إيران ظهير الحقوق الفلسطينية / د.عبد الستار قاسم
د.عبد الستار قاسم ( فلسطين ) الخميس 23/7/2015 م …
تلقت القضية الفلسطينية ضربات شديدة أثرت بشكل سلبي على مكانة القضية على كافة المستويات، وقلصت من أهمية الحقوق الوطنية الفلسطينية في أعين العالم. تغيب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني عن الأذهان إلى حد كبير، ولم يعد حضور هذه الحقوق قويا في المحافل الدولية والعربية والإسلامية بذات القوة التي كانت قبل عشرين عاما. ومن الملاحظ أن العديد من المؤتمرات الدولية تهتم الآن بقضايا أخرى غير القضية الفلسطينية مثل النووي الإيراني والحراك العربي. وفي كثير من الأحيان تنتهي المؤتمرات الدولية دون أن تأتي على ذكر الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. هناك أسباب عدة لهذا التقلص، أذكر منها:
1- اتفاق أوسلو الذي تجاوز كل المحرمات الفلسطينية واعترف الفلسطينيون بموجبه بإسرائيل وحقها بالحرية والأمن واستخدام الفلسطينيين ذراعا أمنيا خاصا بها. لقد ضربت منظمة التحرير بالميثاق الوطني الفلسطيني بعرض الحائط، وتوجهت نحو التطبيع مع إسرائيل وإضاعة سنوات طويلة في التفاوض معها دون نتيجة. كما أن المنظمة أهملت الحقوق الوطنية الفلسطينية في كل الاتفاقات التي عقدتها مع إسرائيل، وأجلتها جميعها إلى مفاوضات الوضع النهائي. حتى أن إقامة دولة فلسطيني بقيت بدون ذكر في الاتفاقيات. وأسوأ ما في الأمر أن الفلسطيني بات يلاحق الفلسطيني الذي يمكن أن يقوم بعمل ضد إسرائيل أو يفكر في القيام به. وثبت عبر التجربة أن تعذيب السلطة الفلسطينية للأسرى الفلسطينيين أشد وأعنف من التعذيب الذي تمارسه إسرائيل.
2- الأنظمة العربية باتت متحالفة مع إسرائيل ولم تعد دولا محايدة في الصراع الدائر. كانت الدول العربية تقيم علاقات خفية مع إسرائيل على مدى سنوات سابقة، لكنها تقدم الآن العون العسكري والأمني لإسرائيل حتى ولو كان على حساب الأمن العربي. جيوش عربية مثل الجيش الأردني والجيش المصري تقف ساهرة على حدود إسرائيل لمنع المقاومة من ممارسة حقها في مقارعة إسرائيل. وطبعا وجدت الأنظمة العربية تبريرا لأعمالها من خلال ممارسات الفلسطينيين ضد شعبهم، وبسبب علاقاتهم المتميزة مع إسرائيل، وفضلوا ألا يكونوا ملكيين أكثر من الملك.
3- الساحة الدولية لم تعد مهتمة بالقضية الفلسطينية وينصب اهتمامها الآن على المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لما فيها من تثبيت وجود إسرائيل وطغيانها على الحقوق الوطنية. حتى روسيا والصين لم تعودا تكتراثان بحقوق الشعوب المقهورة، وتحولت نظرياتهما الثورية إلى نظريات السوق العالمية والتجارة الخارجية.
من بقي للفلسطينيين؟
لم يبق للفلسطينيين الآن من يدعمهم بقوة من العرب والمسلمين إلا نفر قليل. ربما بقي هناك من يقدم دعما ماليا وإنسانيا من بعض الدول مثل قطر وتركيا، لكن هذا الدعم لا يرتقي إلى مستوى متطلبات التحرير. مصر باتت تشدد الحصار على غزة، وتمنع عن أهل غزة أبسط الاحتياجات الإنسانية، وأخذت دول أجنبية تضغط على مصر من أجل تخفيف الحصار على القطاع. بقي للفلسطينيين من العرب بعض أنفسهم وليس كل أنفسهم. بعض الفلسطينيين أصبحوا حلفاء لإسرائيل كما أغلب البلدان العربية، لكن بعضهم الآخر يستمر في الاستعداد والإعداد لمواجهة إسرائيل. لقد صمد الفلسطينيون في ثلاث حروب متتالية، وأفشلوا الخطط الإسرائيلية، واستطاعوا في حرب عام 2014 إلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي الذي لم يستطع أن يصمد يوما كاملا أمام هجمات الفدائيين الفلسطينيين الذين كانوا يعملون بشجاعة منقطعة النظير خلف خطوطه. لقد تطورت قدرات البعض الفلسطيني عسكريا بصورة متصاعدة، واستفاد المقاومون من تجاربهم القتالية وطوروا من تكتيكاتهم العسكرية، وحيدوا جزءا كبيرا من آلات التدمير العسكري الإسرائيلي. وحيث أن إسرائيل لم تستطع إلحاق الهزيمة بالمقاومة الفلسطينية، لجأت إلى تدمير بيوت المدنيين وقتل الناس العاديين غير المشاركين في القتال.
إيران وسوريا وحزب الله
لم يكن بإمكان المقاومة الفلسطينية أن تتطور بهذا الاطراد الذي أذهل العالم لولا الدعم العسكري الإيراني واللبناني الذي يقوم به حزب الله. لقد وفرت إيران وكذلك حزب الله مختلف التسهيلات المناسبة للنهوض بالمقاومة ورفع مستوى أدائها الفتالي. قدمت إيران المال والسلاح والتدريب والتنظيم وبعض أسرار التقنية الخاصة بصناعة الصواريخ والمتفجرات، وقدم حزب الله كل معارفه العسكرية بخاصة التكتيكية منها للمقاومة وبالتحديد حفر الأنفاق وإنشاء شبكات محصنة تحت الأرض، وقام أفراد من حزب الله بدخول غزة عبر الأنفاق لتقديم خبراتهم التدريبية والتسليحية للمقاومة الفلسطينية. ولم يتلكأ حزب الله يوما عن القيام بعمليات تهريب السلاح إلى غزة عبر اليحر الأحمر والسودان وسيناء، وقد قضى لحزب الله العديد من الشهداء في عمليات التهريب. أما سوريا فقد قدمت ما بوسعها من تسليح وتدريب، وأرسلت بعض قادتها العسكريين إلى غزة لتدريب القوات الفلسطينية على أساليب القتال النظامية.
هذه الجهات الثلاث هي التي تقدم الاحتياجات العسكرية لغزة إن وجدت لديها. دول العرب والمسلمين لا تجرؤ أن ترسل رصاصة واحدة إلى غزة، أما هذه الجهات فمستعدة دائما لإرسال الصواريخ وكل ما يتوفر لديها ويمكن تهريبه. وإذا كانت غزة لا تحصل على ما يكفي من سلاح فذلك لأن الأنظمة العربية تحاصر غزة وتمنع عنها السلاح ومؤخرا تمنع عنها الدواء. فقط هذه الجهات هي التي تستعد للتحدي والمنازلة، ولا تأبه لمصالح خاصة ما دامت القضية الفلسطينية هي العنوان.
من حيث أن إيران وحزب الله ثابتان عند مبادئهما وقناعاتهما، فالأفضل للفلسطينيين أن يتمسكوا بهما كأصدقاء وحلفاء وشركاء مهما أغضب ذلك الأنظمة العربية. نحن نبحث عمن يحملنا، وليس عمن نحمله. أنظمة العرب لا خير فيها لشعوبها، والتمسك بها مضيعة للوقت والجهد. لا نصير حقيقي لنا الآن إلا إيران وحزب الله، والقضية الفلسطينية تتطلب منا البحث عن أصدقاء أقوياء أوفياء لا يهابون إسرائيل ولا يتحالفون معها ولا يطبعون. فقط اٌيرانيون وحزب الله هم الذين ينظرون إلى قضية فلسطين نظرة عقائدية صلب العقيدة الإسلامية. قضية فلسطين بالنسبة لإيران وحزب الله ليست مجرد قضية سياسية وإنما قضية إسلامية بحتة تستمد عمقها الديني من المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة.
لقد تمسك الفلسطينيون بالأنظمة العربية على مدى طويل من الزمن وعلى حساب التمسك بالشعوب العربية فلم يحصدوا إلا الخيبات والهزائم، وبالرغم من ذلك تحاول هذه الأنظمة على الدوام تشجيع الفلسطينيين على تقديم المزيد من التنازلات للكيان الصهيوني. وبدل أن تقف الأنظمة بحزم وقوة مع الحق العربي الإسلامي، تبحث باستمرار عن سبل الاستسلام، وعليه فإن تجارة الفلسطينيين مع الأنظمة العربية خاسرة، ولم يتمخض عنها سوى المبادرة العربية الخيانية التي وافق عليها مؤتمر القمة العربي عام 2002. وقد حاولت الأنظمة العربية أيضا جر الفلسطينيين إلى فتنة الشيعة والسنة حتى بات بعض الفلسطينيين يتبنون الفتنة. نحن لسنا معنيين بالفتن، ولا مصلحة لنا بصراعات إسلامية أو عربية داخلية، وكل من يحاول الدخول بالفتنة إنما هو يعمل عن سابق إصرار وتعمد على استنزاف الطاقات العربية والإسلامية لصالح الاستعمار الغربي والكيان الصهيوني.
التعليقات مغلقة.