المشهد الأردني بين الواقع والمأمول / د. عمر مقدادي

د. عمر مقدادي ( الأردن ) السبت 2/3/2019 م …




المجال السياسي:
يعدّ المشهد الأردني في ضوء الواقع في جانبه السياسي على الصعيد الداخلي والخارجي مترديًا ، فعلى الصعيد الداخلي تتحدد ملامح المشهد الأردني بوجود نخب سياسية مستجدة على الساحة السياسية لتشكل مشهدًا يتسم بالغموض، فالحكومات الأخيرة التي تعاقبت في الأردن بغياب المحافظين هي حكومات ليبرالية تفتقد إلى أدنى مقومات القدرة على معالجة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وبموجبه نواجه حالة من الحالات النادرة والمقلقة التي تنتاب الوطن الأردني، ونلاحظ في المشهد السياسي وجود فجوة وعدم انسجام بين مصلحة الدولة في إقامة علاقات متوازنة مع المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة وبين حق المواطن في حياة كريمة من جهة أخرى، لكنّ الطرف الحكومي دائمًا يضغط باتجاه المواطن مما يفشل محاولات وصول العلاقة بينهما إلى التوازن المرغوب، كما أن هذه الحكومات تخضع لسيطرة مجلس النواب الأردني مع كل سلبياته المعروفة وطبيعة مكوناته وتوجهاتهم وأدائهم الهزيل تحت قبة البرلمان في الجانبين التشريعي والرقابي، وهي تتناغم مع مصالحه الأساسية والفردية، وهنا لابد من التأكيد على وجود فجوة بين الحكومات الأخيرة ومجلس النواب من جهة والشعب الأردني من جهة أخرى، مما يتطلب إعادة النظر بتشكيل مجلس النواب من خلال مراجعة قانون الانتخاب وتشجيع الأحزاب على المشاركة الانتخابية والذي سينعكس في تشكيل حكومات برلمانية ذات عمق جماهيري ومصداقية لدى الشعب الأردني، لمعالجة التحديات وفق رؤية وطنية شاملة وبرنامج عمل متكامل بمحاوره وعناصره وفعالياته.
بالإضافة إلى تحديات الداخل الأردني يتعرض الأردن في هذه الأيام لأقسى الهجمات وأشرسها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وأصبحنا نشعر أن هناك محاولات جادة لإظهار عدم وجود مقومات للدولة، وأصبحت مهددة بأنها ستكون ثمناً لتسوية القضية الفلسطينية لصالح الصهاينة ضمن مشروع ما يسمى بصفقة القرن ومشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يطمح فيه الصهاينة الانتقال من مرحلة الكيان إلى مرحلة إسرائيل الكبرى، بعد أن أحكموا قبضتهم على فلسطين من النهر إلى البحر، ليواصلوا طموحاتهم إلى منابع النفط في الخليج العربي والعراق بانتظار تحقيق الحلم في السيطرة على الأرض العربية من الفرات إلى النيل .
المجال الاقتصادي:
يشهد المواطن عاماً بعد عام المزيد من التردي الاقتصادي وارتفاع المديونية بصورة لا يمكن تفسيرها على وجه مقبول، وعجز الموازنات السنوية وضيق العيش الذي اتسعت شريحته وتنوعت أشكاله، كما لم تجرؤ أي حكومة على فتح ملف الفساد الطاغي بصورة جدية وشاملة، مثلما أن الحكومة فقدت تمامًا القدرة على التفكير المبدع في حلول اقتصادية لزيادة الدخل وخدمة الدين وتشجيع الاستثمار وزيادة الصادرات، ومعالجة الفقر والبطالة ومشكلة المواصلات، وإصدار التشريعات الاقتصادية لتشجيع وحماية الإنتاج الزراعي والصناعي الأردني وتسويقه، ومعالجة الضرائب بقانون متوازن وغيرها، واستسهلت اللجوء إلى جيوب الفقراء، ليفقد المواطن القناعة بمساندة الحكومة فيما تدّعيه، وهذا يؤسس لفقدان الثقة بين المواطن وهذه الحكومات وقراراتها، كما أن الحكومات الأردنية المتعاقبة ركزت على العاصمة عمان في مجال تطوير البنية التحتية بالرغم من ضعفها الحقيقي، في حين غاب ذلك عن بقية المحافظات، مع علمنا أن عمان هي العاصمة ويجب أن تكون منظمة ومعدة جيدًا لهذه الغاية، ولكن على الحكومات أن لا تنسى باقي مدن المملكة وتوزيع مكاسب التنمية على المحافظات، فجميع المدن أردنية وسكانها من حملة الهوية الأردنية بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الوطن.
المجال الاجتماعي:
ما نخشاه اليوم أن مسارنا الوطني الذي يعاني من تحديات كبيرة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي أن يفقدنا ملامح الدولة الديمقراطية والمجتمعات المنظمة التي تتوخّى العدالة والحرية للمواطن وكرامة الوطن وازدهاره، فمن الأهداف الأساسية لأي حكومة أن تعمل على خلق الغنى الروحي والمادي لدي الموطن والذي يعني العمل على تحقيق العدل الاجتماعي والحرية الأساسية وسيادة القانون على الجميع بعدالة وشفافية، فعندما ينمو التمايز بين مواطن وآخر يتعرض المواطن للمهانة، وتتحمل الحكومات الأردنية المتعاقبة الجزء الأكبر والأساس من مسؤولية التردي والضعف في مجال العدل الاجتماعي والذي يعتبر مشكلة تراكمية في جوهرها الواسطة والمحسوبية والفساد، بالإضافة إلى وضع الحواجز أمام حرية الفكر وحركة الثقافة وتطوير التعليم، والعمل على استيرادها جاهزة من الغرب، وتعمل دون اعتبار لمصالح المواطن وحقوقه الأساسية، مع أنه في حقيقة الأمر يعتبر المواطن هو الغاية التي تقوم وظيفة الحكومات أساسًا على خدمته وتحقيق سعادته وعيشه الكريم وكبرياءه الوطني، وتنم ممارسات الحكومة على توسيع الفجوة بين فئة تتمتع بالثراء المادي وأكثرية تفقد القدرة على توفير أبسط متطلبات الحياة، فالشباب الأردني الذي يشكل نسبة عالية من التعداد السكاني يعاني من البطالة والتهميش والإحباط، فتمتلئ بهم المقاهي ليتحدثون عن معاناة في العيش وخسارة فرص العمل بسبب الواسطة والمحسوبية التي دمرت طموحاتهم بامتياز، وقد انحصرت فرصهم على معارفهم وعلاقاتهم ومدى قدرتهم للوصول إلى شخص مسؤول أو متنفذ يدعم احتياجاتهم الوظيفية، فأصبح الأمر لا يتعلق بقدراتهم ولا درجاتهم العلمية ولا كفاءاتهم العملية وخبراتهم، مما يقودهم إلى اليأس من المجتمع، فليس لدى الشباب الفرص الوظيفة العادلة، وليس لديهم القدرة على بدء مشاريعهم الشخصية، مما يؤدي إلى أمراض لا حصر لها لعل من أهمها تنامي الحقد والكراهية وعدم الثقة بالنفس وعدم قبول الآخر والتنافر والإحباط والعنف، وما يرافق ذلك من مظاهر سلوكية سلبية في المجتمع.

تحاول الحكومات المتعاقبة في الآونة الأخيرة أن تقنع المواطن أنها تسعى لتحقيق حالة من المقاربة بين حقه في العيش الكريم من جهة، وتأمين مصالح الدولة المتشابكة في البعدين الإقليمي والدولي من جهة ثانية، وهنا وفي ضوء ما سبق وبعد التأمل في واقع الحكومات ونظرًا للتغيرات التي يشهدها الأردن بشكل خاص والعالم العربي والمنطقة بشكل عام فلا بد من صياغة عقد اجتماعي جديد بهدف الإصلاح، يتماشى مع العصر ومتطلباته خصوصًا في مجال الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي، على أن يكون لهذا العقد قدرة واضحة لمراعاة الوضع الاجتماعي والثقافي للمجتمع الأردني، ويتماشى مع القيم والمبادئ السائدة في مجتمعنا والتي ورثناها عن الآباء والأجداد، ولعل المسؤولية لا تنحصر بالحكومات، فالنهوض والإصلاح يتطلب مشاركة أهلية وحركة اجتماعية من العلماء والمثقفين والمؤسسات الوطنية من جهة، والقطاع الخاص ورجال الأعمال والأثرياء من جهة أخرى، أي أن يكون هنالك توافق يتطلب من الجميع العمل بروح الفريق الواحد، وهنا لابد من التأكيد بأن الأردن ليس استثناءً في هذا الواقع التي تعاني منه الشعوب العربية الأخرى، ولكن ما يجعله استثناءً أنه من أكثر الشعوب العربية وعيًا وقدره على التكيف مع الواقع ومتطلباته حرصًا على الدولة الأردنية ووحدة شعبها المرابط بكل عزيمة وصبر، ولعل معايشته الحثيثة للقضية الفلسطينية بكل مفرداتها السياسية والاجتماعية والثقافية بشكل مباشر أضافت له وعيًا آخر ونضوجًا مبكرًا جعله أكثر قدرة على معايشة الواقع أملاً في المستقبل، فالرهان اليوم بعد مؤتمر لندن والتعهد الدولي بدعم الأردن، هل نحن كشعب وحكومات مستعدون للتكاتف وتنسيق الجهود بين جميع أطياف المجتمع الأردني في اعتبار الأيام القادمة مرحلة إصلاح، نأمل من الله أن تكون نحو الأفضل.
حمى الله الأردن .

د. عمر مقدادي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.