مائة عام على اغتيال المناضلين الشيوعيين روزا لكسمبورغ وكارل لبنيخت 15/01/1919 – 2019

Image result for ‫روزا لكسمبورغ‬‎

الطاهر المعز ( تونس ) الخميس 17/1/2019 م …




توجد مؤسسة “غير حكومية” ألمانية، تحمل إسم “فريدريك إيبرت”، وتُشرف هذه المؤسسة على تدريب العديد من المناضلين النقابيين والسياسيين العرب، وهي مؤسسة تابعة للحرزب الديمقراطي الإجتماعي الألماني (SPD ) وتأسست منذ 1925، سنة وفاة “فريدريك إيبرت”، وتُموّل الحكومة الإتحادية كافة المؤسسات من هذا النوع، وهي جميعها تابعة للأحزاب السياسية، بما فيها مؤسسة “روزا لكسمبورغ” وهي إسم على غير مُسَمّى، فهي مُموّلة حكوميا، وتابعة لحزب “دي لينك” (مؤسسه وزعيمه الأول وزير مالية سابق في حكومة “غيرهارد شرودر”، الذي خرّب قانون العمل ومكّن الرأسمالية من مكاسب عظيمة)، واختص هذا الحزب في التّعالِي على مناضلي البلدان الفقيرة وتلقينها دروسًا في التاريخ وفي “الديمقراطية”…

أما مناسبة الحديث عن هاتين المؤسستين، فتَتَعَلّقُ بالذكرى المائة لاغتيال روزا لكسمبورغ، على يد حكومة “فريدريك إيبرت” الذي استخدم الجيش (المُنْهَزم في الحرب) ومليشيات أرباب العمل، للقضاء على الثورة الألمانية عندما عُيِّنَ مُستشارًا (تشرين الثاني/نوفمبر 1918)، واغتالت هذه المليشيات عشرات المناضلين الإشتراكيين في ألمانيا (كانون الثاني/يناير 1919)، ومن بينهم “كارل ليبنيخت” و”روزا لكسمبورغ”، خلال نفس اليوم (15/01/1919)، بفارق بضع ساعات، وكافأت البرجوازية الألمانية “فريدريك إيبرت” بتعيينه رئيسًا يوم 11 شباط/فبراير 1919…  

*****

روزا لكسمبورغ، بولندية المولد (1871)، انتَمت إلى حزب “البروليتاريا” في سن السادسة عشر، وغادرت “بولندا” سنة 1889، نحو مدينة “زيوريخ” في سويسرا، بعد حملات قمع واعتقالات، وإعدام، ونفَي عشرات القادة الشيوعيين، ومطاردة من نَجَا من قبضة الشرطة…

اختلطت في سويسرا بالمهاجرين الإشتراكيين البولنديين والرّوس، وساهمت في الحركة الفكرية، وانتسبت إلى الجامعة،  ودرست الإقتصاد والرياضيات والعلوم، وأصبحت من قادة “الحزب الإشتراكي الثوري البولندي” (ثم الحزب الإشتراكي الديمقراطي)، ومن أهم كُتّاب صحيفة الحزب، التي كانت تصدر في باريس، وكانت “روزا لكسمبورغ” ممثلة الحزب في مؤتمر الأممية الإشتراكية (1893)…

حَصَلتْ على الجنسية الالمانية، وأصبحت محرِّرة في المجلة النّظَرِية “الأزمنة الحديثة” التي كان يرأس تحريرها “كارل كاوتسكي”، وساهمت في تعزيز الجناح الماركسي للحركة الإشتراكية الألْمانِيّة، عبر ملف نشرتْهُ تحت عنوان “إصلاح أم ثورة اجتماعية”، وتسبب لها نشاطها ضمن الحركة الثورية في ألمانيا في عدد من القضايا والأحكام بالسّجن، بداية من 1904، وتسبب لها السجن في إصابتها ببعض الأمراض، ثم سُحِبَت منها الجنسية الألمانية سنة 1906، وأطْردَتْها السلطات خارج البلاد، وضعها الصّحّي، ولكنها شاركت في مؤتمر الإشتراكية الدولية (“شتوتغارت” 1907)…

احتدّ الخلاف بين التيار الثوري في حزب “الإشتراكيين الديمقراطيين” (ألمانيا) وبين التيار الإصلاحي الذي كان يضم “كارل كاوتسكي” وقيادات الحزب، وظهر الخلاف للعموم بداية من سنة 1905، ووصل حد الإنقسام سنة 1910، وأوضحت “روزا لوكسمبورغ” خلافاتها مع “كارل كاوتسكي” (بشأن قضية سلطة العُمال)، في منشوراتها “التراكم الرأسمالي” أو “مساهمة في تفسير الإقتصاد الامبريالي” (1913)، وكان الإتفاق مع “فلاديمير لينين” في أهم القضايا عاملا مساعدًا لدفع النقاش بين تيارين داخل الأممية الإشتراكية، انتهى بالفَرْز خلال الحرب العالمية الأولى، حيث انحاز تيار هام إلى جانب جنود الدول الرأسمالية التي ينتمي إليها، فيما اعتبر لينين وأغلبية الحزب الإشتراكي الديمقراطي الرّوسي الحرب بمثابة “الحرب الإمبريالية” التي تُضَحِّي بأبناء العُمّال والفلاّحين، واعتقلت روزا لكسمبورغ، في شباط/فبراير 2014، بتهمة “تحريض الجُنُود الألمان على التّمرّد”، خلافًا لقرار نواب الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني في البرلمان، الذين أَيَّدُوا قرار الحرب، وقضت المحكمة بسجنها، ولكن روزا لكسمبورغ نجحت في تحويل محاكمتها (آب 1914) إلى إدانة للإمبريالية وحُروبِها المناهضة لمصالح الطبقة العاملة (نُشِرَتْ تحت عنوان “السلطة العسكرية وموقف الطبقة العاملة من الحرب”)…

أدّى موقف قيادة الحزب الإشتراكي الديمقراطي من الحرب (مساندة قرار الحرب) إلى انقسام الحزب، وإلى تأسيس “عُصْبَة سبارتاكوس”، التي ضَمّتْ روزا لوكسمبورغ وكلارا زيتكين، وكارل ليبكنخت وفرانز ميهرنغ، وغيرهم من الثّورِيِّين، نسبة الى “سبارتاكوس”، العبد المصارع، الذي أصبح زعيم الصعاليك المتمردين، ونجحت “عصبة سبارتاكوس” في اجتذاب العديد من الثوريين المُعارضين لقيادة ونواب الحزب، وأيد هذا الجناح ثورة اكتوبر 1917 في روسيا، قبل انطلاق الثورة في ألمانيا، بعد حوالي سنة (تشرين الثاني 1918)، وتمكن رفاق “روزا لكسمبورغ” من تحريرها من السجن…

كانت السّجالات مألوفة بين مختلف التيارات ومختلف قيادات الأحزاب الإشتراكية وزعماء الأممية الثانية والثالثة، واشتهر لينين بنقد رُؤْية “كاوتسكي” للإقتصاد والحرب ووسائل الطبقة العاملة لافتكاك السّلطة، وغيرها من المواضيع، كما جرت سجالات عديدة بين “روزا لكسمبورغ” و”فلاديمير لينين”، قبل احتداد الخلافات بينهما بشأن ما اعتبره لينين “أخطاء روزا لكسمبورغ لالنَّظَرِية والتكتيكية” وزادت الخلافات إثر تأييد روزا لكسمبورغ ل”ليون تروتسكي” بشأن مفهوم “الثورة الدّائمة”، بل ودعمت تروتسكي ضد لينين بشأن طبيعة الثورة ودعمها في بلد واحد أو نشرها منذ البداية في عدد من البلدان، وغير ذلك من الإختلافات الجَوْهَرِيّة، ومع ذلك أثنى عليها لينين وكذلك على كارل ليبنيخت، بعد اغتيالهما، يوم الخامس عشر من كانون الثاني/يناير 1919، خلال الحملة القمعية والإغتيالات التي طاولت الثوريين في ألمانيا، وطالب لينين خلال افتتاح المؤتمر الأوّل للأممية الشيوعية الثالثة تمجيد  ذكرى كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبورغ، اللَّذَيْنِ مَثَّل اغتيالُهما (بعد أسبوع واحد من تأسيس الحزب الشيوعي الألماني) “خسارة كبيرة للحركة الشيوعية العالمية، وأَظْهَر الوجه الحقيقي للنظام البرجوازي، الذي لا يحتمل النّقد والمُعارضة” – من خطاب لينين في افتتاح المؤتمر الأول للأممية الشيوعية الثالثة، موسكو من 02 إلى 06 آذار/مارس 1919.

 

انتهازية “اليسار” الألماني الحالي:

أحيا بعض اليسار الألماني في برلين، يوم 13/01/2019، ذكرى “روزا لوكسمبورغ” بعد مئة عام على اغتيالها (15/01/1919)، وهو “يسار” مُناهض في مجموعه لفكرة الإشتراكية، وللطبقة العاملة، وصهيوني، ولكنه يسار بارع في أساليب الدعاية والمُغالطة، فرغم كُفْرِه ومعاداته لكارل ماركس ولأفكارهع، أحيا الذكرى المائوية الثانية لميلاد “كارل ماركس” سنة 2018، واستخدم الحدث لترويج إيديولوجيا تيار الديمقراطية الإجتماعية، ونظم عددا من التظاهرات التي لا عاقة لها بماركس ولا بروزا لكسمبورغ وغيرهما من أقطاب الفكر والنضال الإشتراكي، وذَكرت صحيفة “تاغس تسايتونغ” (المُصنفة “يسارية”، بمقاييس ألمانيا) إن صغر سن روزا لكسمبورغ واغتيالها بشكل مُرِيع جعل منها أيقونة، وهو هجاء وشتيمة، في قالب مديح، لأن الصحيفة تتجاهل انحياز روزا لكسمبورغ للطبقة العاملة وللكادحين ومساهماتها النظرية، دفاعًا عن الشيوعية، ونضالها من أجل انتصار الثورة الإشتراكية، وقدرتها على التّنْظير، كما على الدّعاية والتّحْرِيض، مما جعلها هدفًا للإغتيال بمناسبة “الاسبوع الدامي”، الذي أطلقه تيار “الديمقراطية الإجتماعية” يوم 15 كانون الثاني/يناير 1919، لإخماد انتفاضة الجنود والبحارة والعمال، والتي التي بدأت في تشرين الثاني/نوفمبر 1918 اثر الهزيمة الألمانية، وتزامنت مع تعيين “فريدريك إيبرت” مستشارًا، وأمرت حُكُومته (التي تشكلت إثر تنحي الامبراطور غيوم الثاني)، الجنود المُسَرّحِين من الحرب، بتنفيذ مجازر ضد المُنْتَفِضِين، وضد التّيار الثّوري الإشتراكي، بهدف توفير المناخ المناسب لرأسمال واستثماراته، التي تحُقق له أعلى الأرباح، وأدت حملة القمع العنيفة إلى تسهيل انتشار النازية (كعامل مساعد) واستيلائها على السلطة سنة 1933، واليوم، وبعد قرن من الزمن، يتهدد التيار النازي عُمال وفُقراء ومناضلي ألمانيا وأوروبا…

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.