أردوغان في ورطة… وسيناريوهات مرعبة تنتظر تركيا / د.خيام الزعبي
د. خيام الزعبي ( سورية ) الثلاثاء 4/8/2015 م …
تغيرت حسابات الرئيس التركي أردوغان من تنظيم الدولة بعد تصعيد الأخير لهجته وإعلانه عن خطط لتوسيع الخلافة حتى تصل إسطنبول، وهو ما أثار قلق الرئيس أردوغان الذي تعامل مع تنظيم الدولة منذ نشوءه بإعتباره واحداً من أهم الفصائل التي تقاتل في سورية، والتركيز عليه يحرف النظر عن هدفه الرئيسي وهو إسقاط النظام السوري، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير وغيرت الموقف التركي كانت إعلان التنظيم الحرب صراحة على تركيا من خلال عملية سروج، وفيما تبدو الحكومة التركية مشغولة بملابسات هذه العملية إرتفع الجدل حول علاقة أنقرة بتنظيم داعش، وسط إتهامات مباشرة لأردوغان بأنه هو الذي ورط أنقرة في مُستنقع داعش من خلال تمهيد الطريق أمام هذا التنظيم بتقديم الدعم الكامل للجهاديين، وفتح حدود البلاد أمامهم.
كانت تركيا تراقب المكاسب التي حققها الأكراد السوريون بقلق ولم تكن راضية عن التعاون الأمريكي ـ الكردي في سورية لأن طموحات الحزب الكردي هي إقامة كانتون يربط مناطق شمال شرق سورية من عين العرب وعفرين والحسكة بمنطقة واحدة وهذا ما ترفضه تركيا، ومن هذا المنطلق، أصبحت خريطة سورية المستقبلية واضحة بالنسبة إلى أردوغان، فالأكراد سيكونون جيرانَ تركيا الحدوديين، وهذا كابوس لتركيا، فهي لا تريد أن يتكرَّر في سورية نموذج العراق، أي ولادة كانتون كردي على الحدود، ولذلك يتّهم الأكراد تركيا بدعم داعش ضدّهم، وقد لا يكون أردوغان راغباً في قتال هذا التنظيم، لما يشَكِّله مِن خطر على تركيا، لكنّه مضطر إلى دعمِه ضمنَ حدود ليكسر شوكة الأكراد وتقطيع أوصال منطقتهم، فهو خائف على استقرار تركيا إذا تركَ الأكراد يتوَسّعون في سورية، وخائف على استقرارها مِن إعادة الحرب معهم وفي كلا الحالين، الخراب والتدمير الذي يَصعب ترميمه، وإزاء هذه التطورات أصبحت محادثات السلام لاغية بين تركيا والأكراد وأعترف الرئيس التركي في جولته الآسيوية أن السلام مع حزب العمال الكردستاني لم يعد ممكناً، ورغم الترحيب الغربي بتغير موقف الدولة التركية من داعش إلا أن عددا من الدول الغربية تحفظت على ضرب الأكراد، ورأت إن تغير موقف أردوغان من التنظيم تطوراً إيجابياً إلا ان ضرب الأكراد يحرف الحرب عن مسارها الحقيقي والذي يهدف الى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، وتعتقد أن هذا التنظيم الذي ضعف لا يزال باق لأن هزيمته ليست أولوية أحد، فأمريكا ترغب بتحديد التزاماتها في الشرق الأوسط.
في إطار ذلك تجد تركيا نفسها اليوم وبعد سنوات طويلة من الأمن والاستقرار تنزلق الى حرب على جبهتين في مواجهة عدوين لدودين الأول كردي شرس، والثاني إسلامي متشدد عابر للحدود “داعش” والإنتصار على إحداهما، قد يحتاج الى زمن طويل وسيكون مكلفاً مادياً وبشرياً، في وقت تتراجع نسبة النمو في تركيا، وتزداد أزمة تشكيل الحكومة الائتلافية تعقيداً، وبالمقابل هناك إتصالات مستمرة بين واشنطن وموسكو بشأن الملف السوري تعكس رغبة أمريكية لحلحلة الأزمة تقوم على إبقاء الرئيس الاسد في موقعه، لعدم تكرار أخطاء العراق وليبيا واليمن، لذلك فإن تركيا ستكون من أكبر الخاسرين والمتضريين، كونها وضعت حكومتها كل بيضها في سلة رهان سقوط النظام السوري.
تبدو الأحداث الأخيرة في تركيا وتغير التحركات الرسمية نحو الدخول في صراع مفتوح مع هذه الأطراف ليس أمراً مفاجئاً بل كان من المتوقع حدوثه في أي لحظة، لا سيما مع إقتراب المعارك من الحدود التركية، إضافة الى تعاظم نفوذ الأكراد داخل سورية، والدعم الدولي المقدم من التحالف الدولي لهم لمواجهة داعش، وفشل الإستراتيجية التركية في سورية والتي بنيت على رهان إسقاط نظام الاسد بأسرع وقت ممكن، فضلاً عن إنحسار شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم في الإنتخابات التشريعية الأخيرة، وإنطلاقاً من ذلك تنوعت التوقعات حول مستقبل تركيا التي نأت بنفسها عن الدخول في أي تحالفات ضد الإرهاب، حتى أصبحت موضع إتهام إقليمياً ومحلياً، بسبب غضها الطرف عن تنقلات المسلحين الى الأراضي السورية، إضافة الى إزدهار تجارة التهريب ومافيات السلاح والنفط على طول الحدود مع سورية، وهنا يمكنني القول أن تركيا باتت على المحك، وأن فتح حرب على جبهتين “داعش والأكراد” سيترك تداعيات كبيرة على تركيا، أمناً وإقتصاداً ومن الناحية العسكرية، وأعتقد أن تنظيم الدولة سيصعد من هجماته ضد البنى التحتية وقوى الأمن في تركيا وهو ما سيعرض الإقتصاد والسياحة للضرر، وبالتالي فإن تصعيد الحرب ضد الأكراد قد يفاقم من التوتر مع الحكومة الأمريكية التي لا تدعم حملة أنقرة ضد الأكراد، ومن هنا سيجد أردوغان نفسه أمام مشكلة كبيرة خاصة أنه راهن في الماضي على السلام مع الأكراد واليوم يهاجم الأكراد مما يهدد وحدتهم في داخل بلاده والمنطقة مما سيهدد الإستقرار في تركيا في وقت يواجه فيه الجيش قتالاً صعبا من مقاتلي حزب العمال الكردي وتنظيم الدولة، وهذا من شأنه تعميق ورطة الرئيس التركي مع تنظيم داعش، وهي ورطة مُرشحة لأن تتفاعل في اتجاه وضع تركيا على خط النار، وبقاء الباب مفتوحاً أمام سيناريوهات متعددة، ستكون لها تداعيات مباشرة على مصداقية أردوغان، قد تساهم في إحداث شرخ في حزبه الذي لم يتعاف من جروحه بعد نتائج الإنتخابات التشريعية الماضية التي أفقدته غالبية المقاعد في البرلمان.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول، يبدو أن تركيا حالياً على أبواب سيناريوهات”مرعبة” لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في ظل العدوان على سورية وموقف أمريكي متباطئ فيما يحصل في المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة، فإضطراب الأوضاع في تركيا مسألة وقت، وان النار تحت الرماد، بإختصار شديد إن الدور السلبي لأردوغان في سورية، لم ولن يكون في صالح تركيا، فمن الخطأ تصور أن بإمكان تركيا أن تنعم بالأمن والإستقرار، فيما ألسنة النيران تشتعل في سورية، فالتجربة أثبتت أن الأمن القومي لأي بلد من بلدان المنطقة يرتبط إرتباطاً عضوياً مع أمن الإقليم ،وأن طريق تركيا نحو الإزدهار الإقتصادي يمرّ بالضرورة على دمشق، وأنه في حال بقاء طريق دمشق مغلقاً في وجه تركيا، فلا يُستبعد أن ينهار الإقتصاد التركي بشكل كبير، وبذلك يخرج أردوغان من الباب الضيق للسلطة.
التعليقات مغلقة.