الشقيري رجل لم يأخذ حقه / حافظ البرغوثي
احمد الشقيري
صادفت في الخامس والعشرين من شهر فبراير شباط الماضي ذكرى وفاة أحمد الشقيري المحامي والمناضل المفوه مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية، ودفن في مقبرة الصحابة في غور الأردن على بعد ثلاثة كيلومترات من الوطن الذي ناضل من أجله.
الذين لا يعترفون بالمنظمة حالياً يجهلون التاريخ الفلسطيني، فالشقيري نفسه عاش حياة غير مستقرة، فقد ولد في تبنين بجنوب لبنان سنة 1908 حيث كان الأتراك نفوا والده الشيخ أسعد عن فلسطين لنشاطه ضد الاستعمار التركي. ثم انتقل مع أمه للعيش في طولكرم، ومن بعدها إلى عكا للدراسة بالمدرسة عام 1916 والتي تلقى تعليمه الأولي فيها، ومنها إلى القدس التي أتم فيها دراسته الثانوية عام 1926.
ثم التحق بعد ذلك بالجامعة الأمريكية في بيروت، وتوثقت صلته بحركة القوميين العرب، وكان عضواً فاعلاً في «نادي العروة الوثقى»، لكن بقاءه في الجامعة لم يدم طويلاً، فقد طردته الجامعة في العام التالي بسبب قيادته مظاهرة ضخمة احتجاجاً على الوجود الفرنسي في لبنان، واتخذت السلطات الفرنسية قراراً عام 1927 بإبعاده عن لبنان.
وعاد الشقيري إلى القدس والتحق بمعهد الحقوق، وعمل في الوقت نفسه محرراً بصحيفة «مرآة الشرق». وبعد تخرجه أتيحت له الفرصة ليتمرن في مكتب المحامي عوني عبد الهادي أحد مؤسسي «حزب الاستقلال» في فلسطين، وفي ذلك المكتب تعرف إلى رموز الثورة السورية الذين لجأوا إلى فلسطين وتأثر بهم.
شارك الشقيري في أحداث الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 – 1939)، ونشط في الدفاع عن المعتقلين الفلسطينيين أمام المحاكم البريطانية، وكانت لكتاباته أثر في تأجيج المشاعر الوطنية. وشارك في مؤتمر بلودان (سبتمبر/أيلول 1937) الأمر الذي حدا بالسلطات البريطانية إلى ملاحقته، فغادر فلسطين واستقر بعض الوقت في مصر. وفي أوائل الحرب العالمية الثانية (1940) توفي والده فعاد مرة أخرى إلى فلسطين وافتتح مكتباً للمحاماة ثم عمل مع الحكومة السورية في الأمم المتحدة وبعدها عينته الحكومة السعودية كوزير دولة لشؤون الأمم المتحدة في حكومتها، ثم عينته سفيراً دائماً لها في المنظمة الدولية. واهتم الشقيري أثناء فترة عمله بالأمم المتحدة بالدفاع عن القضية الفلسطينية.
بعد وفاة أحمد حلمي عبد الباقي ممثل فلسطين لدى جامعة الدول العربية، اختاره الملوك والرؤساء العرب ليشغل ذلك المنصب، ثم كلفته الجامعة بمهمة دراسة الأوضاع بين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية بعد أن لوحظ وجود بوادر تذمر بينهم ونشاط سري للكفاح المسلح، فقام الشقيري بدراسة الوضع وقدم تقريراً دعا فيه الى إنشاء كيان سياسي فلسطيني وتشكيل جيش تحرير وصندوق قومي.
نجح الشقيري في تأسيس منظمة التحرير وأجهزتها السياسية والمالية والعسكرية، لكن بعد هزيمة سنة 1967 دب الخلاف بين أعضاء اللجنة التنفيذية فاستقال من منصبه ورفض تولي أي منصب، وتفرغ للكتابة واستقر في القاهرة، لكنه غادرها بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد واستقر في تونس، ثم ألم به مرض ونقل الى عمّان حيث توفي سنة 1980.
الشقيري كان مناضلاً قومياً عروبياً قل أمثاله، وانسحب من الحياة السياسية عندما فرض الكفاح المسلح بقيادة فتح وجرى إقناع أبو عمار بتسلم رئاسة المنظمة من يحيى حمودة، كما كان الرجل موسوعة فكرية نضالية قومية.
لحسن حظه أنه لم يعش حتى يسمع تصريحات تشكك في منظمة التحرير أول كيان سياسي فلسطيني بعد النكبة. فالتيارات الدينية في المحصلة النهائية هي نتاج مؤامرة لضرب الدين بالقومية، ولعل نشوء «جماعة الإخوان» في نهاية العشرينات بدعم بريطاني جاء لكبح جماح النهوض القومي بعد أن خدع الإنجليز العرب في الحرب العالمية الأولى وما زالت الجماعات التي تستند إلى الدين لتمرير مخططاتها تقوم بالدور نفسه. فحركة حماس أنشئت في غزة تحت اسم «المجمع الاسلامي» وحظيت بتسهيلات احتلالية لإدخال أموال من الخارج، وأقامت مراكز ومعاهد طالما أن شعارها هو محاربة منظمة التحرير.
التعليقات مغلقة.