العدوان الأمريكي على السيادة والشرعية الفنزوليه / مهدي مبارك عبد الله

لقد أعاد التدخل الأمريكي في الأزمة الفنزويلية الأخيرة إحياء مبدأ مونرو الذي أصدره الرئيس الأمريكي جيمس مونرو عام 1823م وطوره رؤساء أمريكا اللاحقين بما يضمن الهيمنة للسياسة الأمريكية حيث يصوغ لها مبررات التدخل في الشئون الداخلية لدول أمريكا اللاتينية باعتبارها داخلة في محددات الأمن القومي الأمريكي وقد كرّست أمريكا قدراتها العسكرية وصعودها الاقتصادي عبر القرنين الماضيين لتأمين احتياجاتها من المواد الخام واحتكار السوق اللاتيني لبيع سلعها دون أي منافسة أخرى وليست هذه المرة الأولى التي تتدخل فيها أمريكا ضد فنزويلا فقد سبقها تدخل لدعم الانقلاب العسكري ضد الرئيس الراحل هوجو تشافيز ولم يدم التدخل الأمريكي سوى يومين فقط وبعدها استعاد تشافيز سلطته واتهم واشنطن بالوقوف وراء الانقلاب وليس غريب على إدارة ترامب تدخلها السافر ضد إرادة الشعب الفنزويلي والتحريض على رئيسه الشرعي وهو ذات الأسلوب الإرهابي الذي لجأت إليه في حربها ضد سورية وبعض الدول العربية وهاهي الإدارة الأمريكية تطل بوجهها الامبريالي والاستعماري البشع والمجرم وبأسلوبها القديم القذر كشرطي للعالم تمارس القمع والتنكيل وتشكل قوات مسلحه خاصة من اجل خنق الشعوب والقضاء على حركات التحرر الوطني في العالم .

وذات النهج السابق الكريه يمثله اليوم رئيسها الأهوج دونالد ترامب وأركان عصابته الشياطين الكبار الذين يتولى إثارة أحقادهم وتحريك إضغانهم نائبه مايك بنس ومستشاره للأمن القومي جون بولتون ووزير خارجيته مايك بمبيو وغيرهم من أعضاء الإدارة الأمريكية إضافة الى كمشة من الحيزبونات الشمطوات أمثال نيكي هيلي في هذه الإدارة التي أسفرت عن نواياها الخبيثة ومخططاتها الشريرة وكشرت عن أنيابها وأعلنت بصراحةٍ ووضوحٍ أهدافها السياسية وبينت تطلعاتها ومراميها الاقتصادية وبما ينم عن مؤامرة دنيئة مكشوفة ودسائسٌ شيطانيةٌ معروفةٌ عدوانية الأدوات المقاصد والغايات من خلال سطوة الهيمنة الظالمة والتهديد بالقوة الحربية الغاشمة وفرض السياسات الكاذبة و سوق المبررات الزائفة لحماية الحقوق المدنية والحريات العامة والأمن والادعاء بأن الانتخابات في فنزويلا لم تكن حرة ولا نزيهة في حين ان الهدف الأساسي وغير المعلن هو الاستحواذ على احتياطي النفط الخام والذي يشكل الأكبر في العالم بعدوانياتها الصارخة على ارض وشعب جمهورية فنزويلا البوليفارية وبعمليةٍ إرهابية منظمة استهدف أمنها وتقصدت سيادتها وشرعية نظامها وقوت ودواء شعبها بعدما أصبحت أمريكيا تشكل غطاء قذر للمعارضة غير القانونية وتساند الانقلابيين الخارجين على الحكم والنظام وتلوح بالتدخل العسكري المباشر لإخافة وإرعاب الشعب الفنزويلي ومحاصرة القيادة وتحطيم قواعدها وكسر حاضنتها الوطنية وإرغامها على التراجع عن مبادئها وثوابتها والانكسار والاستسلام للمتمردين الغوغائيين عملاء أمريكيا والغرب في حين ساند الجيش الرئيس مادورو وأكد محافظته على مؤسسات الدولة والأمن واثبت بالفعل ولاءه للرئيس حين أحبط عملية اغتياله بواسطة طائرات مسيرة يذكر أن مادورو قد تعرض لـ16 محاولة اغتيال على يد كولومبيا وأمريكا بسبب سياساته الثورية ضد التدخلات الأمريكية في بلاده بالإضافة إلى عدة محاولات انشقاق داخلية باءت بالفشل وقد وقف معظم الشعب بكل صلابة في صف بلادهم المستهدفة ورئيسهم الشرعي المنتخب ودعموا حقه في التنصيب لولاية ثانية من 6 سنوات وما وهنت عزيمتهم ولا ضعفت عريكتهم ولا ضجت ألسنتهم بالصراخ ولا غرقت عيونهم بالدموع ولا رفعوا الراية البيضاء إقراراً بالهزيمة وهم الذين اعتادوا على تقديم الضحايا والقرابين وهم صامدين على مواقفهم في السلم والحرب .
وبعد نجاح المعارضة الفنزويلية بالانتخابات البرلمانية وتقدمها على مادورو وحلفائه استولت على السلطة التشريعية من خلال تنصيب خوان غوايدو رئيسا للجمعية الوطنية الفنزويلية الذي أعلن مرارا عن معارضته لمادورو ونظامه السياسي والاقتصادي وكشف عن ميوله الليبرالي في الحكم و تقربه من أمريكيا والدول الغربية وأعلن عزمه على إنهاء مقاطعة إسرائيل وتشهد فنزويلا توترا واضطرابات متصاعدة منذ 23 كانون الثاني الماضي بعدما دخلت منعطفا خطيرا كشف عن مدى أهمية دور الدول الكبرى وكيفية إدارتها للأمور والتحكم ببعض مفاصل الحياة السياسية في فنزويلا ومما زاد من حدة الانقسام في الأزمة السياسية الداخلية وتسارع حدتها قرار مادورو إجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تقوم بتعديل الدستور الأمر الذي رفضته المعارضة معتبرة أن هذه الخطوة غير دستورية وعلى إثر ذلك أعلن خوان غوايدو رئيس البرلمان الفنزويلي وزعيم المعارضة حقه بتولي الرئاسة مؤقتا إلى حين إجراء انتخابات جديدة رغم ان الرئيس الفنزيلي اليساري نيكولاس مادورو فاز في انتخابات علنية تمت وفق القانون والدستور وتحت مراقبة دولية ومحلية شارك فيها 10 ملايين ناخب وتفوق على أقرب منافسيه بنسبة كبيرة جدا .
وعلى غير العادة وبشكل عاجل اعترف ترامب بـ غوايدو رئيسا انتقاليا لفنزويلا ودون استشارة أحد أو حتى التفكير في الخطوة المتخذة من قبل أبرز المعارضين لمادورو والذي اعتبر تدخل سافر في شؤون البلاد الداخلية وقد تبعته كندا وكولومبيا وبيرو والإكوادور وباراغواي والبرازيل وتشيلي وبنما والأرجنتين وكوستاريكا وغواتيمالا وجورجيا ثم بريطانيا وغيرها من الدول الأوربية فيما أيدت كل من روسيا والصين وإيران وتركيا والمكسيك وكوبا وبوليفيا وبعض دول مجموعة عدم الانحياز ودول أخرى شرعية مادورو وقامت أمريكيا بعد ذلك علنا ولأول في تاريخ بلدان أمريكا الجنوبية بالدعوة إلى تقويض سلطة الرئيس الفنزويلي وإحداث انقلاب عسكري عبر أدواتها الداخلية العميلة وهددت بغزو البلاد وفرض حكومة الأمر الواقع وبما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة بعدم جواز تهديد أي دولة عضو باستخدام القوة العسكرية ثم خططت لفتح ثغرة في الجدار الاشتراكي لتغيير النظام الذي يقاوم الرأسمالية الأمريكية ومخططتها في المنطقة خصوصا في أمريكا اللاتينية مما دفع الرئيس مادورو إلى طرد الدبلوماسيين الأمريكيين بتهمة التأمر والتخابر مع واشنطن .
حيث اتخذت الإدارة الأمريكية قراره ذريعة للتلويح بالتدخل العسكري لحماية مواطنيها ودبلوماسييها وفق ما أكده وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو سابقا وقد لعبت السياسة الأمريكية الخبيثة بالعامل الاجتماعي والاقتصادي في محاولة لجر الشعب الفنزويلي للتغيير عبر شعارات وحركات سياسية تحرض على فشل النظام السياسي القائم والدفع بالمواطنين إلى الشارع سعيا للتغيير معتبرة أن الضغط الشعبي سيؤدي إلى تأييد شعبي لغوايدو وقد يشكل ذلك عاملا أساسيا أسرع في حسم الصراع على السلطة وتحوطا لذلك أبدت حكومة الرئيس الفنزويلي استعدادها للجلوس على طاولة واحدة مع زعيم المعارضة خوان غوايدو بدون شروط مسبقة وكل ما تطلبه أن تبتعد المعارضة عن واشنطن وعندها يجلسون معا ويحتكمون إلى الدستور بكل شفافية وعدالة ولمزيد من التشويه لصورة مادورو زعمت أمريكا في بياناتها المتعددة ان له علاقة وطيدة مع تجارة المخدرات ويقوم بحمايتهم .
وقد شكلت فكرة الإطاحة بحكم بمادورو مبعث قلق شديد من الناحية السياسية والاقتصادية لموسكو بعدما أصبحت هي والصين الملاذ الأخير لكراكاس وقد تهيأت روسيا جيدا لقرار الفيتو لإجهاض أي تحرك دولي من خلال مجلس الأمن يهدف الى قلب الأوضاع في فنزويلا بالسماح باستخدام القوة العسكرية مما عزز وقوي موقع مادورو وأبعد عنه الخطر ويأتي تفاقم الأزمة السياسية في أوج تدهور اقتصادي كبير في هذا البلد النفطي الذي كان مزدهرا وبات اليوم يشهد نقصا كبيرا في الغذاء والأدوية وسط ارتفاع هائل لنسبة التضخم وندرة في جميع المواد الأولية وتراجع قيمة العملة الوطنية وتدهور كافة الخدمات العامة ومشاكل أخرى نتيجة العقوبات الأمريكية والتضييق الاقتصادي والمالي حيث تشتري واشنطن من كراكاس ثلث إنتاجها النفطي الذي تراجع الى 1,4 مليون برميل يوميا والذي يمثل 96 % من موارد الدولة من العملة الأجنبية وما تحتاجه فنزويلا حاليا هو رفع الحصار الاقتصادي المفروض عليها ورفع الحظر عن أصول تبلغ قيمتها 30 مليار دولار وإذا استمر ترامب في حصاره ستكون يداه ملطخة بدماء ضحايا الجوع والمرض والمواجهات بين أنصار المعارضة وقوات الأمن نتيجة حملة إدارة ترامب الظالمة والتي لم تشهد فنزويلا مثلها منذ 200 عام .
وقد طلبت أمريكا من إسرائيل الإعلان رسميا عن دعمها للإجراءات الهادفة للإطاحة بالرئيس مادورو والوقوف مع زعيم المعارضة الا أنها ترددت في ذلك خوفا من أن يقوم النظام الحالي بالتضييق على الجالية اليهودية في فنزويلا التي يبلغ عدد أفرادها 6000 شخص ومع العقوبات الاقتصادية على فنزويلا التي ضربت قطاع النفط بغرض منع المواطنين الأمريكيين والمقيمين فى أمريكا من شراء أدوات الدين الفنزويلية نقدا ولا زالت تفكر بإضافة فنزويلا الى قائمة الدول الراعية للإرهاب بعدما اعتبرتها تشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي وتقوض الديمقراطية مما يعني تقليص المساعدات الأمريكية وفرض قيودا ماليا أخرى على بلد يعاني بشكل حاد من التضخم ونقص فادح بالأغذية والدواء بسبب العفويات وهبوط أسعار النفط .
وفي الوقت الذي تتباكى فيه أمريكا على نزاهة وحيادية ومصداقية الانتخابات وتتألم لواقع الديمقراطية وحرية التعبير واستخدام القمع والعنف وتحزن لعدم إمكانية وصول بعض الشعوب إلى المواد الغذائية والطبية يعلم الجميع ان انتهاك حقوق الإنسان يعتبر سياسة حكومية في أمريكا ممنهجة وهي التي تنشر الحروب في العالم وتقتل وتدمر وتحتل وتسجن وتشرد وتضع أصابعها في أذانها وتستغشي ثيابها وتغمض عينيها عن الإرهاب الصهيوني اليومي ذد النساء والشيوخ والأطفال الابرياء في ارض فلسطين المحتلة و كل ما يجرى تحت مظلتها من قهر وتعسف وظلم لإرادة الشعب الفلسطيني وتهويد أرضه و محاولات تمرير صفقة القرن الأمريكية الصهيونية المشبوهة ومع ذلك يصر البيت الأبيض على إعطاء دروس للآخرين في القيم والأخلاق والعدالة والمواطنة وسيادة القانون ويغفل ان ترامب لا يتردد في التحالف مع دول يثير سجلها في حقوق الإنسان الكثير من الشكوك عربية وأسيوية وافريقية ولاتينية شرقية وغربية ولا ننسى كيف أظهر حماسة كبيرة للتفاوض مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون السفاح الرهيب لكن المشكلة لديه إن مادورو سار على غرار سلفه هوغو تشافيز ولم يتوان عن استفزاز الولايات المتحدة ومهاجمة إمبرياليتها وكشف مؤامراتها الامبريالية العميقة .
ومن الجدير بالذكر في هذا الشأن إن نستحضر بمرارة المذبحة الأمريكية الكبرى ضد الهنود الحمر السكان الأصليين للبلاد التي تم من خلالها تدمير المنازل والتهجير الجماعي وحرق المحاصيل بل وصل الأمر إلى قتل ما يقرب من 18 مليون شخص من الهنود الحمر وما تلاها من اعتداءات استعمارية متكررة بدأت بغزو دول الجوار حتى وصل الإرهاب والعدوان الأمريكي على البشرية إلى الفضاء والصحاري وما وراء المحيطات والبحار وقد سجله التاريخ بمداد الخزي والعار .
واليوم وبعدما لوح ترامب بسيفه عاليا بإمكانية التدخل عسكريا فأننا ندعوا كل شرفاء وأحرار العالم المؤمنين بالحق والعدل للوقوف الى جانب الشرعية الفنزويليه والتصدي لهذا الإرهاب المتهور والعدوان الأرعن والبلطجة البربرية المفضوحة والمخططات الأمريكية ألاثمة بكل السبل ومقاومتها بالوسائل والأدوات السلمية والحضارية الفكرية والإعلامية والاقتصادية ولو بالحد الأدنى والتحذير من التداعيات الوخيمة المحتملة التي قد تجلبها العقوبات الأمريكية على الشعب الفنزويلي الملتف حول رئيسه مادورو والرافض لتركه منصبه ومن المهم التأكيد أيضا على أن الشعب الفنزويلي هو الطرف الوحيد الذي يمكنه إيجاد حل لأزمته السياسية والاقتصادية بالحوار المشترك والاحتكام الى قواعد الدستور وشرعية صندوق الاقتراع ومن المهم جدا ان برفع ترامب يديه عن فنزويلا ويتركها وشأنها بعد اعتباره المسؤول الأول عن أي عنف قد يحدث أو دماء يمكن أن تراق جراء هذه السياسة المرفوضة والتي يجب إدانتها واستنكارها والتنديد بها وشجب المؤيدين لها والفرحين بها بعدما نصبت أمريكا نفسها في موقع تحديد شرعية أنظمة الدول الأخرى وعلى سبيل المثال لا الحصر ما جرى في ليبيا والعراق واليمن وسوريا سابقا وما يجري في فنزويلا حاليا .
وأخير ينبغي ان نتذكر جيدا انه لطالما وقفت فنزويلا وقائدها الراحل شافيز ورئيسها الحالي مادورو الى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة الصهيونية العنصرية المحتلة ومناصرة قضايا الأمة العربية العادلة .
[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.