حقائق تستوجب بناء استراتيجية فلسطينية جديدة / د. فايز رشيد

د. فايز رشيد ( الجمعة ) 1/2/2019 م …




استكملت “إسرائيل” سنّ قانون “القومية” العنصري, وهي بصدد استكمال قانون يسمى “الولاء في الثقافة”, الذي بادرت إليه وزيرة الرياضة والثقافة في الحكومة المستقيلة ميري ريغجيف. يشار إلى أن مشروع القانون يهدف إلى منع الميزانيات عن هيئات ومؤسسات ترفض بنود الولاء المطلق لـ”إسرائيل” كدولة يهودية “ديمقراطية” ورموزها المشمولة في مشروع القانون. وكانت ريغجيف قد بادرت إلى مشروع القانون بدعم من وزير المالية موشي كحلون, ويخوّلها صلاحية تقليص ميزانيات أو إلغائها تماما لمؤسسات ثقافية. هذا إضافة إلى الصلاحية القائمة لوزارة المالية. وبحسب نص مشروع القانون, فإن إلغاء ميزانية المؤسسة سيكون “في حال رفض الاعتراف بـ”إسرائيل” كدولة يهودية وديمقراطية أو التحريض على العنصرية والعنف أو دعم الكفاح المسلح و”الإرهاب” أو اعتبار يوم “الاستقلال” يوم حداد, أو تحقير العلم الإسرائيلي ورموز الدولة الأخرى.
المقصود بالطبع من هذه القوانين وغيرها قوننة فكرة أن دولة “إسرائيل” ستقوم على أرض فلسطين التاريخية كاملة وهضبة الجولان العربية السورية, كما المزيد من التضييق على أهلنا في المنطقة المحتلة عام 1948. وهذه أيضا امتداد لقانون النكبة واستكمال مباشر لقانون القومية العنصري. من جانب ثانٍ, فإنه لا يمكن أن يخطر ببال عاقل أن “إسرائيل” ستجنح يوما لحل الدولتين, كما أنها منذ الآن تعمل على نفي إمكانية حلّ الدولة الثنائية القومية, أو الدولة الديمقراطية الواحدة, أو حتى الدولة لكل مواطنيها. جرّبنا كفلسطينيين نهج المفاوضات طيلة 22 عاما تقريبا منذ توقيع اتفاقيات أوسلو وحتى وقت قريب. “إسرائيل” استغلتها لمزيد من سرقة ومصادرة أراضينا وبناء المزيد من المستوطنات, وتهويد القدس, ووضع الأسس ليكون انهيار المسجد الأقصى تلقائيا, ومن ثم بناء الهيكل الثالث المزعوم. وزيادة القتل والقمع وصولا إلى ارتكاب حرب الإبادة الجماعية بحقنا, والمزيد من اعتقال شعبنا, وسن القوانين التي تمنع الإفراج عن معتقلينا في أية عملية تبادل.
ما نود قوله, إن استمرار المراهنة على حل الدولتين, واتباع نهج المفاوضات كاستراتيجية لتحصيل الحقوق الوطنية, كما المراهنة على متغيرات جديدة في “إسرائيل” تعاكس حقيقة ازدياد نسبة التطرف بين الإسرائيليين سنة بعد أخرى, كما توقف “إسرائيل” عن عدوانيتها وأطماعها في المزيد من السيطرة على الأرض العربية, كلّ ذلك أوهام وأحلام سرابية, لا يتبعها سوى كلّ من هو عاجز عن دفع استحقاقات النضال الفلسطيني, ومتوجبات المشروع الوطني, وما تقتضيه المرحلة من بناء استراتيجية وطنية فلسطينية جديدة, تأخذ بعين الاعتبار كل هذه الحقائق الموضوعية بعين الاعتبار, وتبني برنامجها على عوامل قوة قادرة على انتزاع حقوقنا من بين براثن هذا العدو الاغتصابي, الإحلالي, الذي يحاول تحويل تخاريفه وأضاليله إلى وقائع صحيحة وحقيقية, وينفي حقائقنا التاريخية بعروبة فلسطين، ويحاول نفي وجودنا كشعب له حقوق.
للأسف الشديد, وبدلا من الاستجابة لمهمات المرحلة ومقتضياتها النضالية, ولعل من أهم بنودها, بناء الاستراتيجية الجديدة, وتحقيق إجماع وطني فصائلي عليها, بدلا من ذلك, نحن منقسمون بين رام الله وغزة بما أدّى إلى تراجع المشروع الوطني عشرات السنين إلى الوراء, كما أننا نغرق في مراهنتنا على سراب صيفي, سوف يؤدي إلى المزيد من ضعفنا الذاتي, وإلى تردي تأييدنا من الآخرين, وإلى تدميرنا إن لم نقبض على اللحظة, ونحقق بناء الجبهة الوطنية الفلسطينية العريضة, كاستجابة موضوعية لشرط أساسي من شروط الانتصار, وهو تحقيق الوحدة الوطنية في مرحلة التحرر الوطني التي ما زلنا نعيش مراحلها. صحيح أننا استطعنا بناء الهوية الوطنية الفلسطينية, وأعلينا من شأن قضيتنا وزيادة حجم تأييدها على الصعيد الدولي, وأنجزنا بعض الخطوات السياسية والدبلوماسية المهمة, لكن كل ذلك تحقق عندما كنا أقوياء وموحدين, وقادرين على المقاومة المسلحة التي لا يفهم العدو لغة أخرى غيرها.
نحن في أمسّ الحاجة أيضا إلى مراجعة شاملة بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية كمرحلة أولى على طريق بناء التوجه الاستراتيجي الجديد, على أساس الثوابت الوطنية والحقوق الفلسطينية, وعلى أرضية القواسم النضالية المشتركة, كل ذلك وفاءً لشعبنا الذي لم يبخل ولا يبخل بالتضحيات في سبيل قضيته لما يزيد عن قرن زمني, ووفاء لشهداء شعينا وأمتنا ووفاء لمعتقلينا وأسرانا. إن من يمتلك الإرادة وقادر على تجاوز خصوصياته ومصالحه الذاتية في سبيل القضية الوطنية العامة, قادر على صنع المعجزات. نعم, شعبنا لها, لكنه بحاجة إلى قيادات تدرك متطلبات هذه المرحلة الحرجة من ثورتنا الفلسطينية المعاصرة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.