الإعلام بمواجهة الفكر التكفيري
محمد شريف الجيوسي
أوليات مناهضة الفكر التكفيري …
لا بد أولا من القناعة بوجود فكر تكفيري ،
وأن هذا الفكر مناقض للإيمان الصحيح وللرسالات السماوية ،
وانه فكر قاصر متخلف ، فتنوي ، عنصري ، اقصائي ،
وهو كفكر متطرف محكوم بالأحقاد والضغائن وبماضوية جهالية عقيمة ،
وأنه بحكم تطرفه يقود ككل فكر متطرف الى نقيض ظاهره ، ويحمل بذور سقوطه ،
يبدأ باستغلال مشاعر السذج والبسطاء من الناس والهامشيين في المجتمعات الفقيرة ،
وينتهي معزولا وقد فقد البطانات الحاضنة التي ظنته ابتداءً طريقها الى الجنة والحور العين،
لا يحسن البناء ، لكنه يجيد الهدم والتدمير والذبح على الهوية وعشوائيا ،
متناقض مع ذاته ومع بُناته وأصحابه ، والتصفيات المستمرة داخله ؛ هي القاعدة الرئيسة،
يقلب الأولويات النضالية والجهادية ، ويجعل من الخصم والعدو صديقاً ومن الصديق عدواً .
يبيح المحرمات ويسرق مقدرات الأمة ، ويحسب على الناس أنفاسهم ويشتط في الشكليات.
أداة في يد العدو ، يمنهج الخيانة ، ويجعل منها خياره الأول ،
يعد الناس بما لا يملك ولا نصيب له فيه ، يؤمّر الجهلة ومعوقي العقول والهاربين من العدالة .
مواجهة الفكر التكفيري إعلاميا تستوجب التنسيق
لكن الإيمان بأن الفكر التكفيري يشتمل على ما سبق،يستوجب استراتيجيا العمل على غير صعيد،أحدها الجانب الإعلامي بالتنسيق مع جوانب أخرى عديدة لعل من بينها المجتمع ( العدالة الاجتماعية والتربية الأسرية) والثقافة بكل تفاصيلها، والمناهج الدراسية بكل درجاتها، والاقتصاد بما في ذلك ( معالجة بؤر الفقر والجهل والبطالة ) ، والفكر الديني التنويري ، وأخيراً الأمن والحرب .
موجبات نجاح الإعلام المواجه للفكر التكفيري
ولكي يكون الإعلام حاذقاً وقادرا على كسب عقول وقلوب وثقة الناس بمواجهة الفكر التكفيري .. ينبغي ( إضافة إلى تساوقه استراتيجيا مع سبق )
تمتعه بالصدقية والشفافية والبحث في هموم الناس ومشكلاتهم ، وجعلهم يتحدثون عنها بكل بساطة وأريحية .
عدم الإنطواء على كتّاب ومحلليين سياسيين واجتماعيين واقتصاديين الخ بذاتهم ، سواء أكانوا أو مع وجهة نظر الحكم والحكومة ، أو ضدها.
منح الأعلاميين الوطنيين والقوميين واليساريين والمتنورين فرص الحصول على المعلومة المقنعة.
مواجهة التفكير المضلل ( بكسر اللام ) والمضلل ( بفتحها ) والتجهيل واستخدام العواطف ، بما يناسبها ، من مشاعر وجدانية حقيقية صحيحة ..
إجراء المقارنات الإعلامية الكاشفة لأضاليل الإعلام المعادي ، من قبل مختصين يمتلكون الحجة والجرأة والقدرة والمعلومة .
خلق كفاءأت إعلامية جديدة باستمرار ، قادرة على كسب المزيد من الناس .
التروي عند الاقتباس من وسائل إعلامية غير صديقة ، فالاقتباس منها يسوّقها إعلامياً ، ويجعل مما تروّجه لاحقا ضد الأمة امراً وكأنه مقبولاً ..
عدم المراهنة كثيرا على أقلام متقلبة إلا في سياق المقارنة والمقاربة في تقلباتها وليس استشهاداً بها في موقف سرعان ما تنقلب ضد الوطن في موقف آخر .
ظهور المذيعين والمذيعات على حال أوسط الناس ، لا انغلاقاً ولا بهرجة ، لكي يكونوا في الشكل أيضاً أقرب اليهم وجدانياً .
البلاغة مهمة دون تقعر والبساطة في اللفظ دون تأتاة ولا إفراطاً في التبسيط .
تنويع البرامج المقدمة في الفضائيات والمواد في الصحافة الورقية ، دون المبالغة في برامج الطبخ والأمثال والترفيه المسطحة .
إيلاء القضايا المطلبية اليومية ما تستحق من اهتمام في كل وسائل الإعلام .
إعادة الاعتبار للصحافة الورقية شكلاً ومضموناً ونقلاً ، وتعزيزها بالمواقع الإلكترونية
إعادة النظر في السياسة الإعلانية ، بما يتيح لكل وسيلة إعلام الحصول على حصتها في ضوء نشاطها ضمن ضوابط لا تتيح المضاربة .
موجبات نجاح أخرى للإعلام المناهض للفكر التكفيري
ـ تجنب تغذية الهويات الجزئية سواء كانت إثنية أو دينية أو طائفية أو مذهبية أو مناطقية أو جهوية .
ـ طرح معانيات الدولة حتى في القضايا المهمة ، طالما هي لا تمس الأمن القومي الإستراتيجي ، بما يطمئن الناس حين الحديث عن إنتصارات على الأرض ، وفضح ممارسات التكفيريين .
ـ التمييز بين مواقف الحكام التابعين لعواصم الاستعمار القديمة والجديدة ، وبين الشعب العربي في هذا البلد أو ذاك أو غير العربي أحياناً .
ـ فتح المجال واسعاً أمام المتدينين المتنورين ، في كل وسائل الإعلام ، وبخاصة من كان منهم تبين له زيفهم .
ـ التوسع في فتح المنافذ الإعلامية في الخارج ، والتوسيع على الإعلاميين في الداخل والخارج .
ـ التضامن الإعلامي مع قضايا الشعوب المغلوبة على أمرها في وسائل الإعلام وطرحها بشكل واضح واشعارهم بهذا التضامن .
ـ عدم الإنطواء على القضايا المحلية ، والاهتمام أكثر بقضايا الآخرين وبخاصة قضايا الجوار الوطنية والمحلية .
ـ إبراز تقدم الفكر العلماني والقومي واليساري والديني المتنور ، وعدم الاقتصار على فضح تخلف التكفيريين
ـ فتح المجال للسوريين في المغتربات للتعبير عن رؤاهم في وسائل الإعلام السورية وحنينهم للوطن والبحث عنهم في أماكنهم في حال لم يتصلوا .
ـ إظهار العلاقات الوطيدة بين سوريي المغتربات وعرب ومسلمي الأمم الأخرى على شكلها الجميل ، المحب لسورية في وسائل الإعلام ، فيما التنافر مع الفكر التكفيري .
ـ بث الأعمال الأدبية والفنية التعبيرية والتشكيلية التي تظهر حقيقة تخلف الفكر التكفيري ومنافاته لتطلعات الأمم والشعوب والدول وتبعيته للأجنبي المستعمر .
تحقيق ما سبق يستوجب الخطوات العملية التالية :
1ـ إنشاء معهد إعلامي لمناهضة الفكر التكفيري ، تكون اولوية الدراسة فيه للإعلاميين في مختلف وسائل الإعلام ويمنح الدارسون فيه درجة ترفيع أوأكثر ( ويمكن فتح المجال لدارسين عرب وغير عرب )
2 ـ تشكيل مجلس عربي سوري لمناهضة الفكر التكفيري يمثل فيه إعلاميون بخاصة ، إلى جانب رجال دين وفكر واقتصاد وعلم إجتماع وسياسة وتربية وتعليم مدرسي وجامعي .
3 ـ سن قانون حازم مناهض للإعلام التكفيري.
4 ـ سن قانون يشجع أي عمل أو جهد إعلامي ضد الفكر التكفيري على أن يفتح المجال لمشاركين في الداخل والخارج ، ومنح هذه الجهود جوائز مالية وتقديرية .
5 ـ إدخال مساق للإعلام المناهض للفكر التكفيري في المناهج المدرسية والجامعية .
6 ـ تشكيل لجنة متابعة لتنفيذ قرارات المؤتمر الإعلامي الدولي لمناهضة الفكر التكفيري ، والتنسيق بين المشاركين فيه وتوسيع قاعدته .
7 ـ تعميم ونشر أوراق العمل المقدمة للمؤتمر والكلمات الملقاة في حفل افتتاحه ، والقرارات والتوصيات الصادرة عنه .
___________
*** كان بودي استكمال هذه الورقة في وقت أبكر ، إلا أن العارض الذي الم بي أمس الأول وعانيت قليلاً منه أمس ، أخر استكمالها حتى صبيحة اليوم الخميس ، كتبتها دون تكليف بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي لمناهضة الفكر التكفيري تحت رعاية السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية .
عمان 23 تموز 2015
التعليقات مغلقة.