قضية فلسطين .. بين العمارة والإمارة / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الأربعاء 29/7/2015 م
من يتابع الوضع على الساحة العربية بشكل عام يشعر بكبر حجم المؤامرة التي تتعرض لها أمتنا العربية لا لشيء إلا لأننا وجدنا في منطقة تتوسط العالم ، منطقة يحظى البعض من دولها بثروات تحرك الغيرة لدى الكثيرين ، منطقة كانت وما زالت مستهدفة عبر التاريخ فكم تعرضت من غزوات من مستعمرين ، منطقة تمكنت قوى الشر والاستعمار العالمي من زرع جسم سرطاني في قلبها أسموه الكيان الصهيوني ” إسرائيل ” لجملة أهداف أهمها تفتيت هذه المنطقة لدويلات ضعيفة لا تقوى على شيء كما كان حال دول الطوائف قبل هزيمة الأندلس وبما يتيح لقوى الاستعمار السيطرة الكاملة على مقدراتها وثرواتها فكان أن قاموا بإبعاد الصهاينة من أوروبا كأحد أهداف القوميين الاوروبيين وكانت إسرائيل …
وها هو الصراع العربي الاسرائيلي والنضال الفلسطيني قد قارب على المائة عام منذ وعد بلفور حتى الآن حيث مرت النضال ببعض فترات المد والعنفوان وذلك عندما كان ذو عمق عربي واضح وعندما كانت قضية فلسطين هي قضية العرب المركزية ولكن الحال أخذ بالتغيير بشكل كبير منذ عام 1974 وذلك عندما أصر القائمون على منظمة ” التحرير” الفلسطينية على انتزاع صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، فكان لهم ما أردوا حين اعترف العرب بالمنظة ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني حيث وجدوا في ذلك طريقاً لإزالة ثقل القضية الفلسطينية عن ظهورهم في حين وجد القائمون على المنظمة في ذلك طريقاً للسلطة والنجومية والسطوة ، وهنا ومنذ ذلك العام بدأت حركة النضال الفلسطيني تأخذ طريقاً آخر غير ما كان الهدف منه وبدأت المنظمة رويداً رويداً بالتهرب من المسؤولية الوطنية تجاه تحرير كامل التراب الفلسطيني إلى أن وصلت إلى شطب الميثاق الوطني الفلسطيني وإلى أن اعترفت بحق الغاصبين بالوجود على 78 % من أرض فلسطين التاريخية التي كانت هدفاً للتحرير واساساً لتأسيس المنظمة ..
واستمر الوضع بالتراجع إلى ان أنفردت المنظمة والقائمون عليها بتوقيع اتفاقية أوسلو بعيداً عن العمق العربي الذي كان في حال أكثر عجزاً من حال المنظمة وذلك بعد عاصفة كامب ديفيد التي هزت وزلزلت عمق العصب والضمير العربي .. فكانت أوسلو التي مثلت ذروة التراجعات على مستوى لقضية الفلسطينية وكان للصهاينة ما أرادوا فأخذت اسرائيل ما تريد وبنى الفلسطينيون … العمارة … لتكون عاصمة القرار الفلسطيني .
ولعبت اوسلو وقيودها لعبتها فتم الانقضاض على بوادر الحركة الشعبية من خلال الإغراء بالمناصب أو المال من ناحية أو من خلال الترهيب بالعنف والاعتقال من ناحية اخرى كوسيلة لإسكات الشعب الفلسطيني الموجود تحت الاحتلال في ظل ما نصت عليه أوسلو من قيود التنسيق الأمني ومحاربة الارهاب .
وفي ظل حالة الاحباط التي كان يعني منها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال ورفضه لسياسة القائمين على المنظمة المسماة منظمة التحرير الفلسطينية ، والتي تحولت كحاكم تحت اسم سلطة الحكم الذاتي ثم إلى السلطة الوطنية الفلسطينية ، وفي ظل حال كذلك تم تنظيم الانتخابات التشريعية في الارض المحتلة وكان أن فازت قوى الاسلام السياسي بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني فكانت الحكومة بقيادة قوى ذلك التيار .. وبدأ الصراع الداخلي بين الفلسطينيين يأخذ مساراً خطيراً فتم حل الحكومة وتصاعد الأمر أكثر إلى الانقسام الحاد بين قطاع غزة الذي يحكمه تيار الاسلام السياسي وبين الضفة الغربية التي تتحكم بها سلطة اوسلو وما تبقى من قوى تسمي نفسها منظمة التحرير الفلسطينية وتركز اعتراف العالم على تلك السلطة التي تأخذ من العمارة في رام الله مركزاً لها…
وبدأت مرحلة جديدة في الصراع الفلسطيني الفلسطيني من ناحية والفلسطيني الصهيوني من ناحية أخرى ، ومورست عمليات الاعتقال في كل من الضفة وغزة وكل طرف في العمارة أوفي غزة يعتقل معارضيه من الجانب الآخر علاوة على ما نسمعه من عبارت اتهامية بالغة … كما قامت ” اسرائيل ” بحربها على غزة مرة تلو الأخرى وصمد الشعب الفلسطيني في غزة صموداً أذهل الصديق قبل العدو ، وحوصر القطاع وسدت المخارج والمداخل والدمار والظلام يلف القطاع في كل زواياه ومما زاد الطين بله استمرار إغلاق معبر رفح وكأن الهدف هو خنق هذا القطاع وهذه القطعة من الأرض الفلسطينية .
وعلى الرغم من انحسار شعبية القضية الفلسطينية عربياً وتراجعها على سلم أولويات العرب والضعف الذي انتاب تسميتها بالقضية المركزية للعرب ، ومع تغيير بوصلة الجهاد من القدس إلى محاربة الذات العربية بأيدي العرب ، وبسبب حجم المؤامرة الهائل الذي تعاني منه مناطق العالم العربي ، ومع ما صاحب ذلك من فئوية وطائفية وجهوية وقطرية وحروب طاحنة هزت كيان العديد من دولنا فكان احتلال وتدمير العراق وكان حرق الصومال وكان تفتيت ليبيا وتقسيم السودان وذبح السوريين وتدمير سوريا وتبعها في ذلك تدمير اليمن وحالة عدم الاستقرار والترقب ومحاربة الارهاب في مصر الأمر الذي يعني بالضرورة أخراج غالبية القوى العربية الفاعلة من المواجهة مع الصهاينة .
وبدلاً من تضميد الجراح ومحاولة الوصول الى مصالحة حقيقية تنهي الانقسام بين غزة والضفة ، أو بالاصح بين الحاكمين بالعمارة والساعين لإنشاء الإمارة ، لاحظنا كما تابع كل المهتمين بالقضايا العربية والقضية الفلسطينية مدى تعمق الاتهامات والردح الرخيص بين الفلسطينيين أنفسهم بلا من رادع من ضمير ، فالكل يسعى لخدمة نفسه ، أما القضية فلا أحد يعمل لها سوى إتخاذها لحافاً تغطي عيوبهم فعادت حليمة لعادتها القديمة وعاد الشتم والردح والتشكيك.
ومع تراجع نظرية حل الدولتين بشكل كبير ومع تراجع الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية مع ما يقابل ذلك من مشاكل هائلة تعاني منها منطقتنا تلك المشاكل التي خلقتها قوى الاستعمار ومع تصاعد فكرة ضم الضفة الغربية بالكامل للإحتلال بدلاً من تقسيمها إلى مناطق أ و ب و ج كما هو الحال في اوسلو ، ونية الصهاينة لتوظيف فلسطينيين ليمثلوا الاحتلال في تسيير شؤون السكان في الضفة الغربية دون أي سيادة على الأرض ، ولولا المشكلة الديمغرافية التي سيعاني منه الاحتلال في حال ضم الأراضي المحتلة بشكل كامل لأعلن الضم اليوم قبل الغد .
في ظل كل ما تقدم تخرج علينا الأخبار ومنذ فترة ليست بالقصيرة ، عن مفاوضات تجري بشكل سري بين حماس والصهاينة ، وهاهي تكشف لنا عن إتفاق وشيك للتهدئة بين الصهاينة وحماس بوساطة تركية قطرية حيث تشير الأنباء عن ان تلك الوساطة قد نجحت في تلبية بعضا من مطالب حماس إذ تشير بنود الاتفاق إلى :-
• هدنة لمدة 10 سنوات متواصلة تمنع خلالها كافة الاعمال العسكرية بين الجانبين على أن تقوم حماس بضبط كافة التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة بما فيها حركة الجهاد الاسلامي.
• فتح المعبرين الحدوديين وهما معبر كرم أبو سالم جنوبا وبيت حانون شمالا.
• رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة.
• في المقابل سيتم الاتفاق على انشاء الميناء البحري دون الاتفاق على انشاء مطار.
• إلغاء دور الرئاسة الفلسطينية في رام الله على قطاع غزة وتحويل الأموال التي تجنى من قطاع غزة إلى حركة حماس وليس إلى رام الله كما هو الوضع حاليا.
• عدم معارضة إسرائيل من قيام حماس بجباية الضرائب من المؤسسات التجارية في القطاع مثل بنك فلسطين وشركة جوال للاتصالات .
ومن هنا وفي حال صحة الأنباء عن الاتفاق المنتظر فإن القضية الفلسطينية ستتلقى ضربة قاصمة وذلك عبر الإعلان غير الرسمي عن ولادة الإمارة الاسلامية في غزة فالاتفاق سيتيح لحماس ميناء ومصادر للتمويل والاستغناء بالكامل عن الرئاسة الفلسطينية في رام الله … وستكون الإمارة بغنى عن العمارة … أما فلسطين فستبقى في ضمير الشرفاء والشرفاء فقط من الفلسطينيين والعرب ومن يساندهم ….
التعليقات مغلقة.