عن ياسر عبد ربه والمؤامرة / راسم المدهون

 

راسم المدهون  ( فلسطين ) الأحد 19/7/2015 م …

قرار الرئيس الفلسطيني أبو مازن، «إعفاء» ياسر عبد ربه من منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لم يكن مقنعاً لأحد، أو لنقل بدقة أكبر: لم يأخذه أحد على محمل الجد، باعتباره جاء لأسباب «مبدئية» ذات علاقة وشيجة بالسياسة الفلسطينية. سنبدأ من النهاية كي نرى حقيقة تلك البداية، والنهاية تقول إن بديل ياسر عبد ربه هو السيد صائب عريقات، صاحب كتاب «الحياة مفاوضات»، وليس شخصاً يُعرف عنه التشدُّد أو الانتماء الى تيار سياسي معاكس.

قبل سنوات، كان ياسر عبد ربه المشرف على التلفزيون الفلسطيني، ويومها لم تتوقف «الهمهمة» و «الكولسات» عن «ضرورة» إزاحته، ولم يكن البديل يقلق أحداً، إذ كان المطلوب ببساطة أن يكون أحد أعضاء حركة فتح وحسب، بغض النظر عما إذا كان يمتلك الكفاءة والخبرة أم لا. ما قيل يومها هو ذاته أو ما يشبهه يقال اليوم، وسيقال غداً في تبرير إزاحة هذا الشخص أو ذاك من موقعه، واستبداله بغيره من المقربين.

بين كل ما يقال وما يتم تداوله في الأوساط الفلسطينية عموماً والفتحاوية على وجه الخصوص، نتوقف أمام ما يشاع عن «تحالف» ما بين عبد ربه ورئيس الوزراء السابق سلام فياض: هنا بالذات تتضح الصورة أكثر. فهذه «الذريعة» تضمر بالتأكيد ملامح خلاف واختلاف سياسيين يمكن أن نضع لهما عنواناً مهماً، هو الفارق الذي أرساه فياض بينه وبين من تسلّموا رئاسة الحكومة من الحزبيين، وهو فارق يصطدم بالضرورة بالعصبوية الفتحاوية أولاً، ثم بحمّى البعض من قادة فتح في التفرُّد بشؤون السلطة، أسوة بما تمارسه حركة «حماس» من تفرُّد في حكم قطاع غزة.

هو بؤس لا يليق بأحد، فأن يصاب أحد ما بغيرة من أي نوع من عبادة «حماس» لصنم السلطة في غزة، شأن لا أعتقد أنه يمكن أن يكون مقبولاً، ولا ينسجم في أية صورة من الصور، لا مع ريادة فتح التاريخية للعمل الوطني الفلسطيني، ولا حتى مع تاريخها الكفاحي الهائل في اجتراح سياسات تنسجم مع الوحدة الوطنية الفلسطينية وأهمية مشاركة كل المكونات السياسية في العمل الجماعي والقرار، وإن بنسب متفاوتة تعكس التفاوت الطبيعي في الأحجام والأدوار.

ما يلفت الانتباه كثيراً هنا، السهولة التي تؤخذ من خلالها قرارات الإزاحة والتعيين، وهي سهولة لا تتم هكذا إلا على حساب المؤسسات الرسمية التي نفترض ويفترض غيرنا أنها بيت الفلسطينيين و «مطبخ» قراراتهم، خصوصاً قراراتهم العليا وذات الصلة بقضاياهم المصيرية والمهمة. لا يكفي في حالة كهذه، أن نتحدث عن «أهمية التغيير»، على جمال المصطلح، إذ إنه يحتاج هو أيضاً أن نرفده بمصطلح آخر لا يقل عنه جمالاً، هو «مبررات التغيير»، وإلا أصبحت المسألة كلها عديمة الصلة بأي تفسير مقنع.

لا يجدي أيضاً أن تعمد الرئاسة الفلسطينية إلى «تسريب» أخبار وبثّها هنا وهناك، عن اكتشافها «مؤامرة» انقلاب بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة، يهدف الى إزاحة الرئيس أبو مازن والاستيلاء على رئاسة السلطة، ويشارك فيها ياسر عبد ربه ورئيس الحكومة الفلسطينية السابق سلام فياض. فالقاصي والداني يعرفان أن الرئاسة تمارس سلطة محدودة في مقر المقاطعة في رام الله المحتلة، فيما باقي الضفة الغربية لا تقل احتلالاً عن المقاطعة. نحتاج كفلسطينيين بالتأكيد، الى تسييد مبدأ المحاسبة والمكاشفة العلنية كي تستقيم بعض أمورنا، ولكننا لا نحتاج أبداً الى مثل هذا العبث الذي لا يفيد ولا يقدّم ولا يؤخر، بقدر ما يخلق مزيداً من التآكل في ساحة أرهقها التآكل ولا يزال.

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.