قمة سوتشي الثلاثية ومصير ادلب / د. خيام الزعبي
د. خيام الزعبي ( سورية ) الخميس 14/2/2019 م …
بين متفائل ومتشائم من إمكانية تحقيق نتائج ملموسة على صعيد حل الأزمة السورية، انطلقت القمة الروسية التركية الإيرانية ، وهي القمة الرابعة حول سورية في إطار قمم ضامني آستانة، فهناك حراك دبلوماسي مكثف يسعى لتهيئة الأجواء بين هذه الدول، الذي سيدفع مسار الحل السياسي إلى مكان جديد قد يغيّر صورة الحرب السورية… إذا كتب له النجاح.
هذه القمة كانت مناسبة لنقل العديد من الرسائل المهمة فيما يتعلق بالأزمة السورية، ولعل الرسالة الأهم كانت أن هناك ما يشبه الإجماع التام على التركز حول مساعي وخطوات حل الأزمة السورية، وكانت الرسالة الثانية، حسم ملفي إدلب وشرق الفرات، أما الرسالة الثالثة، تمثلت في أن مؤتمر سوتشي كان مناسبة لتعيد روسيا وإيران تأكيدهما على أن ثوابتهما المستقرة في حل الأزمة السورية باقية كما هي، وتمثلت تلك الثوابت، بتحقيق استقرار ووحدة الشعب السوري والأرض السورية، والتنسيق مع الحكومة السورية لمحاربة الإرهاب وإجتثاثه من جذوره، وبالتالي تعتبر موسكو وطهران نجاح هذا المؤتمر نجاحاً كبيراً لسياستهما الخارجية.
ومن المنتظر في هذه القمة أن تجري مناقشة تطورات الملف السوري ووضع خطوات المرحلة المقبلة، وأهمها بحث مصير محافظة إدلب التي باتت تمثل إشكالية روسية تركية لجهة وجهات النظر المختلفة بين رأي تركي يطالب بتجنيب المحافظة أي عمل عسكري، وروسي يطالب بالقضاء على “جبهة النصرة”، التي تشكل العمود الفقري لـ”هيئة تحرير الشام”.
وتأتي أهمية إدلب الإستراتجية لكلا الطرفين، فتركيا تعتبر المحافظة الواقعة على حدودها، جزءا لا يتجزأ من أمنها القومي وبوابتها لفرض نفسها كرقم صعب عند الحديث عن أيّ تسوية للأزمة السورية، كما أن الجماعات المتطرفة المنتشرة في إدلب هي رهانها في مواجهة أعدائها أي وحدات حماية الشعب الكردي السوري التي تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي ينشط على أراضيها وفي العراق.
في المقابل فإن روسيا والدولة السورية يدركان أن إنهاء ملف إدلب وشرق الفرات سيعني حسم الأزمة السورية لصالحهما، وبالتالي فرض شروطهما السياسية على الجميع، هذا إلى جانب الدواعي الأمنية فوجود جماعات متطرفة ومسلحة في المحافظة يعني بقاء الأزمة مفتوحة ومستمرة إلى ما لا نهاية، الأمر الذي يضع الجيش السوري وحلفائه أمام واحد من الخيارين إما النصر إما الاستمرار في الحرب والصراع.
في هذا السياق سيكون من الصعب إيجاد أرضية مشتركة بين الجانبين، فروسيا تبدو مصرة على استعادة الدولة السورية لسيطرتها الكاملة على محافظة إدلب وشرق الفرات فيما تستمر المعارك لإنهاء آخر جيب لتنظيم داعش الإرهابية شرق الفرات، وسبق أن صرح الرئيس بوتين بأن “من حق الحكومة السورية الشرعية استعادة السيطرة على كل المناطق الخارجة على سيطرتها”، الأمر الذي ردّ عليه أردوغان بالقول لا “يمكن السماح للأسد بانتزاع المنطقة“وفي الاتجاه الأخر ألمح أردوغان أن تركيا قد تتدخل عسكرياً في سورية، ولكن الظروف الراهنة وسياسة حكومة ترامب الحذرة جعلت الخطوة بعيدة المنال حالياً لذلك يبدو رهان تركيا الوحيد مقتصراً على دعم القوى المتطرفة وأدواتها في سورية.
ومع ذلك، فـإن مؤتمر سوتشي لا يزال يمثل فرصةً تاريخية لحسم ملفي إدلب وشرق الفرات ، كما أنها فرصة وحيدة لوضع الأسس المؤدية لإنهاء الحرب في سورية وبناء سورية الحديثة، بالتالي سيعول على هذه القمة لأنها ستحدد مستقبل سورية فإما الاستقرار وإما استمرار دوامة الحرب والصراع في سورية. فمن الممكن القول فعلًا بأنها ستكون الفرصة الأخيرة قبل اشتعال الفتيل، الأمر الذي يحيل إلى أهمية المتابعة الدقيقة لكل كلمة أو تصريح أو إيماءة تصدر قبيل القمة وخلالها وفي ختامها لأنها ستحمل الكثير من الدلالات.
مجملاً…. ستظل سورية صامدة شامخة بعد أن أغلقت الأبواب بإحكام وأبقت على فتحات استنزاف الغرب وحلفاؤهم، كما أن عام 2019 م، يجب أن يكون عام القرارات والسلام والحياة الأفضل للسوريين خاصة بعد أن توصل مختلف الأطراف إلى أن السلاح لن يحسم الأزمة، وأختم بالقول، إن أعداء سورية وأعداء السلام واهمون بأن يفكروا ولو لحظة من الوقت أن بإمكانهم الانتصار على إرادة الشعب السوري، وواهمون من يحلمون باستمرار الأوضاع الحالية إلى ما لا نهاية، فسورية ستعود أقوى مما كانت ولن يستطيع أحد أن يجعلها تنحني، وستتجاوز الأزمة التي تمر بها بإصرار شعبها العظيم ، والأكيد أنّ الأيّام المقبلة هي التي ستحدّد وجهة الحرب السورية وإحداث تغيير جذري في الخريطة العسكرية والذي سيكون من بوّابة معركة إدلب وشرق الفرات. وفي تقديري أن الأسابيع القادمة ستشهد تدويراً للكثير من الزوايا والقضايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.
التعليقات مغلقة.