فضيحة الدخان وإدعاءات مكافحة الفساد / د. أنيس الخصاونة
لعل تداعيات لائحة الإتهام التفصيلية للمتهمين بقضية الدخان لم ولن تقتصر على الحرج الكبير الذي يواجهه الرزاز وحكومته، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بقضية فساد مزمنة مضى عليها أكثر من ثلاثة عشر عاما أثرى الكثيرون من الغشاشين والمتهربون من دفع الضرائب ومن الموظفين العامين.
عوني مطيع وباقي المتهمين الثلاثة والخمسون ربما لم يعملوا لوحدهم وربما هناك أخرون متسترون لا تطالهم يد العدالة، أو هم يشعرون أنهم فوق القانون.
العدالة لا تجزأ ، ومن تلوثت أيديهم بسرقة أموال الأردنيين فعليهم من الله ما يستحقون ويجب أن توقع بحقهم أقصى العقوبات. ثقة الأردنيين بالمسؤولين والقيادات الرسمية تعتمد على مدى قناعاتهم بأن القانون يطبق على الجميع ،وأنه ليس هناك انتقائية أو حماية لبعض الفاسدين من أن تطالهم يد العدالة.
الملفت في قضية الدخان جانبين اثنين: يتمثل الأول منهما بغياب الدور الفاعل لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد في الكشف المبكر عن قضية فساد بهذا الحجم وبتلك الضخامة والجسامة استمرت لأكثر من عقد من السنين.
ومع أن الفضيحة ظهرت متأخرة فإن مساهمات هيئة مكافحة الفساد في الكشف عنها هامشية ومتواضعة في الوقت الذي لعبت فيه الأجهزة الأمنية والإستخبارية الدور الأهم إن لم يكن الأوحد في “فضح الطابق” وكشف المستور.
أما الجانب الثاني والأهم لهذه القضية فيكمن في كونها تشكل تحد كبير للإدعاءات المتكررة والمستمرة لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد والتي تؤكد على أنه لم يبقى في الأردن فساد كبير (Grand corruption) وأن الفساد الموجود عبارة عن فساد صغير أو متوسط.
ولا أعلم كيف خرجت هيئة مكافحة الفساد بهذا الاستنتاج ولا أعلم على ماذا استندت في ذلك ! وما هو تعريف الهيئة للفساد الكبير الصغير! وهل تعيين أشقاء أربع نواب في مواقع قيادية مهمة يعتبر فساد كبير أو صغير؟ وهل تعيين شخص ليس له خبرة في العمل العام رئيسا لديوان الخدمة المدنية يعتبر فسادا أم استقطابا للكفاءات أم خدمة للأصدقاء! لا أعلم كيف يردد بعض المسؤولين في هيئة النزاهة ومكافحة الفساد بأنه لم يعد هناك فساد كبير في الأردن وأتساءل هنا وهل هناك أكبر فسادا وأجسم ضررا من قضية الدخان !
لقد قيل بأن لا دخان بدون نار والتجربة الأردنية تشير إلى أن لا دخان بدون فساد وحيتان مفسدين فما كان للمتهمين الثلاثة والخمسون والمتعاونيين معهم أن يسربوا مئات الأطنان من السجائر الملوثة بسموم السماد والجفت لتستقر في أجساد الأردنيين لولا وجود حلقات ومرجعيات كبيرة وكثيرة ربما لم تكشف التحقيقات عنها بعد.
فضيحة الدخان من أكبر فضائح الفساد في الأردن وأعتقد أن ذلك لو حدث في أي دولة ديمقراطية لأطاح بالحكومة ورئيسها.
الأردنيون من عقربا إلى العقبة ومن الغور إلى الإجفور يشعرون بالسخط على استشراء قضية فساد بهذا الحجم لمدة ثلاثة عشر عاما ،ويشعرون بأن هذه الحكومة أضعف من أن تقاوم الفساد في الوقت الذي تمارسه جهارا نهارا. هذه الحكومة أزف رحيلها فالأردن بحاجة لأفعال لا مجرد أقوال .فهل يتم إقالة الحكومة ويحال كل من يرد اسمه في القضية لينال جزاءه؟!
إنها خطوة وفرصة ستمكن من تعزيز صفوف الأردنيين معارضة وموالاة، وستقوي من ثقة المواطنين بمؤسساتهم ونظامهم.
التعليقات مغلقة.