بريطانيا تنْجَرِف بسُرعَةٍ نَحو الانْهَيار والتَّفَكُّك.. ونُخبَتها السياسيّة ليسَت على مُستَوى التَّحَدِّي ولا تَعرِف ما تُريد
مشاركة
الأربعاء 16/1/2019 م …
الأردن العربي –
* الانقِسام هو العُنوان الأبْرَز للجَميع.. والاستِثناء هو التَّوحُّد لمَنعِ وصول الرَّجُل الذي عارَضَ حَرب العِراق ويُؤيِّد قِيامَ دَولة فِلسطينيّة إلى الحُكم …
إذا أردت أن تَعرِف كيف تُسقِط النُّخَب السياسيّة وتَقود بِلادها إلى حالٍ مِن الفَوضى والشَّلل، والسَّيْر نحو المَجهول، فمَا عليك إلا أن تُتابِع ما يَجرِي حاليًّا في بريطانيا فيمَا يتَعلَّق بمَوضوعِ الخُروج مِن الاتِّحاد الأُوروبيّ “البريكست”.
بريطانيا التي كُنّا نَعرِفها انتَهَت، واحتِمالات تفَكّكها باتَت وارِدَةً جِدًّا، وخُروجها مِن الاتِّحاد الأُوروبيّ الذي باتَ مُؤكَّدًا، رُبّما يُؤدِّي إلى خُروجِها مِن خانَة الدول العُظمَى أيضًا، اللَّهُمَّ إلا إذا حَدَثَت مُعجِزة، ونَحنُ لسنا في زَمَنِ المُعجِزات.
البِريطانيّون، ساسَة ومُواطنون، وحُكومة ومُعارضة، مُؤيِّدون للبَقاء في الاتِّحاد الأُوروبيّ أو رافِضُون، كُلّهم لا يَعرِفون ماذا يُريدون، فالذي يُريد البَقاء لا يَعرِف كيف يبْقَى، والذي يُريد الخُروج لا يَعْرِف كيفَ يَخْرُج.
السِّياسيّون في بريطانيا الذين يُمَثِّلون أعرَق ديمقراطيّة في العالم الحَديث، ليسُوا على مُستَوى المَسؤوليّة، ويَعيشون حالةً مِن انفِصام الشخصيّة، ولا يَعرِفون كيفَ يُساعِدون أنفسهم وبِلادهم ومُواطِنيهم، وفَشِلُوا فَشَلًا ذَريعًا في الاختِبار الأُوروبيّ أو “البريكست”.
الانقِسام هو العُنوان الأبْرَز: الحُكومة مُنقَسِمة، المُعارضة مُنقَسِمة، الحِزب الحاكِم مُنقَسِم، بلد مُمَزَّق يعيش حالةً مِن التِّيه، بدون قِيادة كارزميّة، سواء في الحُكومة أو المُعارضة، ولا توجد بوصلة واضِحة المعالم يُمكِن أن تُؤشِّر إلى بابِ الخُروج مِن هذه المَتاهَة.
السيّدة تيريزا ماي، رئيسَة الوزراء، لم تتَّخِذ قَرارًا صائِبًا مُنذ أنْ توَلَّت السُّلطة قبل عامَين، دعَت إلى انتخابات تشريعيّة مُبكِرة فخَسِرت غالبيّة حَزبها المُريحَة في البَرلمان، وتفاوضت لمُدّة عامين مِن أجل الوصول إلى اتفاق مع الاتِّحاد الأُوروبيّ فسَقط هذا الاتِّفاق بشَكلٍ مُذِلٍّ في البَرلمان في غُضونَ دقائق، حاولت أن ترضي التيّار المُطالِب بالخُروج مِن الاتِّحاد الأُوروبيّ في حِزبِها، وهِي مِن مُعارِضيه، فخَسرته دون أن تَكسَب التيّار المُوالِي لها ولسِياساتِها، ورغم كُل هذه الإخفاقات ما زالَت في مِقعَد القَيادة، قيادَة الدولة، وقيادة الحِزب مَعًا، فهَل هُناك غباء سِياسيّ أكثَر مِن هذا؟
تَسألوني عَن سبب هذه المُفارِقة نقول لكم هو انعِدام البدائل، وتقديم السيدة ماي مصالحها الشخصيّة ومَصالح حزبها على مصلحة البَلد والمُواطن، هِي باقية، وبريطانيا تتَّجِه بسُرعةٍ نَحو الغَرق.. كُل شَيء فيها في هُبوط، الجنيه الإسترليني، البُورصة (خَسَرت ألف نقطة حتّى الآن)، الخَدمات العامّة، والشَّيء الوَحيد الذي يَرتَفِع هو مُعَدَّلات الجَريمة والبِطالة.
تيريزا ماي تُراهِن على عامَل الزَّمن، وانعِدام البَدائِل لقيادتها، وضُعف المُعارضة ووجود لوبي ضخم في حزب العُمّال يتزعّمه توني بلير واللُّوبي الداعم لإسرائيل الذي يُريد الحَيلولة دُون وصول جيرمي كوربن، زعيم المُعارضة، إلى السُّلطة، لأنّه يَساري اشتِراكي عارَض حَرب العِراق بقُوّةٍ، والحُروب الإسرائيليّة على قِطاع غزّة ولبنان، وقال إنّ أوّل قرار سيتَّخِذُه لو أصبَح رَئيسًا للوزراء هو الاعتِراف بالدَّولةِ الفِلسطينيّة.
ليسَ مُهِمًّا أن تفوز حُكومة السيّدة ماي المُحافظة بالتَّصويت على الثِّقَة في البَرلمان، فهذه مسألة باتَت ثانويّة، وليسَ مُهِمًّا أيْضًا أن تنْجَح في الحُصول على تَمديد مِن الاتِّحاد الأُوروبيّ لبِضعَة أشهُر للتَّفاوض على أمَل الوصول إلى تَعديلِ الاتِّفاق الحاليّ، أو حتّى التَّوَصُّل إلى اتِّفاقٍ جَديدٍ، المُهِم أن بريطانيا تَعيشُ حالةً مِن الفَوضَى غير مسبوقة، وسَفينَتها تغْرَق، وتَزحَف بسُرعةٍ نَحو كارِثة سياسيّة واقتصاديّة، أمّا عَدا ذلِك فتَفاصيل، وتَلاعُب بالكَلمات، وادِّعاء المَعرِفة مِن قِبَل العَديدين الذين نَصَّبُوا أنفسهم كخُبَراء ومُحَلِّلين.
التعليقات مغلقة.