هيكل يتذكّر ويتفكّر ويتجوهر… / د.عصام نعمان
د. عصام نعمان* ( لبنان ) الإثنين 27/7/2015 م …
*وزير سابق
أصاب طلال سلمان بقوله إن محمد حسنين هيكل «له ذاكرة فيل، فهو نادراً ما ينسى قائداً أو قيادات سبق له أن عرفها، عن قرب، في هذا البلد أو ذاك».
الذاكرة هي الحياة. الإنسان يحيا بذاكرته ويموت بموتها. ذاكرةُ هيكل لا تموت، لذا سيحيا طويلاً في ذاكرة قادريه ومعاصريه والأجيال القادمة.
ثمة علّة لبقاء ذاكرته حيّة. إنها ثقافته الواسعة، الثّرة، المواكبة واقعات الحاضر، المستشرفة تطورات المستقبل. ذاكرتُه وثقافته، مجتمعتين، منحتاه وتمنحاه حكمة عميقة وازنة وقدرة مميزة على التقدير الدقيق والسليم في آن.
استوقفتني، وأبهجتني، إشارته اللافتة المترعة بالأمل إلى السيد حسن نصرالله. سرّني وملأني بالثقة قوله إنه «يجد في «السيّد» قامة مقاوم عربي اثبت أن «إسرائيل» تُمكن هزيمتها، وقد هُزمت عندما اندحرت من أرض لبنان المحتلة في العام ألفين، وعندما مُنعت من الانتصار على المقاومة في تموز العام 2006».
هيكل خبير بمعادن الرجال. عايش وتفاعل وتحاور مع كبير قادة الأمة في تاريخها المعاصر: مع جمال عبد الناصر، أحد أبرز عظماء العرب في تاريخهم القديم والحديث، فلا عجب إنْ وجد في «السيّد» عينّة ثرّة نموذجية من ذلك المعدن النادر. غير أنه في تقويمه الدقيق له يحرص على عدم تملّقه أو تملّق أنصاره الكثر في عالم العرب، فتراه يحذّر الجميع بقوله: «نحن أمام مأزق حقيقي. صحيح أن لدى السيد حسن نصر الله إشعاعاً معيّناً في لبنان وخارجه، لكن لا تحمّله أكثر مما يطيق…»
إلى ذلك، لا ينسى صاحب ذاكرة الفيل والمفكر ذو الوجدان الحي مصارحة الجميع، مواطنين ومسؤولين، عرباً وعجماً، بأن «قتال حزب الله في سورية هو للدفاع عن نفسه، وليس في معركة إثبات نفوذ. هو، إذاً، في حالة دفاع عن النفس في سورية لأنه مستهدف. فمن يبتغي ضرب إيران اليوم يحاول أن يقصّ أجنحتها في أيّ مكان لديها فيه نفوذ. وقتال حزب الله هو من أجل بقائه ودفاعاً عن نفسه وعمّا يمثله في لبنان. وهذا ما يؤكد مشروعيته في أن يقاوم، وليس في أنه جزء من مشروع إيراني. قد تستفيد إيران من ذلك، وكذلك مصر، على رغم أننا لا نعترف بذلك: فنحن نستفيد من كل بؤرة مقاومة معطِّلة لتسوية شاملة في لحظة ضعف العالم العربي وتهاويه بهذه الدرجة».
هذا حكم وحكمة المفكر والراصد والمراقب والإعلامي العروبي البارز الذي يرى إلى الأحداث في سياقها العربي العام كما في سياقها المحلي الضيق، فيقدّم لأبناء الأمة بدقة صورة كبيرة وجامعة عمّا هي فيه وعمّا يمكن أن تواجهه من تحديات وفرص في قابل الأيام.
التعليقات مغلقة.