حقوق الإنسان كوريا الديمقراطية مقابل الولايات المتحدة
الأردن العربي ( الإثنين ) 3/8/2015 م …
تبنت اللجنة الثالثة للدورة الـ 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 تشرين الثاني الماضي مجموعة دنيئة من الأكاذيب والخيال السياسي ضد كوريا الديمقراطية عرفت باسم (قرار حول حقوق الإنسان). وهذه الصورة الزائفة المصممة لمساعدة الولايات المتحدة في تحركاتها لإشعال حرب في شبه الجزيرة الكورية فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن حرّكها ودعمها الاتحاد الأوربي واليابان.
ذُكر أن القرار جرى تمريره من خلال تهديدات من الولايات المتحدة واليابان بوقف المساعدات الاقتصادية لبعض البلدان المصوتة. إذا أخذنا الأمور بالقيمة الظاهرية فإن أي بلد يقدم اقتراح قرار يتهم بلداً آخر بانتهاك حقوق الإنسان، لكنه يمضي مع ذلك لتهديد بلدان أخرى بكارثة اجتماعية إذا لم تصوّت كما أُمرت، فهو يعتبر بأنه يقدم اقتراحاً مخادعاً. لكن في حال الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة واليابان يمضي النفاق والمعابير المزدوجة إلى مستويات أعمق بكثير من هذا التناقض السطحي الواضح.
تحت شعار (حماية حقوق الإنسان) اعتمدت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، حجة اغتيال رئيس وزراء غرينادا في عام 1983 لإرسال قوات عدوانية للاستيلاء على الجزيرة وتنصيب حكومة دمية هناك.
واستخدمت الحجة نفسها عندما اختطفت رئيس دولة بنما بعد غزوها.
حربان خاضتهما الإمبريالية الأنكلوأمريكية ضد العراق استناداً إلى تسويغ مشكوك فيه عن (حماية حقوق الإنسان). ونجمت عن هاتين الحربين ونظام العقوبات الذي طبق بينهما، والاحتلال الذي أعقبهما، إبادة جماعية لنحو أربعة ملايين نتيجة وفيات عراقية عنفية أو غير عنفية، كما خلّفت أربعة ملايين لاجئ.
كان (حماية حقوق الإنسان) هو الشعار الذي نفذ باسمه التدمير التام لليبيا المعادية للإمبريالية، وغزو واحتلال أفغانستان. ومرة أخرى كانت النتيجة ملايين وملايين الوفيات التي كان يمكن اجتنابها، وتدمير حيوات ملايين أخرى.
ولدى الكوريين أنفسهم تجربة مباشرة حول ما يعنيه امتلاك (حماية) كهذه من جانب الولايات المتحدة وإمبرياليين آخرين. فقد تم غزو بلدهم الذي غرق في حرب دموية لثلاث سنوات نفذت خلالها القوات الإمبريالية عدداً لا يحصى من الجرائم الهمجية وانتهاكات حقوق الإنسان، وخلفت بلدهم مقسوماً، والنصف الجنوبي منه تحت احتلال عسكري إلى يومنا هذا.
تبدو وقاحة الولايات المتحدة مذهلة في الترويج لهذا القرار عند النظر إلى سجلها في الحرب والعدوان، وحرمان الملايين حول العالم من الحق الأساسي في الحياة والحرية. وكل ذلك قبل أن ننظر إلى سجل الولايات المتحدة في الداخل. إن الحديث بورع عن حقوق الإنسان هو ذروة الوقاحة بالنسبة لبلد سيئ السمعة لامتلاكه أكبر عدد من المساجين في العالم (سواء نسبياً أو بالأرقام المطلقة)، وكذلك لعنصرية شرطته وسلطات الدولة الأخرى.
إن الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة تشهد على حقيقة أن الفقير والأسود يوسم مجرماً منذ الولادة ويعاني المعاملة الوحشية اليومية على أيدي الشرطة ونظام السجون. إن الصبية المراهقين السود أكثر عرضة للقتل بـ 21 مرة من نظرائهم البيض من قبل الشرطة. قتلت شرطة الولايات المتحدة 41 صبياً في سن الـ 14 في أعوام 2010 ـ 2012. سبعة وعشرون من هؤلاء كانوا من السود. والإحصائيات غير كاملة لأن العديد من أقسام الشرطة لا تحفظ في أضابير التقارير عن هذه الجرائم.
لوائح الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة من قبل اليابان والاتحاد الأوربي وبلدان في الاتحاد الأوربي طويلة جداً ومستمرة، لكن كل هؤلاء القتلة ورعاة الإرهاب في أماكن مثل سورية وفلسطين (إذا ذكرنا اثنين فقط من ضحاياهم) يشعرون أنهم قادرون على الوقوف والإشارة بأصابعهم الملطخة بالدماء إلى جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، البلد الذي دافع دوماً عن حريته، ودائماً ضمن حدوده الوطنية التاريخية. يضاف إلى ذلك أن معظم حقوق الإنسان المهمة مدعومة في كوريا بالقانون وكذلك بالممارسة العامة: يملك جميع الكوريين الحق بالتعليم الممتاز والعناية الصحية والسكن والعمل والثقافة في سلم وبكرامة.
الجريمة الكبرى التي ارتكبتها كوريا الديمقراطية في أعين الإمبرياليين ودُماهم هي أنها خلقت مجتمعاً لا مكان فيه لمصاصي الدماء الإمبرياليين، وحيث لا يستطعيون استغلال العمال لغرض جني الحد الأقصى من الأرباح من عملهم. المجتمع الكوري مبني بطريقة تمكن الشعب من العيش بسلم وسعادة. ولكن الشعب الكوري تعلم بطريقة قاسية أنه يجب أن يكون مستعداً للدفاع عن هذه المكاسب حتى النهاية القصوى إذا شن الإمبرياليون ودماهم حرباً عليه.
استند قرار الأمم المتحدة نفسه إلى تقرير يضم ما يسمى (شهادات) خونة ومجرمين يأملون أن يجددوا شهرة وثروة بتشويه سمعة كوريا الديمقراطية خدمة للإمبريالية. لو كانت هذه (الشهادات) صادقة لحُكِم على جميع اصدقائهم وأسرهم الباقين في كوريا الديمقراطية بالموت.
بما أن الحكايات والقذرة والملفقة للتضليل التي ينسجونها ليست حقيقية، فإن سلطات كوريا الديمقراطية لم تعذب أو تقتل أصدقاء وأسر هؤلاء. والحقيقة هي أن الخطر الوحيد الذي يواجهه الأصدقاء السابقون والأسر هو تحمل عار معرفة أو قرابة الكذابين الخونة الذين يدفع لهم الآن العم سام.
ثمة نقطة مهمة تبرز من هذه المهزلة في الأمم المتحدة، وهي عدد البلدان التي لم تومئ برأسها بالموافقة عندما تطلب منها ذلك الولايات المتحدة. ليس مفاجئاً أن دولاً مثل الصين وفيتنام وسورية وكوبا وزيمبابوي وروسيا دعمت كوريا الديمقراطية، لكن فعلت ذلك أيضاً 13 دولة أخرى، من ضمنها مصر، كما امتنعت 55 دولة عن التصويت. يبدو أن الإمبرياليين لا يستطيعون في هذه الأيام تهديد أو رشوة كل شخص كي يقبل اندفاعهم إلى الحرب.
يرى عدد متزايد من الناس أن كوريا الديمقراطية ليست الشرير الذي تصوره الإمبريالية، وكذلك إن الإمبريالية، وخصوصاً الأمريكية، لا مصلحة لها في حقوق الإنسان في الداخل أو الخارج. المصلحة الوحيدة للطبقة الحاكمة الأمريكية هي في إنشاء (نظام عالمي جديد) يضمن سيطرتها وينقذ نظامها السياسي والاقتصادي المتهاوي.
كوريا الديمقراطية، من جهة أخرى، وبفضل مثالها السلمي والرفاه المتزايد لشعبها، منارة مضيئة للعالم المظلوم وترى الجماهير المستغَلة في العالم أن مستقبلاً ينتظر جميع المستعدين لتنظيم أنفسهم من أجل الإطاحة بالسلطة الطفولية للمليارديرية.
التعليقات مغلقة.