اسرائيل والعرب بين صنع التاريخ والخروج منه / د. فايز رشيد
صرّح رئيس الوزراء الصهيوني المستقيل، الذي تحيط به التهم من كلّ جانب، عشية زيارته إلى تشاد منذ فترة بسيطة، وهي العضو في منظمة العالم الإٍسلامي، والمجاورة لبلدين عربيين، ليبيا والسودان، اللذين يعيشان أوضاعا سيئة، صرّح قائلا: «نحن نصنع التاريخ، ونحن نعمل على نقل إسرائيل لتصبح قوّة عالمية صاعدة»، موجّها كلامه لمستمعيه مضيفا: «وعدتكم بأخبار سارّة وأعدكم بأنه سوف تجري زيارات أخرى»، مستطردا «إنّ الهدف هو تحسين علاقاتنا مع العالم الإسلامي»، حيث أعلَن نتنياهو ورئيس تلك الدولة إدريس ديبي المتربع على رئاسة تشاد منذ ما يزيد على الثلاثة عقود، أعلنا عن عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما.
لقد وصف نتنياهو زيارته لتشاد بـ»التاريخية» وأنها تشكّل دخولا إسرائيليا إلى واحدة من أهم دول العالم الإسلامي. كما اعتبر الزيارة «نتاجا لعمل مكثّف قمنا به على مدار السنوات الأخيرة». نذكّر بنجاح زيارة نتنياهو إلى سبع دول إفريقية منذ أشهر، في محاولة لتخطي العزلة الدولية والمقاطعة، اللتين هما بمثابة خنجرين في الخاصرة الإسرائيلية. لقد حرص نتنياهو آنذاك، على أن تكون أوغندا هي البوابة التي يدخل منها إلى القارة السوداء، لحضور مراسيم الاحتفال، الذي جرى تنظيمه بمناسبة مـرور 40 عاما على عملية «عنتيبي» التي قامت بها إحدى المجموعات الفدائية الفلسطينية، وقد كان الغرض منها تحرير قائمة طويلة من الأسرى الفلسطينيين، من مختلف التنظيمات الفلسطينية، المحكوم كل منهم ببضع مؤبدات.
إسرائيل تحاول من خلال زيارة نتنياهو إلى تشاد حشد التأييد لصالحها من الدول الإفريقية في مسألة بناء مستوطناتها في الضفة الغربية، واستمرار الحصار المفروض على غزة، وحشد التأييد للاستيطان، خاصة بعد إدانة المجتمع الدولي له في أكثر من مناسبة، كما مواجهة المقاطعة BDS وكسب تأييد أصوات مساندة لإسرائيل في الأمم المتحدة. وقد أكد ذلك ارييه عوديد، السفير الإسرائيلي السابق لدى كينيا وأوغندا للإذاعة الألمانية بالقول: «يوجد في الامم المتحدة العديد من القرارات التي تستهدف إسرائيل، ونحن نريد تغيير هذا بمساعدة من الأفارقة، وهو ما برز في دعم إثيوبيا العضو غير الدائم في مجلس الأمن، لمنح إسرائيل صفة مراقب في دول «الاتحاد الإفريقي»، فقد كان رئيس الوزراء الإثيوبي ميريام ديسالين قد أكّد في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإسرائيلي، أثناء زيارة نتنياهو لإثيوبيا، قائلا «إسرائيل تعمل بجهد كبير في عدد من البلدان الإفريقية، وليس هناك أي سبب لحرمانها من وضع المراقب». وكانت دولة الكيان عضوا مراقبا في منظمة الوحدة الإفريقية حتى عام 2002 لكنها حلت واستبدل بها الاتحاد الإفريقي.
توجه إسرائيل للعالم الإسلامي يأتي إثر اعتبارها أنها استطاعت تحقيق إنجازات ملموسة في الحلقة العربية
أيضا وفي حفل تنصيب الرئيس البرازيلي الأفنجيلي المتصهين جايير بولسونارو تلميذ ترامب، الذي كان من أول القرارات التي اتخذها، الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، قال نتنياهو يومها في عنجهية وصلف «إن إسرائيل أصبحت القوة العسكرية الثامنة من حيث ترتيبها بين دول العالم». للعلم، كانت البرازيل قبل تسلّم رئيسها الجديد لمنصبه، شبه محظورة على دخول نتنياهو إليها، فهي مؤيدة بالكامل لحقوق شعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية، سواء إبان تسلّم الرئيس لولا دي سيلفا، والرئيسة ديلما روسيف للرئاسة. الولايات المتحدة تدخلت في الانتخابات الرئاسية البرازيلية الأخيرة لتنجح عميلها، كما تهدد الآن بغزو فنزويلا، كما تآمرت وتتآمر على كل الأنظمة التقدمية في أمريكا اللاتينية والكاريبي.
وفي غفلة من النظام الرسمي العربي، استطاعت إسرائيل تحقيق إنجازات في آسيا: الهند، الصين، إندونيسيا، وغيرها كما في شرق أوروبا، وأمريكا اللاتينية وآخرها البرازيل، وها هي تقوم بتأييد رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو في انقلابه على الرئيس الشرعي المنتخب مادورو. توجه إسرائيل للعالم الإسلامي يأتي إثر اعتبارها أنها استطاعت تحقيق إنجازات ملموسة في الحلقة العربية. وقد أصبح معظم النظام الرسمي العربي يركض باتجاه «الحليف» الإسرائيلي. لم تكن لتتم هذه الإنجازات الصهيونية لولا حالة الإفلاس والضعف والهشاشة الرسمية العربية، بل الأدق تعبيرا السقوط السياسي والأخلاقي والقومي والوطني، الذي بات عليه بعض النظام العربي والإسلامي، كما المنظمات الإقليمية المعنية في الجانبين.
قلنا ما قلناه لأنه في مرحلة الزعيم الخالد الرئيس عبدالناصر قبل حرب عام 1967، كانت إفريقيا، آسيا وأمريكا اللاتينية شبه محظورة على الكيان الصهيوني. وبُعيد الحرب ذاتها، دخل الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين على الخط، عندما طاف حينها العديد من الدول الإفريقية للهدف نفسه، كما ذهب مسؤولون عربا إلى دول آسيوية وأمريكية لاتينية لمحاصرة إسرائيل، حتى أن مقاطعة الكيان بلغت أوجها في حرب أكتوبر 1973، حينما قطعت دول كثيرة في القارات الثلاث، وخاصة إفريقيا علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل. بعد اتفاقيات كمب ديفيد المشؤومة بشكل خاص، من ناحية، انفلت النظام الرسمي العربي نحو علاقاته الإسرائيلية، وفشل في الحفاظ على العلاقات مع دول العالم النامي. من ناحية ثانية استغلّ الكيان الاتفاقية مع مصر، لإعادة تسويق نفسه في القارات الثلاث، كما تعزيزه لتقديم كافة أنواع الدعم الاقتصادي، المخابراتي المشاريعي، العسكري وإرسال الخبراء في مختلف المجالات للعديد من الدول، سواء في ما يتعلق بتجارة المواد الخام أو الصناعات العسكرية. كل ذلك، أعاد إسرائيل إلى الواجهة.
استمر الوضع العربي في أفوله، وصولا إلى المرحلة الحالية، وليس من الصعب التقدير، أن عنوانها الأبرز هو: الانهيار. أما في المحاولة المسرحية لما يسمى «المواجهة العربية للتمدد الإسرائيلي في إفريقيا» وفقا لما ذكرته صحيفة «عكاظ» السعودية، فقد عقدت اللجنة العربية الخاصة بذلك، اجتماعها الرابع على مستوى المندوبين الدائمين في الجامعة العربية، برئاسة السعودية، رائدة التطبيع مع الكيان الصهيوني في الوطن العربي. وقال ناطق باسمها: عقدت اللجنة اجتماعا جديدا لمناقشة تفعيل عملها، واجتماعاتها دورية، لمتابعة مواجهة التمدد الإسرائيلي في القارة الإفريقية، على ضوء مستجدات وتطورات العلاقات الإسرائيلية الإفريقية بما في ذلك استئناف العلاقات الإسرائيلية – التشادية مؤخراً. نسأل هؤلاء: على من تضحكون؟ وهل تعتبرون أن المواطن العربي ساذج إلى الحدّ الذي يصدقّ فيه أقوالكم؟ نعم، جرى تشكيل اللجنة بموجب القرار رقم 8172 الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية بتاريخ 12/9/2017، ومنذ تلك اللحظة لم نشهد زيارة واحدة لمندوب منها لأيّ من الدول الإفريقية! ثم أين هي خطتكم العملية لمواجهة النفوذ الصهيوني في القارة السوداء؟ الذي يريد مواجهة التغلغل الإسرائيلي في القارة الجارة للوطن العربي، لا يرسل وفوده إلى إسرائيل، ولا يستقبل وفودها في بلده. فهل أنتم فعلا ستحاربون هذا التغلغل؟
على صعيد آخر، تزامنت زيارة نتنياهو إلى تشاد، مع انعقاد قمة بيروت الاقتصادية في نسختها الرابعة، التي غاب عنها معظم الرؤساء العرب، والتي دللت على حجم الانهيار والتفكك العربيين، وبخاصة على المستوى الرسمي، الذي يعكس ضمن أمور أخرى مدى الشقاق الآخذ في الاتّساع بين معظم الأنظمة العربية، التي لا ينفي بعضها امتعاضه من الانتساب إلى العروبة، وبات يفضّل الارتماء في الحضن الأمريكي ومخططاته. أيضا، فإن العديد من الأنظمة العربية، ستلتحق بمؤتمر وارسو الذي دعا إليه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بتنظيم مشترك مع بولندا، مؤتمر سيُعقد في 13 و14 فبراير المقبل، والذي سيتمحور جدول أعماله، حول الاستقرار في الشرق الأوسط، ومسائل السلام والحرية والأمن في هذه المنطقة، وأيضا مسألة التأكد من أن إيران ليس لها أي تأثير مزعزع للاستقرار، الإعلان هو ديماغوجي بامتياز! فهمّ الوزير الأمريكي أولا وأخيرا أمن واستقرار ربيبته دولة الكيان الإسرائيلي، وتغلغلها في العالم العربي، وتحويل الصراع في المنطقة من جوهره الأساسي كصراع عربي ـ إسرائيلي إلى صراع مفتعل آخر! فهل من يريد مواجهة النفوذ الإسرائيلي في إفريقيا والعالم يلتحق بهذا المؤتمر بمجرد التأشير له، مع العلم، أنه وكما أعلن، سيكون نتنياهو نجم المؤتمر. مجمل القول إن رئيس الوزراء الصهيوني ودولته يحاولان صناعة التاريخ، أما النظام الرسمي العربي فلا يتقن سوى الخروج منه.
التعليقات مغلقة.