الاردن: التيه في صحراء الاستراتيجيا ..! / أ.د. احمد القطامين




أ. د. احمد القطامين ( الأردن ) الأحد 3/3/2019 م …

في علم الاستراتيجية يعرف مصطلح المرونة الاستراتيجية بانه قدرة الدولة على ادراك مغزى التطورات في البيئة الخارجية واتخاذ سياسات للاستجابة لتلك التطورات بما يخدم استراتيجيتها الشاملة. شركة نوكيا مثلا كانت تسيطر سيطرة شبه كاملة على سوق التلفون المحمول مع نهاية حقبة التسعينيات من القرن الماضي والسنوات المبكرة من الالفية الجديدة لكن ادارتها كانت تعاني من نقص حاد في مهارات المرونة الاستراتيجية ولم تدرك مغزى ما يدور في بيئتها الخارجية وفوجدت نفسها فجأة بل حول ولا قوة، فانهارت الشركة على وقع فكرة الموبايل الذكي التي تبنتها شركة أبل الامريكية المنافسة من خلال هاتفها الذكي ايفون.

حالة مشابهة ربما واجهها الاردن في الخمس سنوات الاخيرة دلت على عوز كبير في محتوى المرونة الاستراتيجية للدولة، فبينما المؤشرات تفيد ان البيئة الخارجية تشهد تغييرات دراماتيكية سريعة وواسعة النطاق وذات ابعاد استراتيجية خطيرة على الاصعدة السياسية والعسكرية والتحالفات استمرت السياسة الاردنية حبيسة معادلات الماضي وفضلت ان تظل قابعة في منطقة الراحة الآمنة التي خلقتها حول نفسها. نتيجة لكل ذلك فقدت الدولة الاردنية قدرتها – التي تميزت بها سابقا – على التأثير الفعال في الاحداث واخذت كل الاطراف تدفع بها الى هوامش المشهد وحافاته غير المؤثرة.

منذ اندلاع ثورات الربيع العربي والثورات المضادة التي تبعتها وخاصة في السنوات الثلاثة الاخيرة اخذ المشهد الاستراتيجي في المنطقة يشير الى ضعف واضح في ارادة وعزيمة امريكا على البقاء شرطيا في المنطقة، فاسرائيل – وهي الهدف الاول والاكثر اهمية لتواجدها المكلف في المنطقة- اصبحت قوة عسكرية كبيرة يعتمد عليها لحفظ مصالح امريكا دون ان تدفع تبعات وجوها الفعلي على الارض هناك.

اضافة الى ان اسرائيل خلال السنوات التي بدأت بثورات الربيع العربي تمددت سياسيا ونسجت علاقات استراتيجية سرية وعلنية مع الكثير من الدول العربية الكبيرة والمؤثرة “يعني الدول المحرزة”.. وبالتالي تصدع الدور الاردني امام “منيو” واسع من الدول الغنية والقوية والجاهزة للتحالف مع اسرائيل حتى ان بعضها لا يمانع بتصفية القضية الفلسطينية تماما دون الالتفات لحقوق الشعب الفلسطيني او حتى لمصير المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس.

بسبب ان الدولة الاردنية لم تفلح في ان تقوم بالرصد الذكي والحثيث لتلك التطورات في بيئة البلد الخارجية خاصة فيما يتعلق بالشكل الذي اتخذه مسار تكوين التحالفات الاقليمية في المنطقة، اخذت الاحداث تنحو باتجاهات معاكسة. فبينما انهارات التحالفات الاقليمية التقليدية (محور الاعتدال مقابل محور الممانعة) اخذت المنطقة تشهد انشاء تحالفات جديدة (محور حلفاء امريكا مقابل محور المقاومة” ولم يكن بمقدور الاردن ان يكون عضوا في اي منهما، ففي المحور الاول الاردن غير مدعو وغير مرحب به اصلا بسبب ان الحلفاء القدامى في محور الاعتدال تغيرت المعادلات لديهم واصبحو طامعين بالدور الاردني ذاته، بينما في المحور الثاني “محور المقاومة” فالاردن غير مسموح له من قبل حلفاءه القدامي ان يخطو بهذا الاتجاه ، مما وضع الاردن تماما في عنق الزجاجة.

رافق ذلك حصار اقتصادي خانق نتج عن وقف المساعدات من حلفاء الماضي والتي كانت احد المحركات الاساسية للاقتصاد الاردني على مر الزمن، مما اضطر الحكومات المتعاقبة الى رسم سياسات اقتصادية صعبة جدا وغير شعبية قادت الى احداث اختلالات كبيرة في منظومة الامن الاجتماعي والاقتصادي فازداد الفقر وتهشمت الطبقة الوسطى  وتضاءل الانفاق على القطاعات الحيوية من تعليم وصحة في البلاد وتهالكت البنية التحتية وفقد البلد جاذبيته للاستثمار الاجنبي المباشر وضعفت السياحة وتفاقمت معدلات الضرائب وزادت الاسعار بمتواليات خطرة وارتفعت تكاليف الحياة وتصدعت علاقة الدولة بمواطنيها.. وربك يستر!!

*اكاديمي ومحلل سياسي عربي

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.