ماذا يعني الاتفاق النووي الإيراني لدمشق؟ / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي* ( سورية ) الأحد 19/7/2015 م …
* مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق
توصلت إيران والقوى الكبرى في فيينا إلى إتفاق تاريخي حول الملف النووي الإيراني الذي يسمم العلاقات الدولية منذ 12 عاما، ويشمل تحديد النشاطات النووية الإيرانية وتخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها، وبذلك تفرض إيران نفسها كلاعب أساسي في المنطقة، خاصة بعد أن تمكنت من تغيير الموقف الغربي بشأن برنامجها النووي، وجعلت من المفاوضات طريقاً وحيداً للتوصل إلى تسوية مع الأطراف التي تعارض إمتلاكها التقنية النووية للأغراض السلمية رغم القلق والرعب الذي يسيطر على تل أبيب.
لكن هذا الاتفاق ” النووي الإيراني” إذا تم التوصل إليه، سيواجه جولة جديدة صعبة في الكونغرس الأمريكي، كونه يحمل في طياته تأثيرات مباشرة على المنطقة بأكملها، وسيخلق تحولات جيوسياسية عميقة في جملة من الملفات من بينها الأزمة السورية، مما سيفرض تغيرات في غاية الأهمية على دول المنطقة ومحور المقاومة بشكل خاص، فالغرب يدرك تماماً أن إيران اليوم باتت تمسك بكثير من أوراق اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، سواء في سورية والعراق، وفي لبنان واليمن وأفغانستان، وتمتلك ترسانة عسكرية قوية وبات بإمكانها خلق الكثير من المشاكل والصعوبات لأمريكا والغرب في المنطقة إذا أقدموا على ضرب منشآتها النووية.
قد يفضي هذه الإتفاق على الإفراج عن ودائع إيرانية في البنوك الغربية والأمريكية، ويخلق واقع مفاجئ من السيولة المالية لإيران بعد حالة من التدهور الإقتصادي، بالإضافة إلى حدوث إنعكاس “إيجابي” على الوضع الداخلي في سورية، بالتالي وضع الأزمة السورية على طريق الحل السياسي والإنفراج بما يؤدي إلى حلحلة كل ملفاتها الشائكة، فالملف السوري ومنذ بداية الأزمة عام 2011م، كان العصا التي تحاول أميركا أن تهدد بها إيران في المفاوضات النووية، لكن وبعد التوصل إلى هذا الإتفاق، لن يكون هناك أي عائق أمام التخلي عن الإستمرارية في إستنزاف الدولة السورية ومحور المقاومة وقدراته الكبيرة، وفي الاتجاه الآخر ترى إيران أن امتلاكها لمثل هذا السلاح، سيضاعف من وجودها كقوة عسكرية إقليمية كبرى بطريقة تجعلها قادرة على تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية وثقافية في المنطقة، وسيفتح الباب على مصراعيه أمام تصدير الثورة الإيرانية الى الخارج، والتأثير المباشر على القرار العالمي بسبب تمكنها من التحكم بورقة نفط الخليج، بذلك فإن إيران على قناعة تامة بأن المكاسب التي ستحققها من جراء إمتلاكها للتكنولوجيا النووية تفوق كل العروض التي يستطيع أن يقدمها الحليف الغربي لها.
في سياق متصل إن هذا الاتفاق يشعر حليفتا الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، “إسرائيل والمملكة العربية السعودية”، بزيادة الخطر في حالة رفع العقوبات الدولية عنها، يالإضافة إلى قلقهما ومخاوفهما من قوة إيران واستمرارية الدولة السورية بمؤوسساتها المختلفة، لأن كلا الدولتين تريان في ذلك خطر على وجودهما في المنطقة، لذلك لا يخفى على أحد أن لدى إسرائيل رغبة في التخلص من إيران وفي القيام بضربة جوية خاطفة للمواقع الإيرانية ولكن المخاوف من عواقب الضربة وإستحالة شطب البرنامج النووي الإيراني تلجمان تلك الرغبة، فإسرائيل غير قادرة عسكرياً على خوض حرب بمفردها وهي بالتالي تعتمد على المؤازرة الأميركية، بينما الولايات المتحدة غارقة في المستنقع الأفغاني والعراقي والسوري، ناهيك عن الرأي العام الداخلي في ظل الضائقة الإقتصادية الخانقة التي يعيشها الشعب الأميركي، بالمقابل من يراقب الأوضاع قد يصل إلى قناعة كبيرة مفادها أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى حرب مع إيران ذات القدرات السياسية والعسكرية المتصاعدة لأسباب عديدة أهمها، إن أمريكا تعرف أنها إذا ضربت إيران من الممكن أن تشل الحركة البحرية في مضيق هرمز الذي يمر عبره حوالي ربع النفط العالمي إلى الأسواق الدولية وستكون نتيجة ذلك عاملاً في ارتفاع أسعاره، بالإضافة إلى ذلك تستطيع إيران تحريك الكثير من مؤيديها داخل دول الجوار، ومن الممكن أيضاً أن تهاجم إسرائيل الحلف الاستراتيجي الأول لأمريكا من خلال إطلاق صواريخها بعيدة المدى على العمق الإسرائيلي.
وفي إطار ذلك يمكنني القول أن التقارب بين الغرب وبين إيران أصبح ضرورة موضوعية للطرفين إنطلاقاً من صعوبات كلا منهما في تجاوز أزماته، فالولايات المتحدة بحاجة إلى استمرار العلاقة مع طهران وخاصة بعد انسحابها من العراق وما لديها من دور في تحقيق الأمن والإستقرار والسلام في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالملف السوري المعقد، وبالمقابل فإن حاجة المواطن الإيراني لحل المسألة النووية بالتفاهم مع الغرب مسألة هامة، في ظل أزمة إقتصادية ومالية حادة ناتجة عن سياسة الحصار والعقوبات التي تفرضها الدول الغربية على ايران.
مجملاً… إن قضية الملف النووي الإيراني تحكمها الكثير من القضايا والملفات الإقليمية المعقدة، والتي ما زالت مفتوحة في كل من سورية والعراق ولبنان وغيرهما، وهو ما يعني أن حل الأزمة مرهون بما ستؤول إليه هذه الملفات والقضايا، وبذلك فإن حل أزمة الملف النووي الإيراني يبدأ من حل هذه القضايا والملفات المعلقة في الشرق الأوسط، إلا أن فشلهم يمكن أن يؤدي إلى دخول الشرق الأوسط في نزاع وبدء سباق تسلح نووي، ومن هنا فإن إستمرار المفاوضات وتحديد مواعيد مسبقة لجولات جديدة، يعني أن لا عودة إلى الوراء في المباحثات الجارية لحل الملف النووي الإيراني.
أخيراً، إن عملية فتح النوافذ بين إيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، أثارت قلقاً كبيراً لأعداء محور المقاومة، ليقينهم بأن مجرد التواصل والتفاهم الأمريكي الإيراني سيفرض عليهم تغيير تكتيكهم الإقليمي، والمغامرة بإتخاذ قرارات لا يوجد عليها إجماع داخل مستويات صنعهم، بإختصار شديد يمكنني القول إن التقدم بشأن القضية النووية الإيرانية سيكون له أثر إيجابي على الوضع في كل أنحاء الشرق الأوسط خاصة فيما يتعلق بالمسألة السورية، وسيساعد في التغلب على الإتجاه الخطير الذي ساد خلال السنوات الماضية بمحاولات حل عدد من الأزمات عن طريق إستخدام القوة، لذلك على جميع الأطراف تسوية الخلافات بشكل ملائم والسير إلى تحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وصولاً إلى إتفاق شامل يحّل ملف إيران النووي بشكل نهائي، وهذا يخدم مصلحة إيران ومصلحة المنطقة برمتها.
التعليقات مغلقة.