الولايات الكسيرة ( الحلقة الأولى ) / فهد الطاهر




فهد الطاهر ( الأردن ) الأربعاء 16/1/2019 م …

ليستطيع مجلس الشيوخ تمرير الميزانية السنوية، يحتاج ملف الميزانية لتوقيع الرئيس أو معارضته على 12 “فاتورة إعتماد” التي توضح مصروفات المؤسسات الفدرالية للسنة المالية المقبلة. ففواتير الإعتماد هذه تحتاج إلى 60 صوت من مجلس الشيوخ، وللحصول على هذا العدد من الأصوات يحتاج المجلس إلى التعاون حسب تركيبتة الحزبية، ولكن في خضم الصراع الداخلي بين الديموقراطيين والجمهوريين، الذين حوّلوا بدورهم مسألة الميزانية السنوية إلى مسألة سياسية تناحرية عن كونها مسألة قومية وجودية، يقف الكونجرس حتى الحظة عاجزاً عن تمرير الميزانية السنوية بسبب تباين المواقف حول عدد من القضايا، أهمها بند “فاتورة الحائط” على الحدود الأمريكية المكسيكية الذي طلب له الرئيس دونالد ترامب خمسة مليارات وسبعمائة مليون وواجه معارضة ديمقراطية شرسة فقام دونالد ترامب بالمقابل بعدم الموافقة على عدة بنود بالمقابل.

وحسب القانون إذا رفض الرئيس إعتماد الميزانية، ورفض المجلس الشيوخ تمريرها يتم إغلاق كل المؤسسات الفيدرالية حسب الأولوية, الأمر الذي أدخل الولايات المتحدة الأمريكية بأطول “إغلاق جزئي” بالتاريخ بدخول الإغلاق اليوم الثاني والعشرين اليوم السبت. حارماً   800,000 موظف فدرالي من رواتبهم وإغلاق ما نسبته الـ 25% من مُجمّل مؤسسات الدولة. الأمر الذي حرم وكلاء مكتب التحقيق الفدرالي، المراقبين الجويين وغيرهم من رواتبهم أول أمس الجمعة.

فكأنه بهذا الإغلاق الذي فاق ضرره الإغلاق الجزئي العام 1995-1996 في عهد الرئيس “بيل كلينتون” تشهد روسيا على تصدع الولايات المتحدة كما شاهدت الولايات المتحدة إنهيار الإتحاد السوڤياتي. فالحزبين الديموقراطي والجمهوري يعضون على الأصابع و يلعبون لعبة من يصرخ أولاً، فمن باب الضغط على الديموقراطيين، قال الرئيس دونالد ترمب بأنه لا يمانع بأن يبقى الحال على ماهو عليه لسنوات مراهناً على حقة القانوني كرئيس بإعلان حالة “طوارئ وطنية” و تمرير الميزانية دون موافقة الكونجرس الأمر الذي سيضع البلاد بأزمة دستورية وسياسية تاريخية. الأمر الذي يذكرنا أيضاً بشخصية وتصرفات أسوء رئيس وزراء بتاريخ الإتحاد السوفيتي وهو “ڤالنتين باڤلوڤ” الذي كان دائماً ما يتخذ القرارات لمعارضة “مخايل قوربتشوڤ” أسوء شخصية حكمت الإتحاد سياسياً، وخصوصاً قرارات السياسية و الإقتصادية التي إتخذها قُبيل شهرين من توقيع الرئيس مخايل قوربتشوڤ مرسوم الإصلاحات التي كانت أحد الأسباب المهمة لتدهور الإتحاد السوڤيتي وتفككه.   

لذلك أسلفت قائلاً أن تحليل الجغرافيا الأمنية الدَّوْلِيَّة بِشِقَّها الإقتصادي الذي رسم مَعالم قَواعد الإشتباك العَسّكري الحَالي هو الرد الأمثل على إجابة الرئيس الأمريكي دونلد ترمب عن السؤال الذي يتعلق ببقاء القوات الأميركية في الشرق الأوسط على صحيفة “الواشنطن بوست” في مقابلة له في السابع و العشرين من تشرين الثاني المنصرم، حيث قال: “بأن سبب بقائها هو إسرائيل، معللاً أن النفط أخذت أهميته بالتضاؤل بالنسبة للولايات المتحدة، و معدل الإنتاج الأميركي في الوقت الحالي أكبر من أي وقت مضى و أنّنا و بشكل مفجئ، ممكن أن نصل لمرحلة أن لا نحتاج فيها إلى البقاء هناك”.

تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب منافي للمنّطق ولا يعكس حقيقة الإشتباك العسكري الدولي الحالي المصنف بطبيعته “كحرب بالوكالة” وهو عكس ما نشاهد على خريطة الجغرافيا الأمنية بالمنطة والذي لايعكس بالمحصلة الحجم الحقيقي للإقتصادي الأمريكي.

الولايات المتحدة الأمريكية تعيش أزمة إقتصادية وجودية حقيقية، فمن جهة ربط الدولار بالنفط الخام لم يعد كافياً لدعم العملة و الديون السيادية وصلت حداً خطراً يهدد سعر صرف العملة الذي يؤثر بالمحصلة على كامل التجارة الدولية لإرتباطه بالمعاملات التجارية بشكل مكثف خصوصاً بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي. فالولايات المتحدة كانت تستحصل الإستقرار الإقتصادي المؤقت بالمحافظة قدر الإمكان على سعر صرف الدولار من خلال الحروب، بسبب حصر وربط إنتاج “المجمع العسكري” بمخرجات الإقتصاد المحلي الإجمالية وإبتكار “الإحتياطي الفيديرالي” لتكسُّبْ الكمبرادور الرأس مالي على حساب الدولة والشعب.

لأن حسب خارطة صرف الدولار لم تعد الحروب قادرة على المحافظة على قيمة العملة من الإنهيار فالإقتصاد من التقهقر بفقدان العملة قيمتها السوقية، ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على نشر ودعم قوات على أراضي 140دولة ومن أهمها دعم “قاعدة إسرائيل” بفلسطين. وهي لاتستطيع ربط العملة بالذهب أو الفضة مرة أخرى و لاتوجد بيئة مناسبة دولياً لربط الدولار بالماء كما تندر بعض “المفكرين” الأمريكيين. الأمر أشبه لحد بعيد جداً بإندثار الأشوريين و الرومان اللذان فقدا الحكم و السيطرة بسبب التمدد فوق الطاقة الإستيعابية للجيش والإقتصاد.

فبعد دخول ثالث أطول إزدهار للسوق (Bull Market) في التاريخ أطواره النهائية ودخلنا مرحلة حيث الأسهم عالية الجودة فقط هي المربحة. ونهاية سياسية التسوية النقدية (Monetary Accommodation) الحالية من الإحتياطي الفدرالي بالتأكيد ستؤدي إلى التضخم مما يعني إضطرارها لرفع الفوائد تباعاً، وهذا ما يفسر بالمحصلة، رفع الفائدة بالأردن ولبنان ودول أخرى لتُوافق حالة السوق وبيئة سياستها النقدية. وما يحدث الأن هو محاولة لإطالة عمر هذه الفترة للحد الأقصى. أي تأجيل للإنهيار وليس منعاً له.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.