” الذكرى الثالثة و الستون لثورة 23 يوليو ” / النائب الأردني حسن عجاج عبيدات
النائب الأردني حسن عجاج عبيدات ( الخميس ) 23/7/2015 م …
لن أتحدث بهذه المناسبه عن ثورة 23 يوليو ، وإنجازاتها، فقد كتب عنها العديدون ولكنني سأتناول الحديث عن زعيم هذه الثورة ومفجرها وقائدها جمال عبد الناصر ، مستنداً إلى كتابه “فلسفة الثورة”.
كانت ولادة جمال عبد الناصر في 15 كانون الثاني سنة 1918 م ، في قرية ” بني مر ” قرب مدينة أسيوط،وفي القريه نفسها ولد أبوه عبد الناصر.
كان حلم الشاب جمال عبد الناصر أن يكون ضابطاً يحمل دلالة وطنية تتصل باعتزازه الكبير بثورة 1919،وإعجابه بشخصية عرابي، وإيمانه بإمكانات الجيش الوطنية في الذود عن حرية الشعب واستقلال الوطن وكرامته.
كان جمال أثناء دراسته بالكلية الحربية يقضي معظم وقته في المكتبة. وركز معظم قراءته في التاريخ العسكري والسياسي، حيث قرأ كثيراً من التراجم عن نابليون وبسمارك وكمال أتاتورك وغيرهم.
كان جمال عبد الناصر عسكرياً مثقفاً. وتلاءَمت قدراته العسكرية المتطورة مع التنامي في قدراته الثقافية التي عززها باستمرار . بدأ تفكير جمال عبد الناصر في العمل لإزالة الظلم والفساد الناتجين عن حكومة ضعيفة ، وتواجد القوة البريطانية في مصر، فبادر إلى الإعلان جهاراً كرهه للانكليز . يقول عبد الناصر في كتاب “فلسفة الثورة” :” ولقد ظللت مرة أحاول أن أتفهم عبارة كثيراً ما هتفت بها ، حينما كنت أرى الطائرات في السماء ، لقد كنت أصيح : ياربنا ياعزيز وداهية تأخذ الانجليز” . وتمكن خلال دراسته من إنشاء أول تنظيم سياسي مهمته الأساسية التظاهر في المناسبات وتوجيه ذلك لخدمة الصالح العام. وحين اختمرت في ذهنه فكرة التحرك للعمل الإيجابي لأنقاذ مصر مما هي عليه،بدأ في تكوين أولى حلقات حركة الضباط الأحرار عام 1938.
توصل عبد الناصر إلى حالة من التصور الكامل للوضع الراهن في مصر نتيجة احتكاكه المباشر بالضباط الكبار، ومدى تفكيرهم ، ووصل إلى قناعة تامة بضرورة التحرك .وكان مؤمناً بدور الضباط والجيش المهم في التغيير ، مستنداً إلى طبيعة الضباط الطبقية ، وإلى فهمه تاريخ الجيوش في تجارب الشعوب.صوّر جمال عبد الناصر الوضع الذي وصلت إليه مصر قائلاً:”….عشت في هذا الجو ، الاخلاص معدوم ، والذمة مفقودة، والضمير لا تسمع عنه….”. وجاءت حرب عام 1948في فلسطين ، ومشاركته فيها لتؤكد الهوية القومية لفكره العربي أولاً، وللجيش العربي ثانياً . وإن هذا الارتباط بالقومية نابع من المصير المشترك الذي يرتكز عليه كيان الأمة، فكانت القضية الفلسطينية المتنفس لأزمة عبد الناصر، حيث قام بالاتصال بمفتي فلسطين” أمين الحسيني” بعد قرار التقسيم الجائر طالباً منه الموافقة على تطوع الضباط المصريين في مهمة الدفاع عن فلسطين، ولتدريب المتطوعين الفلسطينيين ، وقيادة المعارك، وهكذا وجد عبد الناصر نفسه يخوض معركة في فلسطين ، ومحاصراً في الفالوجا. يقول في ذلك:” ولما بدأت أزمة فلسطين كنت مقتنعاً في أعماقي بأن القتال في فلسطين ليس قتالاً في أرض غريبة، وهو ليس انسياقاً وراء عاطفة ، وإنما هو واجب يحتمه الدفاع عن النفس. ولما انتهى الحصار وانتهت المعارك في فلسطين وعدت إلى الوطن، كانت المنطقة كلها في تصوري قد أصبحت كُلاً واحداً”.
خرج عبد الناصر بعد حرب فلسطين وهو على يقين تام ، ولابد من ايجاد مخرج للأزمة من خلال القاهرة نفسها . وخرج بتصوره بعد الحرب بأن الاستعمار يهدف إلى إخضاع جميع الأقطار العربية تحت وصايته،
وليس هناك فرق بين بلد وآخر. وإن استمرارية الصراع بين العرب والاستعمار هو صراع تاريخي ودائمي، وأن ديمومة هذا الصراع هي زرع الكيان الصهيوني في الوطن العربي، الذي لم يكن إلا أداة طيعة في أيدي الاستعمار هدفها الأساسي هو تنفيذ مخططاته . وإزاء هذا التصور ، تأكد لدى عبد الناصر عدة اعتبارات أساسية أهمها : أهمية الوحدة العربية في خوض الصراع مع الاستعمار هذه الوحدة التي تعطي القوة الأساسية للعرب ، وأن توحيد الجهود والجيوش والأفكار ، هو الأساس الفكري والنظري للقوة. لا بد من إيجاد مخرج للتسليح وبناء جيش عربي قوي قادر على خوض هذا الصراع، وأي صراع يستجد.لا بد من اقتلاع أنظمة الحكم الفاسدة ، و بناء أنظمة حكم عربي قوية تستند إلى جيش قادر يكون سنداً للأقطار العربية.
واستنتاجاً من ذلك نجد أن عبد الناصر كان يرى” أن التحرر العربي مقدمة لتحرير فلسطين. فكما أيقظت قضية فلسطين الوعي العربي، فإن لوعي العرب رداً للدين، ووفاءً بالجميل ، يكون شرطاً لتحرير فلسطين.”
وهكذا ، فإن تصور جمال عبد الناصر حول العرب والعروبة نابع من إدراكه لعمق العلاقة بين وحدة الهدف والمصير المشترك. وأكد أن ” عبء الدفاع عن البلاد يقع أول ما يقع على العرب وحدهم، وهم جديرون بالقيام به، ولا جدال في أن قدرتهم على أداء الواجب تزداد كلما وقفت العقبات والحواجز التي حالت بين العرب وبين ما يلزم لجيوشهم من الأسلحة.” وأكد : على ان المقاتل العراقي والسوري والمصري ، لا يدافع عن أسرة فلسطينية لاجئة، وإنما هو إلى جانب ذلك يدافع عن أسرته السورية أو المصرية أو العراقية. أمة عربية واحدة تواجه نفس المعركة لأنها تواجه نفس المصير.”
دخل عبد الناصر بعد نجاح ثورة يوليو في عدة معارك ضارية مع الاستعمار بدءاً من إجلاء الجيوش البريطانية، مروراً بتأميم قناة السويس، وتحقيق أول وحدة في تاريخ العرب المعاصر، في شهر شباط عام 1958 حين أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا وقيام الجمهورية العربية المتحدة . وقال عبد الناصر معبراً عن سعادته بهذه الوحدة:” إن الشعب العربي في سوريا والشعب العربي في مصر يقرر ويعلن مشيئته لقيام دولة جديدة ، دولة عظمى ، دولة قوية تنبع إرادتها من شعبها ،و تنبع إرادتها من نفسها، وتنبع إرادتها من ضميرها “. وبتحقيق وحدة سوريا مع مصر كان الطريق نحو تحرير فلسطين قد أصبح طريق الخطر الجدي على الكيان الصهيوني. وكانت الوحدة بين مصر وسوريا تجسيداً حياً عصرياً للقومية العربية، ولنضالات الجماهير الوحدوية، وقد بدا أن كل شيء يسير نحو نتيجته المنطقية. ولكن هذه التجربة التاريخية أصيبت بانتكاسة حين قام عدد من الضباط السوريين الخونة بفصل سوريا عن مصر بتأييد وتخطيط من القوى الرجعية المدعومة من قوى الاستعمار الأجنبي.
وكانت الضربة التالية التي أصابت عبد الناصر بالصميم نكسة حزيران عام 1967، حيث أعلن تنحيه عن الحكم في 9 حزيران ، وتسليم السلطة لزكريا محي الدين الذي أصدر بياناً رفض فيه قبول السلطة ، كما لا تقبل الجماهير قيادة غير قيادة عبد الناصر ، وأن الشعب العربي كله من أقصى المحيط إلى أقصى الخليج يعبر عن تمسكه بقيادة جمال عبد الناصر.
ولكن الوقت لم يمهل عبدالناصر ليعيد بناء الجيش والدولة ويتجاوز الأخطاء التي وقع بها النظام في المراحل السابقة، حيث أعلن في 28 أيلول 1970عن وفاة الزعيم العربي، فبكاه الناس بصورة هستيرية في كل مدينة وكل قرية عربية. كما عبر زعماء العالم الذين حضروا جنازته عن عظمة هذا القائد الذي رفع هيبة العرب في العالم.
ستبقى الجماهير تتذكره كل عام ، وبخاصة في هذه المرحلة المحزنة التي تمر بها الجماهير ، وهي تفتقد إلى قائد تجمع عليه في قيادتها ، كما ستظل جماهير الشعب العربي في مصر تتذكر إنجازاته الكبيرة، وهي ترى مصر اليوم تستهدفها النزاعات والتنظيمات المسلحة . فلم يبق من ثورة 23 يوليو 1952 إلا الذكرى.
التعليقات مغلقة.