المحاولة الثورية السودانية .. ودروس الماضى القريب / د. محمد سيد احمد

دام برس : دام برس | المحاولة الثورية السودانية .. ودروس الماضى القريب .. بقلم : الدكتور محمد سيد احمد
د. محمد سيد احمد ( مصر ) الخميس 3/1/2019 م …



أود فى البداية أن أؤكد أنه مهما حاول البعض تشويه ما حدث فى تونس ومصر منذ ثماني سنوات فيما عرف بثورة الياسمين بتونس وثورة يناير بمصر فأنهما سيظلان محاولتين ثوريتين حقيقيتين فى إطار كل ما حدث من مؤامرة على الأمة العربية تحت مسمي الربيع العربي والذي هو بالأساس ربيع أمريكى صهيونى بامتياز.
ومع حلول الذكرى الثامنة لثورة الياسمين فى تونس ويناير فى مصر تشتعل النيران فى السودان الشقيق فى محاولة ثورية جديدة تشبه الى حد كبير الياسمين ويناير, فالفقر والقهر والظلم والاستبداد عنوانها, لذلك ترفع نفس الشعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية, وتطالب بإسقاط النظام ورحيل البشير, وبالطبع الأيدى الامريكية الصهيونية جاهزة, والجماعة الإرهابية تتحين الفرصة للانقضاض على السلطة, ورموز السلطة الفاسدون يحاولون الاستمرار بأى شكل, دون أى محاولة لتعديل السياسات الاجتماعية والاقتصادية التى دفعت الشعب للخروج.
فما حدث فى ليبيا مثلا مؤامرة واحتلال للاستيلاء على نفطها وخيراتها, وما حدث فى سوريا هو أيضا مؤامرة للنيل من استقرارها واستقلال اراداتها السياسية والوطنية واكتفاءها الذاتى ودعمها للمقاومة, وبالتالى ما نطلق عليه ثورة ليس بالطبع كل ما حدث فى الوطن العربي, وما نطلق عليه مؤامرة هو ايضا ليس كل ما حدث فى الوطن العربي , لذلك يجب التفرقة بين ما حدث ويحدث داخل كل بلد عربي بشكل منفرد, واضعين فى حساباتنا الخصوصية البنائية والتاريخية لكل مجتمع.
فمقولة الربيع العربي كلمة مضللة ومقولة الربيع العبرى ردا عليها مضللة أيضا الى حد كبير فالتعميم خاطئ لذلك وجب التنويه والتفرقة. ومع اعترافنا وتأكيدنا على أن ما حدث فى تونس ومن بعدها مصر هى محاولات ثورية حقيقية لها أسبابها ودوافعها وبواعثها إلا أن هاتين المحاولتين لم يخلوا أيضا من محاولات افسادهما بواسطة القوى الامبريالية العالمية الامريكية الصهيونية حيث استخدمت هذه القوى بعض الجماعات الإرهابية بالداخل التونسي والمصرى من أجل ركوب الثورة والاستيلاء عليها وهو ما حدث بالفعل وسعت بعد ذلك القوى الثورية ومعها الجماهير الشعبية لتصحيح مسار ثورتيهما التى ركبتها جماعات الإسلام السياسي الممارسة للعنف والتطرف والإرهاب.
إن الثورات لا تحدث من فراغ بل هى نتيجة طبيعية لقهر الشعوب بواسطة حكامها, وفشل الحكومات فى تحقيق الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطن, واتساع الفجوة بين المواطنين فيما نطلق عليه عملية الفرز الاجتماعي حيث يزداد الفقراء فقرا مقابل ازدياد الاغنياء غنى, وحين يشعر المواطن بأنه لم يصبح له كرامة فى وطنه هنا يبدأ البحث عن بديل .
وعندما تغلق أمامه كل البدائل المتاحة وينفذ صبره تبدأ النيران تشتعل فى نفسه ومن هنا تبدأ الثورة على القهر والظلم والاستبداد, وهو ما حدث للشعبين التونسى والمصرى تحت حكم زين العابدين بن على وحسنى مبارك, لذلك كان الانفجار الشعبي الذى خرج فى ديسمبر 2010 فى تونس ويناير 2011 فى مصر مطالبا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
وبالفعل تمكنا فى غضون أيام قليلة من الإطاحة برموز النظامين فى إطار ثورتين سلميتين أذهلتا العالم ومن بعدها بدأت المخططات والمؤامرات تحاك ضد الشعبين والبلدين لإفساد ما حدث وحرمان الشعبين من تحقيق مطالبهما المشروعة فى العيش الكريم داخل وطنهم.
لكن وعلى الرغم من مرور ثمانى سنوات على المحاولتين الثوريتين التونسية والمصرية مازال الشعبان يشعران بمرارة شديدة ومعاناة على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, وحتى اللحظة لم يتحقق للمواطن البسيط الحد الأدنى من الحياة الكريمة ولا توجد بالآفاق بوادر انفراجة لتحقيق أحلام الفقراء والكادحين والمهمشين والمظلومين والمكلومين فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
نتيجة أن من وصل للسلطة فى تونس ومصر هى الجماعة الإرهابية وهو ما تطلب خروجا شعبيا سريعا عليها, وعندما تم الإطاحة بها من سدة الحكم فى تونس ومصر كانت فلول النظام القديم جاهزة لبعثرة الأوراق والعودة مرة أخرى للسيطرة عبر أدوات جديدة, فلم تظهر بنفسها فى المشهد بل استخدمت رجال الصف الثانى والثالث من الوجوه غير المعروفة ليحلوا مكانهم فى أروقة السلطة, وينفذون أجندتهم القديمة.
وعندما حاول الجيش الدخول لضبط الايقاع كان عليه أن يدخل معركتين فى ذات الوقت, المعركة الأولى ضد الجماعة الإرهابية المدعومة أمريكيا وصهيونيا ولديها أوراق ضغط بالداخل والخارج, ولازالت تمارس عملياتها الإرهابية المجرمة عندما تجد أن هناك استقرار نسبي قد بدأ يتحقق, والمعركة الثانية ضد رموز الفساد المدعومين أيضا أمريكيا وصهيونيا وهى المعركة الأشرس والتى لم يتحقق فيها نجاحات واضحة.
لذلك مازال الشعبان يشعران بعدم تحسن أحوالهم المعيشية, ولازالت فلول النظام القديم تسيطر على مفاصل الاقتصاد الوطنى الى جانب تغلغلها داخل السلطتين التنفيذية والتشريعية وبذلك حرم المواطن من أى ثمار لمحاولاته الثورية التى انطلقت منذ ثمانى سنوات.
وبالطبع ومع ظهور هذه المحاولة الثورية السودانية وجب علينا التنبيه والتحذير فعلى الرغم من إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي انحيازه الكامل لثورة يناير وللفقراء والكادحين فى كل خطاباته إلا أن المشكلة فى المؤسسات التى تعمل عكس ما يقول الرئيس, لذلك لابد من التحرك السريع لمواجهة رموز فساد نظام مبارك والإطاحة بهم من المشهد ووضع سياسات اجتماعية واقتصادية تأتى بنتائج سريعة يشعر بها المواطن قبل أن يصل لحد الانفجار, اللهم بلغت اللهم فاشهد.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.