تصهين واشنطن وعدوانية تل أبيب / سعد الله مزرعاني
سعد الله مزرعاني* ( لبنان ) الأحد 27/1/2019 م …
*قيادي شيوعي لبناني …
في مرحلة تسلّم «المحافظين الجدد» زمام السلطة في إدارة الرئيس جورج بوش الابن وتحت إشرافه، لم يتردّد كثير من الصهاينة، في دولة العدو، بتكرار أو إعلان معادلة: «أميركا تحكم العالم ونحن نحكم أميركا». رغم ذلك لم يبلغ الدعم الرسمي للصهاينة ما يبلغه اليوم لجهة تبنّي أجندة متكاملة من قِبل إدارة الرئيس دونالد ترامب، لتمكين قيادة العدو الصهيوني، وبمبادرة ومشاركة تامّة ونشطة من قبل واشنطن، من تصفية كامل حقوق الشعب الفلسطيني، دون رحمة أو هوادة!
بدأت «القصة» من الوعود الانتخابية للمرشح دونالد ترامب الذي نافس هيلاري كلينتون، وعبر تدخّل صارخ ووقح وغير مسبوق، من قبل رئيس حكومة العدو، ضد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. نتذكّر كيف وجّه مجلس الشيوخ الأميركي (الذي يسيطر عليه «الجمهوريون» ويتمتع اللوبي الصهيوني فيه بنفوذٍ كبير) دعوة إلى بنيامين نتنياهو لإلقاء كلمة متجاوزاً الأعراف ووزارة الخارجية والرئيس، في محاولة لاستفزاز أوباما وإضعافه وفرض سياسات عليه أو التراجع عن أخرى (خصوصاً الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني).
منذ فوز ترامب توالت حلقات مسلسل أميركي هجومي في دعم الصهاينة وفي تبنّي سياساتهم وخططهم حيال الشعب الفلسطيني: من تنفيذ قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلى الاعتراف بعنصرية دولة الاغتصاب ويهوديتها، إلى سحب الاعتراف بمكتب منظمة التحرير في واشنطن، إلى وقف مساهمة الولايات المتحدة في تمويل «الأونروا»، إلى الانسحاب من المنظمات الدولية التي صوتت لمصلحة انضمام فلسطين إلى عضويتها… ومنذ أيام، وقف تقديم منح تعليمية لطلاب فلسطينيين في الجامعة الأميركية في بيروت!!
في مجرى ذلك، وفي خدمة هذا المسار العدواني، استخدمت واشنطن كل أشكال الضغوط لفرض مواقفها على الدول التي عارضت سياساتها أو تردّدت في السير في ركاب هذه السياسات. كانت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي تترجم هذه الضغوط بأكثر الأشكال غطرسة وتهديداً، ما أثار استغراب العالم، خصوصاً أن واشنطن هي التي انقلبت على القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية: من قرار حق العودة، إلى القرار بشأن القدس، إلى تمويل «منظمة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين»، إلى مشروع الدولتين والعاصمتين، إلى قرار مجلس الأمن 242 الذي يطالب الصهاينة بالانسحاب إلى حدود 4 حزيران، إلى إقامة دولة فلسطينية وفقاً لقرار التقسيم الأول الذي شرَّع في عام 1947 إقامة دولة مغتصِبة على أرض فلسطين وقيام دولة ثانية فلسطينية… واشنطن هي التي تتنكر لكل ذلك، وتعطّل المفاوضات لمصلحة مشروع صهيوني بالكامل يحمل عنوان «صفقة القرن».
المفارقة المتمّمة لهذا السياق العدواني، أن واشنطن مارست ضغوطاً موازية أيضاً، من أجل فرض التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، مستغلّة النزاعات في المنطقة، ومسهمةً ــ إلى أقصى الحدود ــ في تهميش الصراع مع العدو الصهيوني واستبدال الصراع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسياساتها وعلاقتها وبرامجها به… المفارقة الأخرى، الأغرب والأخطر، أن هذه الإدارة التي تطالب حلفاءها وأتباعها العرب بأكبر خطوات التطبيع مع العدو وأسرعها، تفرض عليهم أيضاً، فضلاً عن أولوية الصراع وحصريته مع إيران، تقديم أثمان خيالية في مقابل الدعم والحماية في الداخل والخارج، أي في الصراع على السلطة، من جهة، وفي الصراعات ذات الطابع الحدودي أو السياسي أو الإقليمي، من جهة ثانية. ولا يتردد سيد البيت الأبيض في التفاخر بأن «لكل شيء ثمناً»، وأنه قد وفَّر لبلاده مليارات ومليارات الدولارات عبر صفقات ستؤمن مئات آلاف فرص العمل للشباب الأميركي، ولا بأس من أن تغطي إدراة ترامب، لهذا الغرض، جريمة اغتيال الصحافي جمال الخاشقجي في سفارة بلاده في تركيا!
يتصل بذلك، في المقام الثالث، إدارة سياسات، من قبل إدارة ترامب، تستبدل بالتدخل المباشر الذي أخفق في العراق وأفغانستان، سياسات إثارة النعرات والانقسامات وتشجيع التطرف والإرهاب واعتمادهما، بشكل شبه مفضوح، وكذلك تغذية الصراعات ذات الطابع القومي والعرقي والطائفي. وهي تستغل في كل ذلك أزمات وخلافات قديمة، وكذلك أخطاء ونزاعات جديدة. وتستغل خصوصاً، في هذه المرحلة، الصراع المذهبي مستفيدة مما تتسم به التعبئة المعتمدة من قبل المتصارعين، في هذا الاتجاه، وذلك لعزل خصومها، من جهة، ولادعاء دعم حقوق أقليات قومية مضطهدة تاريخياً على غرار ما حصل مع الكرد، من جهة ثانية. إن «انسحاب» واشنطن من سوريا الذي أكَّده الرئيس ترامب أخيراً، إنما هو الوجه الآخر لانخراط أكبر في تغذية النزاعات والتفتيت والعبث بالخرائط وبالمصالح. والخطط والتوجهات المشبوهة في هذا الإطار تملأ تقارير مراكز الأبحاث الأميركية. وهي، جميعاً، تتحدث عن تقسيم المنطقة ودولها وتجزئتها وإعادة فكّها وتركيبها… فيما المستفيد الأساسي والوحيد من كل ذلك، العدو الصهيوني.
لا شك في أن المبادرة الروسية في التدخل العسكري في سوريا في نهاية صيف عام 2015، قد أربكت الكثير من الحسابات الأميركية. لكن واشنطن ورغم اضطراب وتلعثم سياسات ترامب، تراهن على استنزاف موسكو هي الأخرى ومعها، طبعاً، طهران والصين وكل أولئك الذين يحاولون عرقلة السياسات الأميركية في المنطقة والعالم، بما فيهم أوروبا نفسها.
في السياق عينه، وفي ما خصَّ المنطقة تحديداً، ونظراً للأطماع الصهيونية وتنامي نزعة العدوان والتطرف في الكيان المغتصب، وبسبب محاولة الاستفادة، إلى الحد الأقصى، من إدارة ترامب التي تجاوزت أحلام الصهاينة أنفسهم في دعمها لهم، في ظل كل ذلك، وضمن شروط قد تتوافر في هذه المرحلة أو تلك، ليس من المستبعد أن يلجأ الصهاينة، بدعم أميركي، إلى شنّ عدوان كبير في المنطقة بهدف فرض وقائع جديدة. ويعوِّل الصهاينة، في هذا الصدد، على تنامي علاقاتهم مع عدد من الدول الخليجية والعربية الأخرى. وهي سانحة غير مسبوقة لممارسة عدوان قد يحظى، في شروط معينة، بدعم علني من الحلفاء السريين للكيان الصهيوني بذريعة أنهم والصهاينة في موقع واحد بمواجهة الخطر الإيراني!
هذا سياق يحتاج في الواقع إلى تفحُّص ومتابعة. وهو يحتاج أيضاً إلى المراجعة والتصحيح لبعض السلوكيات والممارسات والشعارات التي تقدّم هدايا مجانية إلى الأعداء من أجل إمرار مخططاتهم وإنجاحها على حساب المصير والمصالح العربيين، وكذلك على حساب دول مصالح شعوب المنطقة باستثناء العدو الصهيوني طبعاً.
بدأت «القصة» من الوعود الانتخابية للمرشح دونالد ترامب الذي نافس هيلاري كلينتون، وعبر تدخّل صارخ ووقح وغير مسبوق، من قبل رئيس حكومة العدو، ضد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. نتذكّر كيف وجّه مجلس الشيوخ الأميركي (الذي يسيطر عليه «الجمهوريون» ويتمتع اللوبي الصهيوني فيه بنفوذٍ كبير) دعوة إلى بنيامين نتنياهو لإلقاء كلمة متجاوزاً الأعراف ووزارة الخارجية والرئيس، في محاولة لاستفزاز أوباما وإضعافه وفرض سياسات عليه أو التراجع عن أخرى (خصوصاً الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني).
منذ فوز ترامب توالت حلقات مسلسل أميركي هجومي في دعم الصهاينة وفي تبنّي سياساتهم وخططهم حيال الشعب الفلسطيني: من تنفيذ قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلى الاعتراف بعنصرية دولة الاغتصاب ويهوديتها، إلى سحب الاعتراف بمكتب منظمة التحرير في واشنطن، إلى وقف مساهمة الولايات المتحدة في تمويل «الأونروا»، إلى الانسحاب من المنظمات الدولية التي صوتت لمصلحة انضمام فلسطين إلى عضويتها… ومنذ أيام، وقف تقديم منح تعليمية لطلاب فلسطينيين في الجامعة الأميركية في بيروت!!
في مجرى ذلك، وفي خدمة هذا المسار العدواني، استخدمت واشنطن كل أشكال الضغوط لفرض مواقفها على الدول التي عارضت سياساتها أو تردّدت في السير في ركاب هذه السياسات. كانت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي تترجم هذه الضغوط بأكثر الأشكال غطرسة وتهديداً، ما أثار استغراب العالم، خصوصاً أن واشنطن هي التي انقلبت على القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية: من قرار حق العودة، إلى القرار بشأن القدس، إلى تمويل «منظمة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين»، إلى مشروع الدولتين والعاصمتين، إلى قرار مجلس الأمن 242 الذي يطالب الصهاينة بالانسحاب إلى حدود 4 حزيران، إلى إقامة دولة فلسطينية وفقاً لقرار التقسيم الأول الذي شرَّع في عام 1947 إقامة دولة مغتصِبة على أرض فلسطين وقيام دولة ثانية فلسطينية… واشنطن هي التي تتنكر لكل ذلك، وتعطّل المفاوضات لمصلحة مشروع صهيوني بالكامل يحمل عنوان «صفقة القرن».
المفارقة المتمّمة لهذا السياق العدواني، أن واشنطن مارست ضغوطاً موازية أيضاً، من أجل فرض التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، مستغلّة النزاعات في المنطقة، ومسهمةً ــ إلى أقصى الحدود ــ في تهميش الصراع مع العدو الصهيوني واستبدال الصراع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسياساتها وعلاقتها وبرامجها به… المفارقة الأخرى، الأغرب والأخطر، أن هذه الإدارة التي تطالب حلفاءها وأتباعها العرب بأكبر خطوات التطبيع مع العدو وأسرعها، تفرض عليهم أيضاً، فضلاً عن أولوية الصراع وحصريته مع إيران، تقديم أثمان خيالية في مقابل الدعم والحماية في الداخل والخارج، أي في الصراع على السلطة، من جهة، وفي الصراعات ذات الطابع الحدودي أو السياسي أو الإقليمي، من جهة ثانية. ولا يتردد سيد البيت الأبيض في التفاخر بأن «لكل شيء ثمناً»، وأنه قد وفَّر لبلاده مليارات ومليارات الدولارات عبر صفقات ستؤمن مئات آلاف فرص العمل للشباب الأميركي، ولا بأس من أن تغطي إدراة ترامب، لهذا الغرض، جريمة اغتيال الصحافي جمال الخاشقجي في سفارة بلاده في تركيا!
يتصل بذلك، في المقام الثالث، إدارة سياسات، من قبل إدارة ترامب، تستبدل بالتدخل المباشر الذي أخفق في العراق وأفغانستان، سياسات إثارة النعرات والانقسامات وتشجيع التطرف والإرهاب واعتمادهما، بشكل شبه مفضوح، وكذلك تغذية الصراعات ذات الطابع القومي والعرقي والطائفي. وهي تستغل في كل ذلك أزمات وخلافات قديمة، وكذلك أخطاء ونزاعات جديدة. وتستغل خصوصاً، في هذه المرحلة، الصراع المذهبي مستفيدة مما تتسم به التعبئة المعتمدة من قبل المتصارعين، في هذا الاتجاه، وذلك لعزل خصومها، من جهة، ولادعاء دعم حقوق أقليات قومية مضطهدة تاريخياً على غرار ما حصل مع الكرد، من جهة ثانية. إن «انسحاب» واشنطن من سوريا الذي أكَّده الرئيس ترامب أخيراً، إنما هو الوجه الآخر لانخراط أكبر في تغذية النزاعات والتفتيت والعبث بالخرائط وبالمصالح. والخطط والتوجهات المشبوهة في هذا الإطار تملأ تقارير مراكز الأبحاث الأميركية. وهي، جميعاً، تتحدث عن تقسيم المنطقة ودولها وتجزئتها وإعادة فكّها وتركيبها… فيما المستفيد الأساسي والوحيد من كل ذلك، العدو الصهيوني.
لا شك في أن المبادرة الروسية في التدخل العسكري في سوريا في نهاية صيف عام 2015، قد أربكت الكثير من الحسابات الأميركية. لكن واشنطن ورغم اضطراب وتلعثم سياسات ترامب، تراهن على استنزاف موسكو هي الأخرى ومعها، طبعاً، طهران والصين وكل أولئك الذين يحاولون عرقلة السياسات الأميركية في المنطقة والعالم، بما فيهم أوروبا نفسها.
في السياق عينه، وفي ما خصَّ المنطقة تحديداً، ونظراً للأطماع الصهيونية وتنامي نزعة العدوان والتطرف في الكيان المغتصب، وبسبب محاولة الاستفادة، إلى الحد الأقصى، من إدارة ترامب التي تجاوزت أحلام الصهاينة أنفسهم في دعمها لهم، في ظل كل ذلك، وضمن شروط قد تتوافر في هذه المرحلة أو تلك، ليس من المستبعد أن يلجأ الصهاينة، بدعم أميركي، إلى شنّ عدوان كبير في المنطقة بهدف فرض وقائع جديدة. ويعوِّل الصهاينة، في هذا الصدد، على تنامي علاقاتهم مع عدد من الدول الخليجية والعربية الأخرى. وهي سانحة غير مسبوقة لممارسة عدوان قد يحظى، في شروط معينة، بدعم علني من الحلفاء السريين للكيان الصهيوني بذريعة أنهم والصهاينة في موقع واحد بمواجهة الخطر الإيراني!
هذا سياق يحتاج في الواقع إلى تفحُّص ومتابعة. وهو يحتاج أيضاً إلى المراجعة والتصحيح لبعض السلوكيات والممارسات والشعارات التي تقدّم هدايا مجانية إلى الأعداء من أجل إمرار مخططاتهم وإنجاحها على حساب المصير والمصالح العربيين، وكذلك على حساب دول مصالح شعوب المنطقة باستثناء العدو الصهيوني طبعاً.
التعليقات مغلقة.