«عشرة أعوام مع حافظ الأسد» كتاب يجمع بين رواية المذكّرات وتوثيق المادّة التاريخية لمرحلةٍ شديدة الحساسيّة في الحياة العربية المعاصرة، وهي مرحلة محادثات السلام العربية – الإسرائيلية في العقد الأخير من القرن الماضي.
كتبته بثينة شعبان المترجمة الرئيسية للراحل حافظ الأسد (1990-2000)،والمستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بشّار الأسد. وكانت قد تولت مناصب وزاريّة وسياسيّة وإعلامية في بلادها. وقدّم لها الكتاب، الكاتب العربي عبد الإله بلقزيز، بناءً على طلبها، بعد ترجمته من الإنكليزية إلى العربية، لنشره في «مركز دراسات الوحدة العربية».
وقد أتى هذا الكتاب في أحد عشر فصلاً، كشاهد تاريخي – سياسي على جملة من الحقائق السياسية لا سبيل إلى الإشاحة عنها:
أولاها أن تسويةً سياسيةً للصراع العربي – الصهيوني اليوم، بل منذ «مؤتمر مدريد»، لم تعد ممكنةً إلا إذا كان مطافُها الأخير إنتاج «اتّفاق» سياسي على شاكلة «اتّفاق أوسلو» و «اتفاق وادي عربة»، يعطي إسرائيل اللبّ ويأخذ القشور.
وثانيتها أن تسويةً ترعاها الولايات المتحدة الأميركية ليس لها سوى أن تصبّ في رصيد إسرائيل، لأن «الراعي» منحاز إليها، ولا مرجعية تحكم «رعايته» سوى أمن إسرائيل.
وثالثتها أن تجربة التفاوض السورية، منذ مدريد، تُطْلِعنا على مقدار حرص سوريا على التمسّك بالثوابت والحقوق الوطنية، والنضال السياسي المستميت عنها، ورفض التفريط بها، برغم من ذلك الكمّ الخرافي من الضغوط السياسية التي تعرَّض لها المفاوِض السوري طوال جولات التفاوض.
في الفصل الأول تتحدّث عن الطريق إلى مدريد وما سبقه من أحداث أبرزها «غزوّ صدام حسين للكويت» في الثاني من آب 1990، الذي أدّى بعد خمسة أشهر إلى ما يسمّى اليوم بـ «حرب الخليج» التي اندلعت في 16 كانون الثاني 1991 التي شنّها ائتلاف مفوض من الأمم المتحدة مؤلف من 34 دولة (بما فيها سوريا) بقيادة الولايات المتحدة، لضمان «تحرير الكويت»، بالقرار 678 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. في السادس من شباط 1991، بدأت الاستعدادات لـ «مؤتمر مدريد» برعاية الرئيس جورج بوش الأب لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي وتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وبعد مخاض عسير ومفاوضات شاقّة بين الرئيس الأسد والبعثات الأميركية كان أهمّها «الأرض مقابل السلام» وتمسّك الأسد بمدينة القدس، خرج المؤتمر إلى النور لكنه لم يفضِ إلى الهدف المرجو، لأسباب تم تفصيلها وتفنيدها بالوثائق في الكتاب.
في الفصل الثاني تحت عنوان «طوبى لصانعي السلام»، تذكر الكاتبة التعليمات التي وجّهها الأسد لأعضاء الوفد السوري المتوجّه إلى إسبانيا حيث انعقاد «مؤتمر مدريد»، وهي: «السلام العادل والشامل خيار سوريا» وزاد «سنكون مرنين، لكن ليس حين تطرح مسألة الأرض مقابل السلام» وأضاف أن النقطة الأساسية هي وجوب عودة كل شبر من الأراضي السورية إلى أصحابه الشرعيين، و»لن يكون هناك سلامٌ سوري – إسرائيلي منفرد»، مشدّداً على ضرورة حصول الفلسطينيين على حقوقهم ودولتهم، وعلى تحرر جنوب لبنان.
وفي الفصول المتتالية تسرد شعبان الوقائع والأحداث بسرد مفصّل مدعوم بالوثائق التي حصلت عليها من أرشيف القصر الجمهوري والخارجية السورية (محاضر الاجتماعات بالمبعوثين الدوليين، والاتصالات الهاتفية) إضافةً إلى التحليل والإيضاح الذي يغتني بخلفيةٍ سياسية وأكاديمية.
فتذكر العلاقات الوديّة بين قصر الشعب في سورية والبيت الأبيض في عهد بيل كلينتون وزيارة الأخير لدمشق قبل لقاء القمة الأول في 16 كانون الثاني 1994 في جنيف، معلناً بدء مرحلة جديدة في العلاقات السورية – الأميركية، مبنية على الثقة والاحترام المتبادلين. كما انتقدت بشدّة اتفاق أوسلو «للسلام» الذي تم توقيعه في البيت الأبيض بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء رابين، متّهمة عرفات بأنه أفرط في إعطائه الكثير لإسرائيل مقابل الحصول من الإسرائيليين على أقل من نصف فلسطين التاريخية.
في الفصل الثامن «تفاهم نيسان» الذي تؤكّد الكاتبة فيه دعم حافظ الأسد المطلق لـ «حزب الله» الذي أتى بعد «الحزب السوري القومي الاجتماعي» و»الحزب الشيوعي» و»حركة أمل» في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ثم انفرد في المواجهة معها بعد العام 82 لأسباب متعددة، وتفنّد الكاتبة المفاوضات المضنية التي بذلتها دمشق للوصول إلى تفاهم نيسان 1996 والذي برهن أنه بخلاف ما يعتقده كثر، لا تحصل الولايات المتحدة كل مرة على ما تريده في الشرق الأوسط.
تختم بثينة شعبان كتابها، بالتركيز على دور حافظ الأسد في حماية المقاومة في لبنان وفلسطين واحتضان قادة «حماس» و»الجهاد الإسلامي» في دمشق، وحرصه على عدم التنازل عن الأرض، وتصفه بالمفاوِض الصّعب، والديبلوماسي الصلب.
«عشرة أعوام مع حافظ الأسد» 1990 ـ 2000 («مركز دراسات الوحدة العربية» ـ بيروت ـ 2014)
التعليقات مغلقة.