ابن زايد والأخوّة الإنسانية .. ماذا يعني استقبال البابا في أبوظبي؟ / فوزي بن يونس بن حديد
في بادرة هي الأولى من نوعها في الخليج وصل البابا فرانسيس إلى أبوظبي في زيارة تاريخية جمعه بشيخ الأزهر أحمد الطيب، واستقلا سيارة واحدة في مشهد لم نألفه من قبل في عالمنا العربي، بدعوة من الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ونائب حاكم أبو ظبي وهي الزيارة التي تحدث عنها الإعلام أنها جاءت في إطار برنامج كبير أعدّ له وهو الأخوّة الإنسانية، ولا شك أن العنوان كبير، لأنه يتعلق بالإخاء والتسامح بين الأديان أو بين الحضارات حسب الذين لا يؤمنون بتعدّد الأديان، وأيا كانت العناوين فإن المشاهدين لم تغرَّهم الصورة بقدر ما كان يحدّثهم الواقع المرير الذي عليه الدول العربية اليوم من تفكّك وتشتّت، هل فعلا يسعى الشيخ محمد بن زايد إلى لمّ الشمل من خلال هذه الصور التاريخية، أم أنه يريد من خلال ذلك توفير غطاء إنساني لما يقوم به في عدة دول عربية.
اشتهر الشيخ محمد بن زايد بأنه يتدخل في شؤون عدة دول عربية، فقد سبق وأن تدخّل في سوريا سلبا من خلال دعم فصائل المعارضة، وإيجابا من خلال إعادة فتح سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في دمشق، وتدخّل في اليمن من خلال دعم الشرعية الدولية كما يقول، ومن خلال تحالفه مع السعودية ضد مليشيات الحوثي، ومساهمته في الغارات التي ذبحت اليمنيين الأبرياء وتكوينه مليشيا خاصّة تابعة له في عدن حيث المعتقلات والسجون السرية التي تديرها دولة الإمارات العربية المتحدة.
أما معاداتها لجاراتها فواضحة للعيان، وآخرها اتضح أكثر في كأس آسيا، حينما فاز المنتخب القطري بالكأس جنّ جنون الإماراتيين فقذفوا اللاعبين القطريين بالنعال والقوارير حسدا من عند أنفسهم، بل إنهم سبوا وشتموا العمانيين الذين كانوا يؤيّدون القطريين، ولأن هناك عدم تفاهم بين البلدين أقحم بن زايد السياسة في الرياضة فاختلط الحابل بالنابل، إضافة إلى محاولة تزوير التاريخ العماني الضارب في العمق، من خلال تعديل خريطة سلطنة عمان والادعاء بأن المهلب بن أبي صفرة إماراتي، وغيرها من الاستفزازات التي يعلمها الجميع وربما ما خفي كان أعظم مما يدبر له هذا الشيخ الكبير في أبو ظبي.
ولم يكتف بذلك فقد تدخّل في تونس حيث يدعم الفريق المناهض للثورة والحرية لمحاكمة الإسلاميين والإطاحة بهم كما فعل السيسي بهم في مصر، حاول مرارا وتكرارا ولا زال يحاول كما يحاول في ليبيا وفي غيرها من البلدان، وتحكم في موانئ الصومال ونشبت معركة بين الصومال والإمارات، هكذا هي العلاقة بين الإمارات وعدة دول عربية في المنطقة يسودها التوتر وعدم الانسجام، فكيف اليوم يستقبل البابا وشيخ الأزهر على أرضه بدعوى الأخوّة الإنسانية، هل ماتت لديه الأخوّة العربية والإسلامية فبحث عن الأخوّة الإنسانية التي ربما وجدها عند اليهود والنصارى.
ولا شك أن الأخوّة الإنسانية أشمل من الأخوّة العربية والإسلامية، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء رحمة للعالمين وبيانُ ذلك معلومٌ للجميع، لكن المستغرب أن يقفز الشيخ محمد بن زايد على المفهومين العربي والإسلامي لينتقل إلى المفهوم العالمي، واستحى أن يستدعي الحاخامات المتصهينين خوفا من الانتقاد من بني جلدته من المسلمين، لكن ربما ما فعله توطئة لمهمة أخرى أكبر سيقوم بها، وبدعوى الحوار بين الحضارات سيجمع الثلاثة في وقت آخر للتدليل على أن اليهودية ديانة من حقها أن تجتمع مع الإسلام والمسيحية في بلد إسلامي.
لكن الذي قاله البابا فرانسيس في خطبته ،وما يصرح شيخ الأزهر في كلمته، يوحي لنا أن الأمر مختلف عن ما أعلن عنه . فقد يرمي ابن زايد إلى شيء خفي مهم وخطير وهو هل بات التطبيع مع اليهود أيضا مألوفا وعلى المسلمين أن يستكينوا له، وهل هناك أزمةُ مفهومٍ عند العرب والمسلمين لمعنى الأخوّة الإنسانية، وهل يستطيع الشيخ محمد بن زايد أن يرسي مفهوما جديدا عن الأخوّة الإنسانية، ما معنى الأخوّة الإنسانيّة يا سادة؟ وهل هناك أخوّة إنسانيّة بعد هذا؟ وهل سينتقد البابا سياسة بن زايد في اليمن وفي السجون السريّة التي أقامتها وتزوير التاريخ وغيرها من المؤاخذات التي يعلمها العالم.
التعليقات مغلقة.