في الأردن … حين تتحول الدولة إلى شرطي بنك / المحامي محمد الصبيحي

المحامي محمد الصبيحي ( الأردن ) الخميس 10/1/2019 م …



تقدم المواطن (محمود) إلى بنك (….) لطلب قرض بمبلغ خمسة آلاف دينار، طلبوا منه شهادة راتب من الشركة التي يعمل بها فأحضرها، طلبوا منه توقيع كفيل فوقع زميله (سالم) كفيلا، صرف القرض وبعد شهر بدأ بتسديد الأقساط، وبعد عدة أشهر عجز عن السداد، تراكمت الأقساط، طالبوا الكفيل الذي بدوره لم يسدد وعض أصابعه ندما على نخوته الفارغة، تراكمت الأقساط والفوائد والمحكمة حكمت بالمبلغ مع الرسوم والفائدة وأتعاب المحاماة.
نفذ البنك القرار لدى دائرة التنفيذ.. محمود يعجز عن السداد فصدر قرار قاضي التنفيذ بحبسه تسعين يوما، وأرسلت مذكرة تعميم إلى التنفيذ القضائي لجلبه.. اسمه الآن مدرج على كل أجهزة كمبيوتر الأمن العام من شرطة السير إلى حماية الأسرة والشرطة البيئية والبادية ومراكز الحدود وإدارة الصيانة ودوريات النجدة.
اتصل التنفيذ القضائي بمركز عمله كي يراجعهم فقدم استقالته وتوارى عن الأنظار هاربا إلى مزرعة عمه في المفرق.. كان يقود سيارة شقيقه وحين أصطدم سائق أرعن بجناح سيارته توسل محمود لذلك السائق المخالف لغض النظر عن طلب شرطة السير لعمل (كروكة) للحادث، السائق الآخر أصر بحجة أن سيارته مؤمنة شامل، فتعهد له محمود بالأضرار رغم أنه هو المسؤول عن الحادث، وكل ذلك بالطبع تفاديا للشرطة التي ستكتشف أن محمود مطلوب.
ومثل قصة محمود قصة سيدة اقترضت من أحد صناديق تمويل المرأة..
هناك إلان في السجون 2400 مواطن ومواطنة يقضون عقوبة الحبس من أجل دين عجزوا عن تسديده غالبيتهم مدينين لبنوك وصناديق إقراض، وهناك ما لايقل عن عشرة آلاف صدرت بحقهم قرارات حبس مشابهة ويطاردهم التنفيذ القضائي..
آخر رقم رسمي يشير إلى أن ودائع الأردنيين لدى البنوك تجاوزت ثلاثين مليار دينار بينما أقرضت البنوك المواطنين والشركات مليار ونصف المليار دينار فقط. مالكو البنوك لا يدفعون شيئا ورأس المال محفوظ، البنك مجرد مدير لأموال الآخرين.
البنوك تغري المواطنين بالتسهيلات الاستهلاكية (سيارتك بدون دفعة أولى وعلى 100 شهر) وهكذا.
المشكلة في قانون التنفيذ الذي جعل من الدولة شرطي في خدمة البنك الذي اختار العميل ووافق على إقراضه وارتضى الضمانات التي حددها بنفسه وراكم الفوائد على المدين المتعسر ورصد مخصصات ديون مشكوك في تحصيلها ثم يقوم بحبس الناس في السجون لتنفق الدولة على كل سجين ستمائة دينار شهريا بينما يربح البنك فوائد، يعني أن الدولة تنفق على البنوك وعملائهم المتعثرين.
ما أريد قوله أولا أن الدولة تدخل طرفا في عقد مدني بين دائن ومدين فتخسر أموالا أولى بها أن تنفق على التعليم أو الصحة أو الفقراء، وبعبارة أخرى فان جزءا كبيرا من الضرائب التي تدفعها البنوك تنفقه الدولة على سجناء البنوك، وثانيا أن جمهور فقهاء الفقه الإسلامي لا يجيزون حبس إنسان على دين مدني وقد سبقوا في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمئات السنين.
أقترح تعديل قانون التنفيذ بحيث تلزم البنوك ومؤسسات وشركات الإقراض بدفع وإيداع نفقات حبس المدين قبل موافقة قاضي التنفيذ على الحبس.
يريدون حبس مقترض فليدفعوا نفقات سجنه. لماذا يتحمل دافع الضرائب الأردني ذلك عنهم؟؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.