الله اكبر، هذا اردننا، فاقرأ باسم ربك الذي خلقه أفقا عربيا، وعمقاً سوريا – ببعد كنعاني .. واستجب لندائه الاول – الاول الاول: “سندمر الهيكل”، كما بشر محمود درويش! / ديانا فاخوري
ديانا فاخوري ( الأردن ) الثلاثاء 26/2/2019 م …
في البدء كان الكلمة .. وفي البدء استدعي كلمات كنت قد ضمنتها بعض مقالاتي السابقة يوم دخلنا “أم قيس” والأصيل له ائتلاق، لحظة تسليم الشمس روعة الامانة الی القمر .. يومها تمكنا، وبالعين المجردة، من رؤية بحيرة طبريا من جهة وهضبة الجولان من الجهة الاخری .. يومها تذكرنا أنه “هنا” انعقد مؤتمر تأسيس الدولة والكيان منذ نحو مئة عام: حوران الكبری/ شرق الاردن بجناحيه – فلسطين الی الغرب وبغداد العراق الی الشرق .. أما الرأس فشامي شامخ يمتد نحو دمشق وما بعد بعد دمشق في الشمال .. هذا حيز استنبطته الجغرافيا خدمة للتاريخ فاستخدمه صلاح الدين الايوبي (احد مؤسسي الكيان الأول) ونذر هضابه لتحرير بيت المقدس .. هذا اقليم يفقد هويته بالانفصال ولا يجدها الا بالاتحاد .. و”جند الاردن” لم يخلعوا الشام ابدا فقد عاشروها وخبروها وعرفوها ولذا فهم لم ولن يخلعوا الشام ابدا ..
ساهم جيشنا منذ النشأة الأولی في هزيمة البيزنطيين وتحول بعدها تقسيما اداريا علی يدي أبي بكر الصديق! وكان التداخل وما زال مع فلسطين وباقي بلاد الشام ثابنا ومستمرا .. كانت منطقة “جند الاردن” تتوسط حدود منطقة “جند الشام” من الشمال وحدود منطقة “جند فلسطين” من الجنوب .. ويتجلی هذا التداخل في كون مدينة طبريا عاصمة ل “جند الاردن” .. كما شملت مدن “جند الاردن” بيسان وصفوريا وعكا وحيفا وصفد والناصرة وجنين الی جانب اربد وطبقة فحل وجرش وبيت راس وابل الزيت وحرثا وام قيس بالاضافة الی مدينة صور (لبنان) ومدينة درعا (سوريا) .. وبالمقابل كانت العديد من مدن شرق الاردن ضمن “جند فلسطين” كالسلط ومادبا وعمان والكرك ومعان والطفيلة .. من هنا ترون ان الاحتلال الصهيوني يجثم علی “جند الاردن” و”جند فلسطين” في ان معا .. لنصوب البوصلة اذن، ونكثف الجهود والطاقات العلمية النضالية التحريرية الی تل ابيب ونقرأ: “نصر من الله، وفتح قريب”!
هذا يعيدنا بالضرورة للثورة العربية الكبری .. فهل تم ضرب الهاشميين (سلالة النبي العربي الكريم، “ابنَاء الهواشِمِ من قُرَيشٍ، وأعز قبيلا” – والتعبير لمحمد مهدي الجواهري) في الجزيرة العربية للاطاحة بالثورة العربية الكبری في سياق تنفيذ اتفاقية سايكس/ بيكو؟! وهل دفع الشريف حسين ثمن اعتراضه عام 1918م علی تأسيس “اخوان من طاع الله” كجمعية سياسية ترتدي عباءة الدين فكان الحشد باسم الدين، والهجرة في سبيل الله، والجهاد ضد الاخر والاغيار؟! كم قلت أنهم عملوا ويعملون علی ادغام العروبة بالاسلام بحجج التماثل والتقارب والتجانس في محاولة دؤوبة لاسكان العروبة وادراجها فلجمها منذ “اخوان من طاع الله” التي، ولطالما كررت ذلك، قامت لاجهاض حلم الثورة العربية الكبری – ذلك المشروع القومي العربي في الحجاز الذي استقطب مجموعة من الثوار العرب المناضلين ضد الصهيونية والاستعمار نحو دولة قومية عربية .. أراد الشريف حسين للعرب الاستقلال والحرية منذ نهاية القرن التاسع عشر، فكان مصيره النفي (النفي الأول) إلى إسطنبول منذ عام 1893م حتى عام 1908م.
وعليه لم يكن باسم الله تأسيس القاعدة وداعش والنصرة واخواتهم والمشتقات والملاحق الاخری لنصرة الرأسمالية وأنظمتها وأحلافها.. لنذكر ان ارادة الله جاءت بالوحدة من خلال التنوع والتعددية فالتوراة والانجيل والقران والحكمة كلها خرجت من أرض العرب أو هبطت من سماء العرب تأكيدا للتنوع والغنی الثقافي والتعددية في الوحدة .. فبأي مشيئة نقوی علی مسخ التنوع طوائف ومذاهب وفئات أو فتات لتفكيك الموحد باسم او اسماء “الحرية والسيادة والاستقلال” تهجيرا للتنوع والتعددية، ونفيا للتلاقي مع الاختلاف، فدعوة للجهاد ضد الاخر والاغيار، وبالتحليل النهائي خدمة للدولة الدينية الصافية، بل المذهبية الصرفة انسجاما مع ما كتب بخط اليد الرديء لدى اجتماع “ابن سعود” ب “روزفلت” علی متن الباخرة “كوينسي” لتتوج بضرب الهاشميين، أصحاب الثورة العربية الكبری وولاتها .. اما ما كتب بخط اليد الرديء فيتلخص باعطاء فلسطين (حوالي 27,000 كم²) لليهود وانتزاعها من الخارطة العربية تنفيذا ل “وعد بلفور” فيما سماه “لويد جورج” قربانا ل “يهوة” .. وهذا ما أعاد صياغته احد ورثة “رباع الحمايل” خلال زيارته لزعيمة الدول المارقة (CRS) انصياعا لما بات يعرف ب “صفقة القرن” و هي الى “الصفعة” اقرب!
و هكذا تم انتزاع واغتصاب السدانة على بعض الأماكن المقدسة عام ١٩٢٥بتوسل بعض “رباع الحمايل” وإسنادهم بالنيران البريطانية وبغطاء من “اخوان من طاع الله” عقب ازاحة العثمانيين – اجهاضا للثورة العربية الكبری وفي سياق القضاء على “مملكة العرب” تنفيذا لاتفاقية سايكس/ بيكو لتفتيت وتجزئة وتقسيم وشرذمة وتشظية وتفكيك منطقتنا وشطب الأردن الكيان والإقليم من الخارطة وإلحاقه كفائض جغرافي (حوالي 90,000 كم²) بفلسطين (حوالي 27,000 كم²) لتصبح مساحة فلسطين “الموعودة بلفوريا” حوالي 117,000 كم² (فتتواضع اسرائيل بقبولها فلسطين من البحر الى النهر – مجرد حوالي 23 % من “حقها البلفوري السايكسبيكوي” من خلال “صفقة ألقرن”!) .. كما عملوا على تفريغ المنطقة برمتها من مسيحييها وبالتالي من عروبتها تبريرا ليهودية الدولة .. وضمن السياق ذاته تمت الأطاحة بوحدة الضفتين (١٩٨٨/١٩٧٤) بلافتات وعناوين وشعارات بدت براقة حينئذ! اما اليوم، فما لبثوا يحاولون الفصل بين “الكعبة المشرفة” و”أرامكو المكرمة”، ويجهدون في انتزاع واغتصاب السدانة العربية الاردنية على المقدسات القدسية انسجاما مع “المصالحة التاريخية نحو اسرائيل الكبرى” ضمن لعبة (لا أقول استراتيجية) ترامب الجديدة للأمن القومي .. وترجمتها الى “صفقة القرن” في المنطقة و ما تتطلبه من محاولات دؤوبة لدفع الاردن علی ظهر او الی بطن صفيح ساخن!
ومن نافل القول ان “الويلات المحتدة الأميركية”، امريكا زعيمة الدول المارقة (CRS) تعمل على ضبط النظام العالمي بتوسل ادواتها كمنظمة التجارة الدولية (WTO) والبنك الدولي (WB)، وصندوف النقد الدولي (IMF)، وغيرها من المؤسسات والاتفاقات التي حولت التجارة الحرة والخصخصة لديانة اقتصادية كونية .. ولعل هذا ان يفسر شكوى الاردن وما به من داء يتجسد ارتهانا سياسيا للراسمالية المالية العالمية وآلياتها الامر الذي يؤدي بالضرورة لاغراقه بالعوز والفقر وحرمانه او تجريده من الموارد واعاقة التنمية الوطنية فالحيلولة دون بناء المجتمع المنتج لتتوالى الأزمات وتتزاحم، فيستسلم الشعب ويرحب بالسيناريوهات التي تخدم العدو في المحور الصهيواعروبيكي .. وهكذا ُتستهدف الجبهة الاردنية الداخلية لتنوء تحت عبء النفط والغاز (الرأسمال المالي) من ناحية، وسهام الصهيونية (خدمةً للامبريالية) من الناحية الاخرى فتغدو قابلةً او ُمعدةً للانفجار.
وما الربح والريع والفائدة الا مسَميات مختلفة لأمر واحد. فالربح الرأسمالي ان هو الا ريع يتم اقتطاعه من غير جهد او عمل، والفساد من أسمائه الحركية .. اما في الأردن فلم يكن الفساد يوما مجرد ظاهرة، بل هو نهج حكم ما فتئ يتوسع ويتعمق عموديا في الصف الاول على نحو دسم ومغطى ومحمي حيث يكون الاستثمار كلمة السر فيوزع المال نفسه حسبما يعتقد أنه يحقق ربحاً أكبر، أو ريعاً أكثر، أو فائدة أعلى. ونظرا لافتقار الأردن لموارد أساسية كالنفط او الغاز تصب في تغذية الخزينه وتسديد عجز الموازنة، تلجأ الدولة لثلاثية الديون، وبيع ما تيسر من المقدرات الوطنية، والضرائب على المواطنين .. هنا مرتع الفساد ومصنع السماسرة – منظومة مقننة بيدها وسائل الانتاج وأساليبه وأدواته، والاستيراد والتصدير وآلياته! الفساد في الأردن يتجاوز الأفراد والقضايا الأخلاقية والمثاليات .. انه جزء لا يتجزأ من النسق السياسي المفروض في محاولة لحصار الأردن وحشره في دور وظيفي خدمة لمشروع المحور الصهيواعروبيكي متوسلين الضغوط الاقتصادية لتصفية الدولة وتفكيك نسيجها الاداري الاجتماعي والإطاحة بهيبتها ودفعهاالى الحائط فالانهيار لتعود على مقاسهم منحنية ومنكسرة وقد أمعنوا بالشعب تهجينا وتدجينا!
وها هم، كما بينت في اكثر من مناسبة، يسترسلون بخدعة منطق “ما بعد الأيديولوجيا – زمن العلم والإنسانية” .. ها هم يوظفون المنطق الميكانيكي الليبرالي الذي يركز على الأفراد بوصفهم “أقل او اكثر شرا” وكأن المشكلة تكمن في قادة “أخيار او أشرار” .. انه ذات المنطق الرومانسي الداعي الی المحبة والتسامح والزهد والتفاهم والسلام بين بني البشر (الفلسطينيين و الصهاينة مثلا) بمجرد توسل الحوار والانفتاح علی الاخر وتغيير العقلية .. انه يلاقي المنطق القبائلي العشائري العائلي الأبوي ذاته – المنطق الذي يكرس ويعمق النزعة الفردية والنفعية بتلقين ثقافي مبرمج يربط الهوية الوطنية والانتماء السياسي بالشخص لا بالوطن، بالحاكم لا بالدستور او المؤسسة!
ليس منا من يغتر بهذا المنطق، و”اللبيب اللبيب” – بالاذن من المعري – يدرك ان الامر “للدولة العميقة” او “الدولة الخفية” بديوانها ومجمع مؤسساتها داخل الأجهزة الادارية والعسكرية والأمنية واﻻعلامية شاء من شاء، وأبى من ابى .. ونشر من نشر، وخنق من خنق، وأذاب من أذاب سواء بني الفعل للمجهول او للمعلوم!
هل تذكرون برنارد لويس وخرائطه وكم وكيف دعا الى عدم القلق لرؤية الشرق الأوسط وقد تحول الى مهرجان للجثث، فالزمن عندنا – كما يرى لويس – يبدأ بعد الموت وقد تستقبلنا الملائكة بالكوكاكولا .. استدراكآ أو استثمارآ لأفكار لويس و أقواله، هناك من يحرض اليوم على الأردن باعتباره جزءآ اقتطعه الانجليز من السعودية ليفصلوها (السعودية) عن سوريا والبحر المتوسط .. وقد يعاد اليها مقابل تصفية نهائية للقضية الفلسطينية واقامة علاقة استراتيجية مع اسرائيل متوسلين أخوة اسحق واسماعيل!
كم حاولوا اغواءنا – في الأردن – تارة بالوصاية على العراق أو بعضٍ منه، وطورآ بالوصاية على سوريا أو جزءٍ منها، ومرة بالوصاية على السعودية أو قطعة منها .. وهم ما فتئوا يحاولون انعاش الخونجة بالتعاون مع داعش والنصرة وها هي أميركا
في أفغانستان، مثلا، تتفاوض مع طالبان – بنسبها المعروف – حول كيفية سيطرة الأخيرة على المناطق التي تخرج منها في حين تواجدت هناك لفترة 18 عاما للقضاء على طالبان نفسها .. انهم يحاولون استحضارالجنرال دوغلاس ماك آرثر ليتقمصه الجنرال جوزف فوتيل ممنين النفس ان يعلن الرئيس الإيراني الاستسلام بين يديه كما فعل الأمبراطور هيروهيتو فيقدمون للباكستان رشوة بعشرين مليار وللهند بمئة مليار من دولارات العرب لخنق ايران وإثارة الفتن الداخلية بتحريض الجماعات العرقيّة والطائفيّة وتحريك النزعات الانفصاليّة (العربيّة، البلوشيّة، الأذريّة، الكرديّة)، الى جانب فتح الحدود مع ايران امام بقايا أبناء القاعدة من طالبان، وداعش ونصرة… انهم يحاولون دفعنا لاقفال الجبهة مع اسرائيل الى الأبد وفتحها مع سوريا والمقاومة، وربما على الأبد.
خسؤوا – لن يعانق “جبل عرفات” “جبل الهيكل” في سياق المصالحة التاريخية نحو اسرائيل الكبرى ضمن لعبة ترامب الجديدة للأمن القومي.. ولن تفلح محاولات المحور “الصهيواعروبيكي” اليائسة البائسة كما ينفذها وكلاء الداخل – بدفع الأردنيين لتلقي “صفعة القرن” صاغرين! وها هم لاجئو ونازحو الأردن ولبنان والدول العربية يتأهبون للتوجه والعودة الى الجمهورية العربية الفلسطينية، وعاصمتها القدس .. كما على ثرى الأردن كذلك في السماء، ولن تحتمل السماء “صفقة القرن” التي يصفعها الأردنيون لينال الفلسطينيون، كل الفلسطينيين، حقهم بالعودة وإزالة النكبة بإزالة أسبابها – ازالة اسرائيل، نقطة على السطر! اذكروا ان الأردن جنوب سوريا وان “جند الاردن” لم ولن يخلعوا الشام أبدا، فاخلعوا محور الشر “الصهيواعروبيكي” .. التبعيّة ليست قدرًا، والثورةَ ضرورةٌ وحتميّة رغم جدران الفصل ومسرحيات الانفاق والنفاق ودروع الشمال وتهريج “أدرعي” والقواعد والقاعدة وداعش والنصرة وأخواتهم والمشتقات والملاحق الأخرى .. نعم خسئوا فالأردن اكبر من الدور المرسوم، وهو قادر، قيادة وشعبا، على احباط “القدر المرسوم” .. وسيبقى الأردن وقف الله، أرض العزم، أفقا عربيا، وعمقا سوريا – بمدى كنعاني .. وطنا بهيا بانتظام ولايته الدستورية ومأسسة الدولة وتحصين القانون، شريفاً لا نبغي ولا نرضى عنه بديلا، ولا نرضاه وطنا بديلا! ولن تقوى قوى “الزندقة” او “الصهينة” و”الصندقة” بخشنها وناعمها على تحويل الاردن من وطن الى جغرافيا والاردنيين من مواطنين الى سكان انسجاما مع مفرزات سايكس/ بيكو ووعد بلفور بمصادقة صك الانتداب وعصبة الأمم وما رسموه للأردن من دور وظيفي قاومه الملك الحسين متمسكا باستقلال القرار السيادي وانتظام الولاية الدستورية، وعمل على تخطي الدور ومقتضياته والتحرر من الالتزامات المترتبة عليه ليرسى بذلك إرثا سياسيا للأجيال من بعده!
تعالى الله والأردن العربي .. ولتسقط “صفقة القرن” بقرونها .. ولن تجعل هذهِ الدولُ اللَّقيطةُ عمّان ثكلى : فأما ان تكون او لا نكون! فيا فجرَ عمّان الطويلا .. عجّل قليلا – بالأذن من محمود درويش!
ديانا فاخوري
كاتبة عربية اردنية
التعليقات مغلقة.