خطة إعادة إعمار حمص نموذجاً / تامر يوسف بلبيسي

 

تامر يوسف بلبيسي* ( سورية ) السبت 1/8/2015 م …

يتطلع السوريون عموماً والمغتربون بصورة خاصة نحو أيّ إشارة على إطلاق عملية إعادة إعمار سورية كمؤشر على الثقة بعودة العافية وقرب موعدها، فكيف عندما يكون ذلك بمواقف تصدر عن الرئيس الدكتور بشار الأسد، عندما يتعمّد تضمين خطابه الأخير إشارة واضحة ومعلنة تتعدّى مجرّد الأمل بالسير في خطة لإعادة الإعمار، أو إبداء الثقة بأنّ هذا اليوم آتٍ لا محالة، فذلك يبقى، على رغم أهميته في منح السوريين ومحبّي سورية الثقة بعافيتها وقوتها وثقتها بالغد المقبل، وعداً سياسياً وأملاً وطنياً، لكنه ليس إشارة عملية.

الذي قاله السيد الرئيس يتخطى الأمل والثقة والوعد، إلى إعلان محدّد بعينه، أنّ التشريعات والمخططات اللازمة لإعادة إعمار حي بابا عمرو في حمص أصبحت جاهزة، وهي بالتالي ستصدر بمرسوم قريباً جداً، وأنّ خطة إعادة الإعمار ستنطلق على أساس هذه التشريعات والمخططات.

عندما يعلن رئيس الدولة موقفاً بهذا القطع وهذا الوضوح، وعندما تكون أروقة رئاسة مجلس الوزراء ومعها وزارات الإدارة المحلية والإسكان وقبلها وبعدها دوائر التدقيق القانوني والهندسي بين دمشق وحمص، منشغلة لأشهر بإعداد هذه المخططات والبحث بالتشريعات المناسبة، ما يعني قيام ورشات تتخطى مئات ساعات العمل لخبراء قانونيين ومهندسين، أيّ بدء العمل، لأنّ ما يعرفه كلّ المتعاطين في قطاع البناء والإعمار أنّ أعقد المراحل وأصعبها في هذا القطاع هو وجود المخططات التشريعية والتوجيهية التي تحدّد الإطار القانوني والعمراني للعملية في أيّ منطقة عقارية.

القيمة الاستثنائية للمخططات والأطر التشريعية أنها إطار قانوني صالح للتطبيق على كلّ الأماكن المدمّرة التي يفترض أن تلحظها خطة إعادة الإعمار في كلّ محافظات سورية التي تعرف وضعاً قانونياً واحداً ويكفي عندها وضع المخططات الهندسية والخاصة وتشميلها بأحكام ذات المرسوم، فيما عدا حالات استثنائية لها ما يبرّر لحظ خصوصية تشريعية، وعلى المستوى الهندسي يمكن للتوجهات المتضمّنة في المخططات أن تشكل مرجعية توجيهية على الأقلّ في نسبة الأبراج وكيفية معاملة المناطق التراثية والسواق القديمة، والبنى التحتية وسواها من العناوين الهندسية المتشابهة في إطارها العام.

لا يمكن لهذه العملية أن تنطلق قبل شهور ليجري تتويجها اليوم بصدورها بصيغة مرسوم جمهوري، إلا بتوجيه من رأس الدولة، ولا يمكن ان يحصل كمجرّد عمل إعلامي للإيحاء بالثقة وبالتعافي، فالأكيد انّ ذلك يحدث وقد حدث لأنّ أولوية إعادة الإعمار صارت على جدول أعمال رئيس الدولة، وثانياً لأنّ لدى رئيس الدولة يقيناً بأنّ ما سيحرّره الجيش من أيدي الجماعات المسلحة قد خرج من معادلة الحرب التقليدية، أيّ الكرّ والفرّ، وأنّ إطلاق عملية إعادة الإعمار في منطقة من سورية لا يمكن ان يلقى الاستجابة المطلوبة لنجاحها ما لم تكن وجهة الأحداث العسكرية والسياسية تقول إنّ الدولة السورية تمسك بزمام الأمور، وإنّ كلّ يوم يحمل جديداً لمصلحة بسط سيطرتها على التراب السوري من جهة، وجديداً يؤكد التعامل معها من الخارج كمرجعية حصرية لا جدال حول شرعيتها التمثيلية للوطن السوري من جهة مقابلة، ما يعني تزامن المؤشرات المبشرة والمتسارعة في مسارَي الحلّ العسكري والحلّ السياسي وفقاً لمنظور الدولة السوري لكليهما.

هذه الإشارات مجتمعة تلقاها المغتربون السوريون، وهم من جهة رأسمال سورية المالي والعمراني المعني الأول بعملية إعادة إعمار بلده، بما لديه من إمكانات وأموال وخبرات، راكمها في دوره البارز في إعمار بلدان الاغتراب، ومن جهة أخرى، المغتربون هم سفراء بلدهم الاقتصاديون كلّ في مجاله، لدى رجال الأعمال، والشركات والمصارف ومورّدي المواد الأولية والمعدات ومكاتب الخبرة وسوى ذلك من قطاعات الاقتصاد ذات الصلة بعمليات الإعمار العملاقة كالتي تستعدّ لها سورية.

ما يحتاجه المغتربون السوريون هو أن يُتاح لهم الإطلاع على الخطوات التي تنوي الحكومة السير بها في وضع مشاريع إعادة الإعمار قيد التنفيذ من جهة وأن تقوم بينهم وبين الحكومة آليات للتنسيق لإقامة مؤتمرات ومعارض خاصة بخطط الإعمار في بلدان إقامتهم، وفقاً لبرمجة تنسّقها كلّ جالية إغترابية بواسطة وزارة الخارجية مع سائر مؤسسات الدولة، على أمل استحداث مكتب لإعادة الإعمار متخصص في الوزارة، على أن يسبقها مؤتمر للراغبين من المغتربين يعقد في سورية وليكن من حمص الانطلاق، للإطلاع على المخططات والتداول في أفكار خلاقة للمساهمة المتنوّعة في هذه العملية الوطنية الكبرى التي يُفترض أن لا يتأخر السوريون، وخصوصاً كلٌّ في محافظته عن تأسيس شركات مالية قادرة على النهوض بأعبائها، انطلاقاً من أنه كلّما كانت نسبة مساهمة الرأسمال السوري والعقول السورية في عملية إعادة الإعمار كلما كانت العملية أشدّ التصاقاً ببعدها التنموي والاقتصادي والاجتماعي الذي لا ينفصل عن البعد العمراني أبداً.

تكبر قلوب السوريين ببشارة إعادة الإعمار وتكبر قلوب المغتربين أكثر.

*مغترب عربي سوري في الكويترئيس مجلس إدارة قناة «زنوبيا» الفضائية

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.