خمس سنوات من الحرب على سورية: قراءة في التداعيات / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي ( سورية ) السبت 25/7/2015 م …
ليس ثمة خلاف حاصل على أن الأزمة السورية معقدة، وشديدة التعقيد كونها ذات خصوصية مميزة عن غيرها، والدليل أن الحرب ما زالت مستمرة وسبب إستمرارها ليس لإقتتال دائر بين السوريين أنفسهم، إنما لوجود من يدير هذه الحرب على الشعب السوري من خارج سورية، عن طريق ضخ المقاتلين والأسلحة إلى الداخل السوري، والمستفيدون من إطالة الحرب لا يهمهم دماء السوريين وتدمير المستشفيات والجامعات، ما يهمهم هو حصصهم ومصالحهم، واليوم وبعد مرور خمس سنوات على هذه الأزمة وتحولها إلى بركان خطير باتت نيرانه وتداعياته قادرة على إستهداف الجميع، أثبتت سورية أنها الوحيدة والقادرة على هزيمة الإرهاب وأنها صمام الأمان والمنقذ الوحيد لتحقيق الأمن في المنطقة بأكملها.
لقد إستغلت أمريكا وحلفاؤها الأزمة السورية، ولجئوا إلى التدخل السافر المتعدد الأشكال في الشأن السوري، وكان لهذا التدخل الأثر البالغ في صبغ هذه الأزمة بالتصعيد والعنف وإراقة الدماء، إذ وجد التحالف الدولي المعادي لسورية الذي تقوده أمريكا، في هذه الأحداث فرصة حقيقية لتحقيق المخطط القديم – الجديد لاستمرار هيمنتها على ثروات المنطقة، واستنفر هذا التحالف بكل وسائله الإعلامية والمالية والعسكرية، وتحالف مع أشد وأخطر المجموعات المتطرفة لتحقيق أهدافه ومصالحه، وسخّر كل إمكاناته لإرسال المتسللين “الجهاديين” المدججين بالسلاح عبر الحدود لتدمير سورية وقتل شعبها ومنع أي حل سياسي لأزمتها عبر الحوار الوطني الشامل، لذلك نرى جازمين أن أمريكا تتحمل المسؤولية المباشرة ومسؤولية حلفائها في المنطقة الذين زرعوا وسلحوا التنظيمات بأنواعها المختلفة في سورية ذات الحدود المشتركة مع العراق ما يعني أن تلك التنظيمات لم تكن موجهة نحو سورية وحسب بل لها وللعراق وللمنطقة بأكملها.
إن مظاهر الواقع الحقيقي والمشهد العام للسوريين في ظل عدوان قاتل لم يتراجع عن إرتكاب جرائم القتل وسفك الدماء وإستهداف الأبرياء والمنشآت العامة والخاصة، بالرغم من ذلك نجد السوريين في شكل من أشكال القوة والعزيمة التي لا تنثني أو تتراجع ليؤكدوا للعالم على أن مدى صمودهم وتحديهم للصعاب أبعد مما قد يحتمله سواهم من البشر، وهنا ندرك حقاً أننا أمام شعب قوي لا يمكن بأي حال من الأحوال قهره أو هزيمته، وقد أثبتت الأزمة السورية خلال سنواتها الخمس عدة معطيات وحقائق مهمة منها، أنه لا حل عسكرياً للأزمة، ولا بديل عن حل سياسي لتوقف نزيف الدم والمحافظة على وحدة الأرض والشعب السوري، وبنجاح الدولة السورية في الصمود مازالت طرفاً أساسياً ومهماً في أي حل للأزمة، كما أصحبت الحرب على سورية حرب بالوكالة من أطراف إقليمية ودولية على الأرض السورية لا يدفع ثمنها سوى الشعب السوري، وإنطلاقاً من ذلك إستغلت التنظيمات المتطرفة كداعش هذه الفرصة للسيطرة على بعض المناطق السورية لتهدد بعد ذلك أمن واستقرار المنطقة، وسط علامات إستفهام حول نشأة هذا القوى ومصادر تمويلها ومدى جدوى الغارات التي يشنها التحالف الدولي ضدها في سورية والعراق، وبالتالي إنكشاف حقيقة أمريكا, وحربها ضد الإسلام, الذي بات يظهر نتائج معكوسة لحساباتها, بعد تجربتها في العراق, وثبات وصمود دمشق أمام كل الظروف المحيطة بها لهذا فإن الغرب الذي أدار الصراع في سورية خسر رهانه على أن يكون هو الراعي وبيده ورقة داعش لكن في الحقيقة سقط هذا الرهان لأن أبناء الشعب السوري على مختلف مكوناتهم وأطيافهم وقفوا صفاً واحداً ضد داعش.
وعلى ضوء تلك الحقائق، أصبح هناك قناعة أمريكية غربية بأن إسقاط الدولة السورية أمر بات مستحيلاً بعد أن لعبت كل الأوراق ضدها، قناعة عبّر عنها أحد الدبلوماسيين الغربيين حيث قال “لا نعلم إلى أين تتجه سورية، ولا نستطيع أن نقدم شيئاً ميدانياً هناك إذ لا مجال لإقامة المناطق الآمنة ولا الممرات الإنسانية ولا الحظر الجوي، نحن على يقين بأن على الأسد أن يذهب لكننا لا نعرف كيف”، وفي سياق أخر أكد بأن “بقاء الرئيس الأسد في موقعه كونه يملك القوة التي تبقيه” ، هذا دليل واضح على العجز والإفلاس الغربي في المواجهة وتأكيد على الشعور بالخيبة من العدوان .
وفي المحصلة نقول أن سورية دخلت الآن مرحلة جديدة يمكن إختصار أهم سماتها، سقوط منطق التغيير بالقوة والإرهاب وشعور الغرب وأعوانه بعجزهم عن تحقيق أهداف هجومهم والبدء بالبحث عن مخرج قبل أن تصل النار إلى بلدانهم وإلتهامهم، بالإضافة إلى قدرة دمشق على الصمود وإحتواء الهجوم والإنتقال إلى الهجوم المعاكس، مع ثبات على الدعوة إلى الحوار واشراك مكونات الشعب السوري بإنتاج الحل السلمي الذي يعيد السلام والاستقرار، بضمانة من محور إقليمي” روسي إيراني مصري” فاعل، يؤمن بالحل السياسى للأزمة، للتوصل إلى تسوية تفصيلية محددة تضمن إنهاء الأزمة وتحقق هدف الحفاظ على وحدة الأرض والشعب والمؤسسات السورية، كما يجب أن تتوجه الجهود الدولية والإقليمية إلى المساعدة في لجم المجموعات المتطرفة في سورية التي باتت تشكل خطراً إقليمياً ودولياً، والأهم أن الجميع سيساهمون في نقل المجتمع من حالة العنف إلى السلام الدائم.
مجملاً… إن ما يحدث على الساحة العربية هو مخطط إمبريالي صهيوني بامتياز، أعد تحت شعارات ما يسمى بالربيع العربي، لتدمير القدرات العربية، وفي الطليعة القدرات السورية لمصلحة إسرائيل، وبالتالي إعادة ترتيب المنطقة من جديد بما يتوافق ومصالح أصحاب هذا المخطط، والدليل هو إستمرار التخريب الإرهابي المتعمد لكل ما أنجزته الأيدي العاملة السورية في العقود الماضية من منشآت حيوية وقطاعات منتجة لتدمير الدولة السورية ونشر الفوضى في المنطقة.
التعليقات مغلقة.