لا حوار عاطفي في أزمة الكساسبة والعزف على وتر إسلامه “عبث”.

 

 

 

الأردن العربي ( الجمعة ) 9/1/2015 م …

 

لم تعد الدولة الأردنية قادرة على إخفاء “غضبها” من الاجتهادات المحلّية في بلادها بقضية الشاب الطيار المحتجز لدى تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا، خصوصا بعد أن بدى البون الشاسع أمام الجميع بين شكل الخطابين (الرسمي والعشائري)، وأدى إلى تكرير تنظيم الدولة لرسالته الأولى عن كون الشاب “مرتدّ”.

عشيرة الكساسبة، التي ينتمي إليها الملازم أول الطيار معاذ الكساسبة المحتجز لدى التنظيم المعروف بـ”داعش”، ومنذ اليوم الأول بدأت وسائل الإعلام تترصّد لأقوالها وأفعالها، في محاولات “بائسة” لاستعطاف التنظيم الذي يحكم قبضته على الشاب، وتذكيرهم بكونه مسلما وتكريمه كضيف وغير ذلك كثيرا من العبارات التي لا تستخدم في “الحروب”.

خطاب العشيرة وبعض العشائر المتعاطفة، جاء متباينا تماما مع نظيره الذي تبثه الدولة والذي مفاده أن عمان اليوم في حرب ضد “الارهاب”، ليبدو التناقض بين اعتبار التنظيم الملقب بـ”داعش” ارهابي ومتطرف لدى اجهزة الدولة، بين تعتبره العشائر مسلما “ولو بصورة مجاملة” لضمان سلامة الشاب المرتهن لدى التنظيم منذ نحو أسبوعين.

الاستمرار في الحرب، بدا انه اول قرار اتخذته الدولة الاردنية، وقد جاء على لسان وزير إعلامها ورئيس وزرائها قبل أن يصل لمليكها ذاته، الأمر الذي يعني اتباع كل الأسس الحربية اللازمة في التعامل مع الموقف، والتي أولها “الكفّ عن إظهار التناقض الداخلي”، وهو ما بدا أن بعض الأردنيين يفتقدون لأدبياته، أو تفهم كيفية التصرف في سياقه، ما يجعل المراقب للجانب الأردني يرى موقفين متضادين أو أكثر في سياق الطيار الشاب، وعكس خلافات داخلية أقلقت المستوى الرسمي في الدولة، وعكست مدى إخفاقه في توحيد الكلمة من خلفه مع بعض الفئات.

من جانب التنظيم أيضا، يبدو أن “اللعب” مع الدولة الأردنية بات بحاجة “صفاء ذهني”، الأمر الذي قرر في سياقه أن “يسكت” الأصوات جميعا التي تتحدث عن الكساسبة كمسلم وكضيف، خصوصا بعد عدم تركيز بعض الاصوات الاردنية على وصف “مرتدّ” الذي استخدمه في الحديث عن الطيار في يوم امساكه الاول، ثم تعامل معه على أساسه في المقابلة الجدلية التي نشرها في مجلة “دابق” التابعة لمركز الحياة للاعلام، التابع لتنظيم الدولة.

الرسائل المذكورة عن كون الدواعش لا ينظرون للشاب كمسلم وعن رفض التنظيم من حيث المبدأ اللعب على وتر اسلامه، لم تثنِ أيضا العشائر والعائلة عن اعادة اطلاق ذات الدعوات والاسترحامات، متجاهلة عن عمد أو جهل كل الرسائل المبطنة التي مفادها أن اللعب على وتر “إسلامه” له مخارجه، وليس الطريقة الأسلم لإنقاذه.

التنظيم، وبعد أن راقب ذلك جيدا، يبدو أنه قرر من جانبه أيضا إسكات الأصوات المذكورة إلى اللارجعة، مصدرا مساء الاثنين فيديو، عبر قناة “الفجر” الحليفة له على موقع يوتيوب الشهير الخاص بالفيديوهات، استطلع فيه آراء مواطنين في الرقة السورية ذاتها حيث يحتجز الشاب العشريني الكساسبة، لتعيد اجماعها على كونه “معتدٍ ومرتد” ولا يمكن التعامل معه لا كضيف ولا مسلم، مركّزين على ما تحدث عنه ملك الأردن سابقا عن كون خروج الكساسبة للقتال كان كمعظم زملائه “اختياريا” وانه من اختاره، ما يعكس دقة التنظيم وتتبعه لكل ما يصدر عن الاعلام الاردني المحلي.

الحديث اليوم من كلا الجانبين (الدولة الاردنية والتنظيم) يبدو كدعوة للمجتمع الاردني والعشائر المقرّبة من عشيرة الشاب وعائلته بالصمت والكفّ عن التغريد “خارج السرب”، وترك الجانبين يتفاوضان على “ما يتفاوضان عليه” دون محاولة “عديمة الجدوى” لاستجداء عطف “عدوٍّ حربي”، خصوصا في ضوء معلومات توفرت لدى “رأي اليوم” عن إرباكات سببتها الدعوات المذكورة لدى المستويات المتقدمة من الاستخبارات الأردنية أثناء خوضها المفاوضات والمباحثات في سياقه.

الدولة الأردنية وعلى لسان وزيرها لشؤون الاعلام الدكتور الدبلوماسي محمد المومني أكدت لـ”رأي اليوم” أنها متابعة بكل مجسّاتها وأجهزتها لحال الطيار الشاب، وتأمل أن يعود إلى أسرته سالما، الأمر الذي لا يخفى على أحد أنه جاء دون التطرق للتفاصيل، بمعنى تكريس مبدأ “دعونا نعمل بصمت” وضمن الحلقات المعنية دون تشويش، والذي انتهجته من يوم احتجاز الشاب الأول.

رسالة التنظيم للأردنيين تماشت بدرجة كبيرة مع ذات الرسالة التي يدركها النظام المحلي جيدا وحرص أن يعيد التأكيد عليها في جلساته مع “رأي اليوم”، رغم اخفاق بعض اجهزته في توصيلها للشارع بصورة دقيقة، الرسالة الوحيدة الهامة تقول أن “من خاض حربا يتحمل كلفها”، الأمر الذي لا يرى فيه المراقبون أي رفض من قبل جانب التنظيم للتفاوض، وإنما دعوة للاحتراف فيه

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.