة…”.
لكن أن تكون أميراً، أميراً مغربياً بالتحديد، يفرض عليك العديد من القيود؛ قيود لم يتقبّل مولاي هشام أن يَفْرِضها على نفسه، وشرع يُعبّر عن مواقفه من نظام الحكم ويدعو إلى الديمقراطية ويدافع عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان بشكل علني بدون أيّ تحفّظات، وهو العارف بقواعد القصر التي تفرِضُ على الأمراء واجب التَّحفظ وعدم الخوض في هذه الأمور.
وبالعودة إلى حواراته الصحفية خلال العقدين الماضيين، يتضّح أن هشام العلوي كانت تُراوده فكرة التخلّي عن لقبه الأميري منذ مدة طويلة، إذ سبق وأن قال في حوار نُشر قبل أزيد من عشر سنوات: “إننا في القصر نعيش وسط فقاعة، إنه تشويه رهيب للواقع…بل يُمكن أن يؤدي إلى الخراب! ولو كنت قد أردت تثبيت مكانتي كأمير، ما كنت لأترك مكاني بجوار الراحل الحسن الثاني”.
التعليقات مغلقة.