فقه الحب ( 3 ) … الكبر والتواضع / عبد العزيز بدر القطان




 عبد العزيز بدر القطان ( الكويت ) الأحد 6/1/2019 م …

قال الحبيب المصطفى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) . وقال ايضا ( من تواضع لله رفعه ) . التواضع هو نقيض للكبر ، وللكبر عاقبة وللتواضع فضيلة . لقد تعلمنا في المدرسة ، ان السنبلة الفارغة ترفع رأسها في الحقل ، وان السنبلة الممتلئة بالقمح تخفضه ، فلا يتواضع الا كبير ومن كان واثقا بنفسه ولا يتكبر الا من كان عالما بنقصه . التواضع هو خلق جميل ، يتمتع به الانسان الراقي الرائع ، وبه يفرض احترام الاخرين وتكسب قلوبهم . فالصوت الهادىء اقوى من الصراخ ، والتهذيب يهزم الوقاحة والتواضع يحطم الغرور . نحن نعاني في مجتمعاتنا العربية من قضية الكبر ، الذي ما هو الا تعبير عن نقص ومرض نفسي سيء جدا يصيب ذوي النفوس المريضة . هناك من يرفع نفسه بكبر على الناس بماله ، وهناك من يرى نفسه افضل من غيره بجماله او عقله ، او جنسيته . كما ان هنالك اشخاص ذوي علم وموهبة وفكر من العلماء او غيرهم ، تتمنى احيانا لو لم تلتقي بهم . عندما يتعالى الانسان ويترفع عن المجتمع الذي هو جزء منه ، ويزدري الناس ، يغوص في دائرة لا مخرج منها ويدخل في طريق مسدود . الله سبحانه وتعالى هو الذي اعطانا وهو من تفضل علينا ، وهو قدير ان يأخذ منا كل هذه النعم . لقد اعطانا الله من نعمه لنعطي ، وليس لنجحد عطاياه لنا . هنالك قصة تروي ان هارون الرشيد ، والكل يعرف بالطبع من هو هارون الرشيد ، الذي امتد ملكه من آخر الارض ليصل الصين ، اذ كان في يوم من الايام يقف على شرفة القصر ويحدث الغيمة ويقول : ( يا سماء امطري اينما شئتي ، فان خراجك بين يدي ) . هذا هو الكبر بعينه وهذا هو الغرور والاستعلاء . لذلك عندما حضرت هارون الرشيد الوفاة ، كان هارون يختار اخشن اكفانه ، لانه علم بان هذه هي النهاية ، ولن يغني عنه ماله ولا الجاه ولا السلطان . عندما تحين الساعة سيقف كل انسان بين يدي مالك الملك ، وفي لحظة الموت وفي سكرات الموت ، يتوسل ويستجدي الجميع ولكن ما من احد حوله ، لانه يكون بين يدي خالقه . هذا المفهوم فقط عند الاتسان الواعي ، الذي يؤمن بخالق الخلق كله ويؤمن بآخرته . عندما توفي الامام موسى الكاظم عليه السلام ، نظرت الخيزران من القصر وقالت لابنة هارون الرشيد : انظري ، ( وهي ترى الجنازة ) ، هذا والله الملك ، لا ملك ابيك هارون . هذه هي المفارقة وهنا يكمن الجمال ، فهناك من ملك القلوب وهناك من ملك الدنيا ، ولم تعطه الدنيا شيء في لحظة الموت والوفاة . لذلك على الانسان ان يتذكر هذه اللحظات ، وان يستفيد من هذه العبر والقصص ، وعليه ان يعلم جيدا ان ما له الا التراب ومرده اليه ، لاننا من تراب واليه سنعود . ان الله تبارك وتعالى سيسأل كل انسان عن علمه ، لان لعلمك عليك حق ولعلمك ايضا صدقة ، يتصدق بها للناس ، لتكون كالزهرة تنثر العبير الى من حولها . بعض الناس يعتقدون ان الكبر هو تعبير عن الثقة بالنفس ، وهذا خطأ فادح يقع فيه الكثيرين ، اذ ان الكبر ان دل على شيء فهو يدل على ضعف الشخصية وتعويض النقص بها ، فيصبح مرضا نفسيا يلازم صاحبه وبالنهاية يدمره . لقد ورد في الآية الكريمة ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا … ) ، وهي تعني المشي المعنوي فقط ، وان يكون الانسان لينا هينا في التعامل مع الجميع من حوله وان يتواضع بعلمه ويكون سفير اخلاقه . ويروى ان احد المنافقين قد التقى بعلي بن ابي طالب ، وبدأ هذا يمدح ويزمجر يا ابا الحسن……الخ . وكان الامام علي قد اطرق رأسه على الارض مستمعا لما يقوله هذا الرجل ، وهو يعلم انه منافق . وحين انتهى الرجل من كلامه ، قال له علي رضي الله عنه : يا هذا اني اكبر مما في نفسك وأقل مما تقول . هذا هو الميزان وهذا هو المعيار ، وليس ان تكون شامخا بأنفك . كان النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، يجلس كما يجلس العبد وياكل كما ياكل العبد ، وكان حين يأتي الاعرابي الى مجلس النبي ، يسأل أيكم محمد ؟ كان حضرة النبي مميزا متميزا بأخلاقه ، متواضعا في سلوكه ، وهذا ما تعلمه منه الامام علي عليه السلام . نحن نريد للانسان ان يتواضع وان يضع مخافة ربه بين عينيه ، في كل عمل او سلوك يقوم به . علينا ان نراعي الله عز وجل وان نراعي القرآن وان نرجع الى خلق الانبياء الصالحين . الله سبحانه وتعالى ، عندما انعم علينا بكل هذه النعم ، انعم علينا بها ليبلونا ، وليتذكر العبد قدرة الخالق ويشكره على عطاياه ونعمه . علينا ان نرجع الى ذواتنا وعقولنا والى اخلاقنا والى روح القرآن ، كي ننعم بكل حب وسلام . انا كأي انسان لا اعرف الحقيقة مجردة ، ولكني اركع متواضعا امام جهلي ، ففي هذا فخري وأجري .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.