مقال نظري … هل ثمّة حزب ثوري في الأردن؟
الأردن العربي – عن راديكال – ليلى بشارة ( الإثنين ) 3/8/2015 م …
** ملاحظة من ” الأردن العربي ” …
” ننشر هذا المقال النظري مع تحفظنا الشديد على الكثير مما ورد في ثناياه من اتهامات باطلة ومن إلصاق تهم باليسار واليساريين … ننشره من باب إيلاءنا للجانب النظري في مسيرتنا النضالية ما تستحق من اهتمام … “…
هل يمكننا فعلاً إدراج الأحزاب التي تدعي بأنها شيوعية أو يسارية في الأردن تحت مظلة اليسار؟ كيف يمكننا تبرير ركاكتها فكرياً وتنظيمياً في الآونة الأخيرة تحديداً؟ ليس من الصعب أبداً تفكيك ادعاءات هذه “التجمعات” أو “الجمعيات” على أنها ممثلة لليسار، استناداً إلى أبسط شروط إقامة حزب أو تنظيم ذو صبغة يسارية.
قراءة في اليسار الأردني
تحاول مؤسسات المجتمع المدني في الأردن -وبرعاية النظام السياسي القائم تحت مظلة التحالفات الإمبريالية- الترويج لمصطلح التنظيم على أنه مصطلح بالِ وعفى عليه الزمان، وبالنسبة لنا كماركسيين، فالتنظيم هو حجر الأساس الذي لا يمكن للجهود -حتى وإن كانت صادقة- أن تثمر دون وجوده.
قد يبدو تجانس مجموعة من العناصر فكرياً وثقافياً هو الأساس عند الحديث عن بناء أي التنظيم، وبالنسبة للماركسيين؛ فإن ثمّة أدوات علمية ماركسية للتحليل يجب أن تكون الطليعة الثورية على دراية كافية بتفاصيلها، وأن تسعى تلك الطليعة لإيصالها إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير غير المنظمة، أو البروليتاريا (الطبقة العاملة).
التقاط شتات الأفكار يمنة ويسرة، وتعزيز الثقافة السماعية، وتجمع بعض الأفراد لتشكيل “عصبة”، والبدء بالعمل العصبوي، أو تحويل الحزب إلى “دكان”، أو حتى “تنظيم عصبوي”، كلها عوامل يعمل النظام السياسي على تعزيزها، لمحاربة كلاسيكية مصطلح التنظيم بين العامة، والمفارقة أنه يتبع تلك الكلاسيكية في التنظيم داخل القصور.
يخشى النظام السياسي ظهور تنظيم حقيقي، يخشى تجمع الطبقة العاملة ضمن إطار منظم وثوري، تماماً كما يخشى أخذ أي تنظيم بالشروط النظرية والعملية لرفع مستوى الوعي الطبقي للبروليتاريا.
التنظيم الماركسي الحقيقي هو الذي يحرض الطبقة العاملة حيال المجتمع البرجوازي بمجمله، هو الذي يقف على استعداد تام لقيادة الجماهير غير المنظمة في الأزمات الثورية، هو الذي يدفع باتجاه تعميق تلك الأزمات وتعميمها، وذلك عبر تثقيف مناضليه (الطليعة الثورية) لتحويل أية أزمات ثورية إلى ثورات اشتراكية حقيقية.
تدّعي كافة “التجمعات اليسارية” في الأردن أنها هي القادرة على قيادة سفينة الفقراء والمهمشين إلى بر الأمان، دون امتلاك أية أدوات علمية، ودون بناء جسم يساري متماسك.
في قراءة سريعة لحالة تلك التجمعات مع بدايات ما يسمى بـ “الربيع العربي”، ومع بداية تشكل “الحراك” في الشارع الأردني، بدت تلك التجمعات عاجزة تماماً عن قيادة الجماهير، ومع أن الظروف الموضوعية كانت قد تهيّأت لها، إلّا أن الظروف الذاتية كانت لم تنضج بعد، وسرعان ما فشلت وتفككت تلك التجمعات، لافتقارها للنظرية، وطبيعة عملها الذي أخذ طابع الاستعراض ليس إلّا.
سرعان ما تغيرت الظروف الموضوعية حتى، وتحولت الاحتجاجات المطلبية إلى شعارات قشرية لا تهم الجماهير، فانفضت الجماهير من حول (الطليعة)، واختلفت (الطليعة) في مواقفها من الأزمة السورية، والاحتلال الأمريكي للعراق والعلاقة مع إيران وحزب الله وغيرها، مما أدى إلى انتصار ساحق للنظام السياسي، وذلك في ظل غياب التنظيم وافتقار كوادر التجمعات اليسارية للأدوات العلمية في التحليل، وغياب النظرية!
تخلّت كوادر التجمعات اليسارية عن كل القضايا التي تمس حاملها الاجتماعي وحاضنتها الشعبية؛ الطبقة المهمشة، وتحول خطابها إلى خطاب سياسي استعراضي يفتقر إلى النظرية، بالمناسبة؛ هذه ليست دعوة للقطيعة مع السياسة، بل لإعادة التجانس بين السياسي والمطلبي والفكري، وبصفتنا لم نشهد ذلك، فمن الطبيعي أن نرى تلك التجمعات وكوادرها تهرع إلى أحضان منظمات المجتمع المدني الممولة أجنبياً!
أن تنعت نفسك باليساريّ وتسارع إلى العمل مع منظمات المجتمع المدني أو المؤسسات الممولة أو الـNGO’s هو أكبر تناقض تقوم به على الإطلاق، بل هو ما ينفي عنك صفة “اليساري”، وقد تفوق خطورتك في ذلك خطورة تواجد سفارة للكيان الصهيوني على الأرض الأردنية.
لا مكان للاستثناءات على أرضية يسارية صلبة!
الثغرة التي تودي بتنظيمات تدعي بأنها الأقوى في الساحة اليسارية إلى الفشل، تتمثل بغياب تام لنظرية علمية واضحة، أو غياب الحد الأدنى من الوعي لدى الكوادر والأعضاء.
لا يمكنك أن تبني حزباً يسارياً، وبالأخص شيوعياً، دون الاهتمام بالجانب الفكري والثقافي لدى الكوادر، لا يمكنك أن تبني ذلك الحزب دونما أن تعمل على بناء وعيهم.
لقد باتت الأحزاب “الشيوعية” في بلادنا -أو الأحزاب التي تنعت نفسها بالشيوعية- تجمعات يتشارك كوادرها المشروبات الكحولية والعلاقات الجنسية!! وتبدأ نقاشاتهم بالجملة المعهودة “كما قال الرفيق ماركس…”!
الفلسفة الماركسية هي فلسفة الديالكتيك، في تطور مستمر، تمدنا بالأساس الذي يأتي دورنا في استغلاله والانطلاق من ممكنات الواقع لإحداث التغيير.
أحزاب يسارية برعاية حكومية… أسقطوا عن أنفسكم اسم اليسار
حجم التناقض ضخم لدرجة أنه أضحى غمامة أعمت هؤلاء المغردين من على “البكبات”! هل هو نسيان أم تناسي؟ قبول تمويل سنوي من الحكومة، أو عن طريقها -على حد سواء- هو موافقة واضحة وصريحة على سياسات الحكومة الإفقارية والتهميشية بحق الطبقة المضطهدة في المجتمع، لصالح الطبقة البرجوازية الحاكمة بالضرورة. فكيف ندافع عن فقير بينما ننشغل بالرقص على طاولات السلطة، محاولين إتقان الرقصات حسب التعليمات والشروط؟
تنهمك بعض الأحزاب في دوامة تقسيم القضايا، متناسية قضيتها الرئيسية: الصراع الطبقي. نراها تنجر وراء شعارات تطرحها السلطة جنباً إلى جنب منظمات المجتمع المدني، شعارات تسعى إلى صنع شقوق عمودية في المجتمع: حرية المرأة، حريات الأقليات، انخراط الشباب في السياسة، التمكين الديمقراطي، تمكين المرأة… الخ. وهنا يبدو التناقض جلياً ما بين التسمية والممارسة، لأن النضال من أجل تحرر المجموع هو من أساسيات الفكر الماركسي، أما غير ذلك فلا يمكن أن يرى إلّا في إطار تفكيك قضايا الصراع، النهج الرئيس للإمبريالية.
مع كل الاحترام لبطولات الجيل السابق، الذي ناضل على أي بقعة من الأرض تحت اسم الحزب الشيوعي، إلّا أن تخليهم عن الفكر الماركسي وأدوات تحليله -التي لم يمتلكوها أصلاً- بمجرد سقوط الاتحاد السوفيتي، ليس إلّا فشلاً ذريعاً لهم، يوضح تماماً مدى بعدهم عن الفكر. كيف تكون قياداتنا مجرد واجهات زجاجية تتساقط مع أي هزة قد تصيبها؟ من هنا، ومن هذه الزاوية بالتحديد، يبدو العجب من حال الأحزاب اليسارية في الأردن اليوم عجيباً!
تفتقر أحزابنا إلى النظرية والممارسة على حد سواء، ولا يمكن حصر اهتماماتها إلّا في “سباق من يجمع كوادر أكثر”، دون الاكتراث للمضمون! هي تعمل بمبدأ “الفزعات” فقط، ولا تهتم إلى الارتقاء إلى أمثلة تاريخية عظيمة.
ولكي لا نبتعد عن الزمان والمكان.. اتعظوا من الحزب الشيوعي اللبناني، الذي عاد ليحمل السلاح، وتمركزت كوادره المسلحة في مكانها الطبيعي، نعم؛ هنالك دوماً حزب شيوعي حقيقي، حزب آخر ممكن!
يبدو اليسار الأردني بكافة أحزابه بالياً في هذه الأيام، تماماً كما هي “الأحزاب الاشتراكية” في أوروبا، تلك التي استبدلت أدواتها الماركسية وعلى رأسها الصراع الطبقي، والنضال من أجل إزالة الفوارق بين الطبقات، بخطاب رث؛ جلّه وشعاره الرئيس “التضامن بين الطبقات”!
لربما كان ذلك هو العجب بحد ذاته، فهل ثمّة تنظيم يعيد لليسار الأردني بريقه؟
العدد الخامس والستين 01-31 آب 2015
http://radicaly.net
التعليقات مغلقة.