حقائق متقاطعة.. كلمة السر في سورية .. / سمير الفزاع

 

سمير الفزاع ( الأربعاء ) 29/7/2015 م …

* الإرهاب كأداة

 * “المعارضة” المراهقة

 * الغزو التمهيدي للارهاب، الدردرية نموذجا

أحجية الكلمات والحروف المتقاطعة رياضة ذهنية تعتمد على سعة الحافظة الثقافية واللغوية للانسان، حيث يقوم بالوصل بين الحروف الصحيحة وفق خطوط أفقية وأخرى عرضية حتى يحصل في النهاية على مجموعة صغيرة من الحروف، نقوم بتجميعها معاً وفق المنطق اللغوي للحصول على كلمة السر. هذه الرياضة يمكن إسقاطها على مجالات واسعة في الحياة الإنسانية إذا ما توافرت المهارات والمعلومات اللازمة، حيث يتم التنقل بين وقائع وحوادث تبدو متباعدة وغير مترابطة، لكن مع التقدم في وصل الخطوط وربط الأحداث يبدأ المشهد المتواري بالتشكل والبزوغ… وصولاً لتملس الحروف الضائعة وتجميعها في بناء لغوي يمنحنا ختاماً التعرف إلى كلمة السر التي تكثف وتفسر في آن جلّ الصورة. من هنا سألتمس منكم التأني بالقراءة حتى إنهاء المقال، وعدم التسرع بطلب النتائج إلى حين بلوغ كلمة السر، والتي ستضيء الكثير من جوانب الصورة المعتمة حتماً. وأما خطوط الوصل فهي: كيف نفهم الارهاب كأداة؟ أين “المعارضة السورية” من هذا الارهاب؟ كيف يكون الغزو التمهيدي للارهاب، الدردرية نموذجاً؟.

* الإرهاب كأداة:

كيف يمكن للشيشاني والفرنسي والتونسي والسعودي والالماني… ان يتجمعوا في جبهة واحدة ويخوضوا قتال ضد حلف يفترض ان يبين مكوناته مستويات عالية من الانسجام؟ يمكن فهم الامر من خلال إستنتاجات كالتالية:

1- ان هناك شبكة عالمية كبرى ترعى هذة الجماعات، وهي لست وليدة اللحظة؛ بل تمتاز بالقدم والرسوخ والديمومة.

2- اقليماً ودولياً، بات واضحا بان واشنطن لم تعد قادرة -وليست لم تعد راغبة والفرق هائل بين الحالتين- على شنّ الحروب، والانفاق عليها، وتحمل اعبائها البشرية والسياسية… لذلك، وحفاظا على موقعها ومكانتها، فإنها تسعى لإثارة الحروب المحلية والأهلية… بإستخدام هذه الأدوات المحلية الطابع، الأممية الجوهر، لتعويض فاقد القدرة الذي تسرب منها بلا عودة، ولتدخل من باب التسويات السياسية لهذه الحروب والاضطرابات… الى إعادة الإمساك بقيادة العالم وريادته، والتلاعب بمصالحه وتحقيق مصالحها… من جهة، وحتى تستزف قدرات خصومها واعدائها، وتجبرهم على مجالستها إلى مائدة المساومات والتفاوض من جهة ثانية.

3- مازال النفط والكيان الصهيوني و”الاستقرار النسبي” لحلفاء لواشنطن، قوائم المثلث الذي تسعى واشنطن لحمايته باقصى طاقتها، وكل “عطب” يمكن ملاحظته في أحد هذه الأضلاع يعد مؤشراً ذا مصداقية على “عطب” في إستراتيجيات واشنطن العاملة؛ بل وفي مكانة أمريكا في العالم. مثلا حرب اليمن، لماذا كانت الحرب في هذه الضفة من جزيرة العرب وليس في الجانب الاخر منها؟.

4- عموماً، الغرب عنصري منافق احادي النظرة ودكتاتوري حدّ الهوس، خصوصاً بعد ان تغولت راسماليته، واصبحت دولته رهينة بيد المصارف والعائلات التي تحكمها من وراء حجاب. اليونان مثلاً، لأثينا 330 مليار دولار “ديون” مستحقة على المانيا بسبب الجرائم النازية في الحرب العالمية الثانية، دفعت المانيا ديونها لكل الدول كامريكا وفرنسا… وحتى الكيان الصهيوني ما زال يقبض التعويضات منها تحت هذه الذريعة حتى الآن، ولكن لم تدفع لليونان أي من هذه التعويضات. يعود هذا الانكار الألماني-الأنجلوسكسوني لعدة أسباب منها: علاقة اليونان التاريخية مع الإتحاد السوفيتي، والطابع الأرثوذكسي للمسيحية اليونانية، وتاريخها وهويتها المتوسطية… .

* “المعارضة” المراهقة:

1- بات واضحا للكل وفي مقدمتهم “المعارضة السورية”، ان لا حياة ولا مكان يمكن لها ان تتواجد فيه الا حيث تسيطر “قوات النظام”، وان مجرد التفكير في الذهاب الى مناطق سيطرة “المعارضة المسلحة” التي طالما صفق لها حسن عبد العظيم والجربا وكيلو… يعني ان عليهم التوبة عن كل ماضيهم، واطلاق لحاهم، وارتداء الزي الافغاني، والترحم على ايام “النظام” المستبد.

2- كل “المعارضة المسلحة” باتت موسومة بالارهاب، سواء تلك التي تقع تحت سيطرة داعش او النصرة او تلك التي لها علاقة بالائتلاف الوطني الذي اصبح كياناً ارهابياً حسب التصنيف الأمريكي.

3- حتى اولئك الذين حلموا بسورية افضل واكثر حرية… اكتشفوا الكثير من الحواجز والمحرمات التي تقف في طريقهم، حيث الافضل والاكثر حرية لا يمكن ان ياتي عندما نرفع عبارة االشعب يريد، ولن يتحقق بمجرد النزول الى الشارع… وان هناك معادلات محلية واقليمية ودولية تجعل من هذا التحول والانتقال امراً ابعد بكثير مما تتخيلوا، واعمق واعقد بكثير مما ظنوا.

4- اذا حاولنا المقارنة بين طرفي المعادلة السورية “النظام” وحلفائه و”المعارضة” وحلفائها، يمكن استنباط الكثير من الحقائق منها:

1- ان “النظام” بقي كما كان، وطنيا مدافعا عن كامل تراب الوطن السوري، ولم يرضخ او يقبل باي عرض لتفتيت سورية الى كانتونات طائفية ومذهبية… .

2- تمتع “النظام” بحاضنة شعبية واسعة وثرية في تنوعها الاثني والعرقي والمناطقي… على النقيض تماما من “المعارضة”.

3- شبكة التحالفات التي نسجها النظام في العقود الماضية شكلت الى جانب الجيش العربي السوري والشعب العربي السوري، مظلة حقيقية وفعالة قدمت الكثير الكثير من مقومات صمود هذا الوطن، من الدماء الزكية الى الاموال والاسلحة والمشورة وصولا الى الدعم السياسي… بينما يعرف الجميع من هم حلفاء “المعارضة” وطبيعتهم واهدافهم من هذا التحالف، من الكيان الصهيوني الى محميات البترودولار والدوائر الاستخبارتية والمالية والاستعمارية الغربية.

* الغزو التمهيدي للارهاب، الدردرية نموذجاً:

نشط القتلة الإقتصاديون في الكثير من الدول، وذكر”جون بيركنز” الكثير من الأمثلة في كتابه “اعترافات قاتل اقتصادي” الصادر في العام 2004، ولكن بقي هذا الامر ممكناً في الدول التي لها علاقة بواشنطن بحيث يصل القاتل الاقتصادي الى الموقع الذي يسمح له بأن يكون صاحب كلمة فصل في صوغ القرار وتنفيذه. عن الإتحاد السوفيتي وبعد زيارة لأفغانستان، قال بريجنسكي:”من هنا سأصل إلى قلب موسكو” معتمداً على “الاسلام الراديكالي” وأعداء الشيوعية. لكنه كان محتاجاً في نهاية الأمر من أجل تحقيق “رؤيته” إلى قاتل إقتصادي من مرتبة “مستشار إقتصادي” للرئيس السوفيتي “ميخائيل غورباتشوف” إسمه “جيفري سَكس”، والذي نصح غورباتشوف “بخصخصة كل شيء دفعة واحدة وفوراً”، فتفكك كلّ شيء وأنهار الإتحاد السوفيتي دفعة واحدة وفوراً!.

لا وجود “لعلاقات” بين دمشق وواشنطن تسمح بإرسال المستشارين -القتلة الاقتصاديين-؛ بل هناك حالة من العداء المستحكم بين العاصمتين، فما هو الحل؟ تصنيع قاتل إقتصادي محلي يفتح الطريق لإتمام رؤية بريجنسكي، أي عكس المعادلة السوفيتية؛ حيث يأتي القاتل الإقتصادي لتهيئة طريق الادوات الارهابية الامريكية إلى قلب دمشق بدلاً من إركاع سورية بالادوات الارهابية –بعد فشل تجربة ثمانينيات القرن الماضي- ليصل القاتل الى موقع القرار.

شغل د.عبد الله الدردري منصب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية (2005-2011)، ومركز وزير التخطيط ورئيس هيئة تخطيط الدولة (2003-2005)… تخرج من الجامعات البريطانية والامريكية العاملة في بريطانيا، وأمتلك عدة “مميزات” جعلت منه قاتل إقتصادي مميز وناجح في أداء مهمته منها:

1- ينحدر من أسرة دمشقية عريقة وثرية، أي أنه يمثل البرجوازية السورية التاريخية بشكل أو بآخر.

2- له سجل أكاديمي حافل من أهم الجامعات العالمية، وخبرة في عمل المؤسسات الدولية… .

3- محافظ على الطريقة الاردوغانية إجتماعيّاً، وليبرالي حدّ “المغامرة” إقتصاديّاً.

4- يثق السوريون بأبناء المؤسسة العسكرية، وخصوصاً قادة حرب تشرين، ووالده اللواء عبد الرزاق الدردري مسؤل غرفة العمليات إبان حرب تشرين 1973.

5- بزغ نجمه في مرحلة إنتقالية خطيرة عانت فيها سورية من صراع بين “الحرس القديم” والراغبون بالتحديث والتطوير وصلت حدّ محاولة قلب نظام الحكم… ما سهل تسلله في أجواء سادت فيها الضبابية والصدام وإهتزاز الثقة بالمؤسسات.

نفذ الدردري وفريقه – أمثال نبراس الفاضل وهو نجل الدكتور “محمد الفاضل”، رئيس جامعة دمشق عام 1976، والذي اغتيل عام 1977 على يد تنظيم “الطليعة المقاتلة” الارهابي- مشروعاً تدميريّاً في سورية تحت عنوان الانفتاح والاصلاح… حيث تردت قطاعات الزراعة والصناعة… وأرتفعت الأسعار بشكل جنوني، وتراجعت قيمة الليرة بنحو كبير، وبيع القطاع العام، وأفقر الريف، وأرتفعت معدلات البطالة، وهمّشت النقابات وحزب البعث بعد إصطدامه معهما… فمثلاً، مدينة كاملة مثل حلب التي كانت تصدر لتركيا أصبحت سوقاً للمنتجات التركية… وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2008 بلغت الصادرات السورية 13 مليار ليرة، بينما بلغت قيمة المستوردات لذات الفترة 115 مليار ليرة، أي أن الإستيراد يساوي تسعة أضعاف التصدير تقريباً… إلى جانب السياسات الاقتصادية-الاجتماعية الكارثية التي خلقت حالة من الحنق الشعبي، وبنت جيش من العاطلين عن العمل، ونقلت الفساد من الحالة الفردية إلى الصيغة المؤسسية… كان الدردري وراء أدخال ظاهرة “جمعيات المجتمع المدني” التفتيتية إلى سورية… وحتى ينجز مهمته كان من الضروري السماح لغير السوريين من شراء الأرض أينما كان، وخلال العام 2007 وحده، سجلت الأجهزة الأمنية المعنية حصول أكثر من خمسمئة عملية شراء واستثمار “مشبوهة” على أيدي مواطنين عرب تبين أن لقسم كبير منهم علاقات برجال أعمال صهاينه!. وحصلت عملية الشراء الأكثر خطورة في الأراضي التابعة لمحافظة القنيطرة. ونفذت عمليات شراء في مناطق كثيرة على امتداد الحدود السورية الأردنية في منطقة حوض نهر اليرموك وسد الوحدة وصولا إلى شرقي محافظ السويداء، وكذلك في منطقة ريف دمشق وريف حمص وفي الحسكة، وجبل الزاوية بإدلب و كسب في اللاذقية، وفي القصير وجوسيه والعريضه… وأما جنسية من إشترى في هذه المناطق فقد كانت خليجية عموماً، وقطرية وسعودية بشكل خاص!. أهي الصدفة من جعل هذه المناطق مركز ظهور ونشاط الجماعات الارهابية المسلحة؟.

* كلمة السرّ:

في ايلول 2012 عرض الامريكي على موسكو وطهران في صلب مفاوضات 5+1 النووية إتفاق السلّة الواحدة، فليرحل الأسد ولتأتوا بأي رئيس تريدوه. هنا كلمة السرّ: إسقاط الرجل صاحب المشروع أو المشروع المتجسد في بشار حافظ الأسد. كانوا على ثقة بأن البنية الإقتصادية-الإجتماعية للإنقلاب جاهزة، والمعارضة المتوارية خلف الأدوات الإرهابية حاضرة، والمظلة المحلية والاقليمية والدولية مهيأة… وأما البديل فحرب بلا نهاية تخوضها النصرة وداعش ضد الرجل ومشروعه داخل وطنهما، لإكمال مهمّة القاتل الإقتصادي وفريقه، والمعارضتان المأجورة والمراهقة.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.