فتح وحماس وطيّ صفحة المصالحة / د. فايز رشيد
للأسف الشديدة, وصلت لغة الانتقادات والأخرى المضادة, كما الإجراءات العقابية وردود فعل كل من الحركتين على الأخرى (ونقصد هنا فتح وحماس) إلى مستوى من اللغة, نأنف كتابة وصفه, فليس هكذا يكون الانتقاد السياسي للآخر, الأمر الذي حدا شعبنا عن بكرة أبيه وأمتنا العربية (وتظل القضية الفلسطينية بالنسبة لمعظمها قضية مركزية), حداهم إلى طيّ صفحة المصالحة الوطنية بين الحركتين إلى غير رجعة. المستفيد الأول من الانقسام هو العدو الإسرائيلي وحليفته الاستراتيجية, اللذان ينفخان في كور الخلافات بين الحركتين, لتصفية القضية الفلسطينية من خلال ما يسمى بـ”صفقة القرن”. الضرر فقط من انقسام الحركتين يلحق فقط بقضية شعبنا, والمشروع الوطني الفلسطيني وبحقوقنا المشروعة التي ننادي بها صباح مساء, وفي سبيلها يقدم شعبنا التضحيات الهائلة على مدى قرن زمني وما يزيد, كما أن العدو مغرق في تغوله من أجل تهويد القدس ومحيطها, وسرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية في سبيل استيطانه السرطاني الخبيث. للأسف هذا الوضع الرديء لا يجبر الحركتين على تسوية خلافاتهما من أجل القضية, بل نراهما يمعنان في تشظيهما المدمّر النتائج على قضيتنا.
الغريب, أن الحركتين تزعمان التجاوب مع الجهود المصرية الحثيثة لتسوية الخلاف بين الحركتين وإنهاء الانقسام, لكنهما على أرض الواقع تمارسان عكس ما تعدان به الجانب المصري! فليس معقولا أن يقوم من تواجدَ من المجلس التشريعي المنحل في قطاع غزة بالاجتماع وإصدار قرار بنزع الشرعية عن رئيس السلطة محمود عباس, واعتقال مؤيدي فتح في غزة, ومنع تنظيم فتح بالاحتفال بذكرى انطلاقة الحركة! بالمقابل, من الخطأ مساواة حماس بالعدو الإسرائيلي وحليفته الأميركية, وفرض عقوبات على القطاع, كما سحب كافة موظفي السلطة العاملين في معبر رفح مع مصر, وتحميل حماس كامل المسؤولية كونها “تعطل أي مسؤولية لطواقم السلطة” واتهامِها بـ”تكريس الانقسام وآخرها ما طاول الطواقم, من استدعاءات واعتقالات وتنكيل بالموظفين”. الخطوات التي تتخذها الحركتان هي إجراءات انتقامية وكيدية, ولا علاقة لها بشيء من تسوية الخلافات على الساحة الفلسطينية, وتعكس حجم المأزق الذي وصلتا إليه في التقدم بالمشروع الوطني الفلسطيني ولو خطوة صغيرة إلى الأمام! كما تعكس انعدام وجود أية أوراق لديهما للخروج من النفق المظلم الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية, أو الأدق قولا, الذي أوصلتا إليه قضيتنا الوطنية بانقسامهما المدمّر.
قلناها في مقالة سابقة على صفحات هذه الجريدة العزيزة “الوطن”, كنا نتمنى لو جرى حل المجلس التشريعي من خلال التشاور الفصائلي, وبخاصة أمام ما يجري تداوله من حلول من قبل السلطة الفلسطينية, بعد حل المجلس التشريعي, إذ لا تزال السلطة تبحث في خياراتها المقبلة, وحصرها في خيارين قيل إنهما على طاولة البحث. أحدهما اختيار “مجلس تأسيسي” يجري انتخابه بحسب التوافق, لديه مهمة محدّدة, تتمثل في الإعلان والتأسيس لدولة فلسطينية وانتخاب الرئيس وإقرار دستور الدولة, ومن ثم يتقرّر موعد انتخابات برلمانية لاحقة في ضوء التطورات التي تتم”. أما الخيار الثاني فهو الذهاب إلى انتخاب برلمان دولة فلسطين، بما يمهد ذلك لخطوات أخرى, يصعب القول إنها تصب في جهود درء المخاطِر الهائلة التي تواجِه القضية الفلسطينية, حتى بعد تأجيل إعلان صفقة القرن, انتظارا لما ستؤول إليه الساحة الفلسطينية في ظل خلاف الحركتين, اللتين تملك كل منهما مشروعها السياسي المختلف عن الأخرى, فنهج المفاوضات أثبت عقمه. أما تشكيل سلطة سياسية في غزة, فهو يكرّس الانقسام النهائي مع الضفة الغربية, وهو شئتا أم أبينا يشكل تعاملا غير مباشر مع صفقة القرن.
جملة القول.. إن كلا من الحركتين قررت القطيعة مع الأخرى والعمل السياسي منفردة, دون الأخذ بعين الاعتبار, أن السلطتين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ما زالتا محتلتين, فالأولى محتلة احتلالا مباشرا, أما الأخرى فمحاصرة حصارا خانقا, يتحكم العدو الصهيوني في معظم معابرها, وحدد حتى عدد أميال المياه البحرية التي يتحرك فيها صيادو القطاع, وهو يتحكم حتى في البضائع الداخلة إلى القطاع, ويمنع بعنجهية وصلف كل قوافل المساعدات الإنسانية المبحرة إلى غزة, ويمارس حرب إبادته الجماعية في كل من الضفة الغربية والقطاع, ودائم القصف لمناطقه. نتوجه بالسؤال إلى القائمين على الحركتين الشقيقتين, بالله عليكم, على ماذا تختلفون؟ ثم, ألم يئن الأوان لإدراك محددات واشتراطات مرحلة التحرر الوطني الذي ما زلنا نعيشه؟ لكن, للأسف لقد أسمعت من ناديت حيا, ولكن لا حياة لمن تنادي!
التعليقات مغلقة.