لو كان «كيم» عرَبِيّاً .. أو مَنْ أفشَلَ قِمّة هانوي؟ / محمد خروب
ما تزال اسباب انهيار قمة ترمب – كيم الثانية, التي انتهت للتّو في هانوي عاصمة فيتنام (وما أدراك ما تعني فيتنام في التاريخ الاميركي الحديث)…مَجهولة، رغم التصريحات المُتناقِضة التي ادلى بها الطرفان والتي كشفت ضمن أمور أخرى, الكيفية التي تتناول بها واشنطن خلافاتها مع الدول الأخرى, والتي تقوم على سياسة الإملاءات والإستعلاء تحت طائلة النبذ والعزل وفرض العقوبات. وخصوصا شيطَنة الانظمة والزعماء، الذين لا يُبدون إستخذاءً وخضوعاً للإرادة الاميركية.وليست كوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا دائما، أضِف اليها روسيا والصين وايران وسوريا ونيكاراغوا وبوليفيا, إلاّ نماذج ماثِلة لِمَن يريد معرِفَة اسباب العدوانية الأميركية, مُنفلتة العِقال وعديمة المنطق السليم في ما يجب أن تكون عليها العلاقات الدولية.
ما علينا..
للمرء ان يتساءل: ماذا لو كانت دولة عربية تتوفّر على برنامج نووي وصاروخي باليستِيّ كما هي حال كوريا الشمالية؟ وماذا لو دخلت تلك الدولة العربية المُفترَضة في محادثات مع واشنطن, سواء كان يدير بيتَها الأبيض رئيس ديمقراطي او جمهوري؟ وكَم مِن الوقت ستستغرق محادثات كهذه؟ وخصوصا على أي مستوى كانت سَتجري تلك المحادثات؟.
لن تختلف أَجوِبة وردود فعل الذين يُسألون عن المألوف الذي اعتدنا عليه كمواطنين من مسار ونتائج أي «مفاوضات عربية» مع «السيد الأبيض”, سواء كان أميركياً أو أوروبياً وخصوصاً صهيونياً. والحقائق معروفة…بدءاً بالبرنامج الساذج أو لِنقل غير المُتقدِّم, الذي حاوَل البدء به العقيد الليبي الراحل, أو تلك الانباء التي راجَت عن محاولات عربية للإقتراب أو مُجرّد التفكير ببرنامج كهذا, ولو على شكل أبحاث او إستدراج عروض لبرامج سلمية مَحضة, تلتزم الشروط الكاملة والترتيبات التي تفرضها المنظمة الدولية لحظر الأسلحة النووية. بل لو تحدثّنا عن «المفاوضات السياسية» التي أجراها بعض العرب مع واشنطن, ودائما مع دولة العدو الصهيوني. حيث رأينا الرايات البيضاء تُرفَع مُسبقا, وشهدنا – كما شهِد الأعداء خصوصا,حجم ومدى”الكرَم» العربي في كامب ديفيد المِصري وأوسلو الفلسطيني وغيرِهما,عبر تقديم التنازلات المجّانية والتفريط بالثوابت والخروج على الناس بتبجحات وانتصارات مُزّيفة, تبدّت آثارها على الفور في تغوّل اسرائيل وبروزتَبعِيّة الجانب العربي المُطلَقة, بهذه الزاوية الحادّة او تلك المُنفرِجة على أكثر من صعيد وملّف.
كيم جونغ اون، الذي يتندر بعض الإعلام والاعلام العربي, على قَصَّةِ شعرِه وبدانته ومِشيته, ويذهبون بعيدا في انتقاد نِظامه (وكأن أنظِمتَهم حصينة وشعوبهم تنعم بالديمقراطية وترفل بالرخاء), لم يجلس كيم ليفاوِض وزيرَ خارجِية أو دبلوماسِياً من الدرجة الثالثة، كما هي حال معظم الملّفات والقضايا الأمنِية والسيادِية العربية, التي تم بحثها على تلك المستويات المُتدنِية التمثيل، بل مع زعيم الدولة الأعظم (إن ما يزال البعض لم يُصدّق بعد, أن اميركا لم تعد على تلك المكانة والنفوذ), وهو(كيم دائماً) لم يُساوِم على حق بلاده في مواصلة تخصيب اليورانيوم, وبالتأكيد رفَض ويرفُض التخلّي عن ترسانة الأسلحة النووية والصاروخية التي تم تصنيعها وباتت في عُهدة جَيشِه.
لهذا كانت قمة سنغافورة التاريخية, كما وُصِفَت فرصة لتبادل الآراء وبناء «بعض الثقة»، لكن قمة هانوي التي انتهت قبل موعدها المُحدّد دون التوصّل الى اتفاق يؤسس لقمة ثالثة, إشارة واضحة – ومن خلال تصريحات الجانب الاميركي – على أنهم يُفاوِضون زعيما لديه رؤية لما ستؤول اليه الامور, مع رئيس دولة هدّد واركان إدارَته بـ”إزالة كوريا الشمالية عن وجه الأرض». ويعرف – كيم– حقيقة ما يُضمره الاميركيون. ولهذا قال لهم: لا تنازلات مجانِية. وعندما سُئِل عما اذا كان لديه استعداد لنزع سلاح بلاده النووية: أجاب بذكاء: لماذا إذا نحن هنا؟.
نقصد هنا ان كوريا تعي ان تهديدات واشنطن (إقرأ بلطجتها),ولا تُخيف من يُريد المحافظة على كرامته ويدافع عن سيادة بلاده الحقيقية, بالأفعال وليس بالأقوال والخطابات فارغة المضمون على الطريقة العربية.
لا يقول ترمب الحقيقة عندما يصف المحادثات التي اجراها في هانوي مع الزعيم بانها جيدا جدا,وهو ما يستبطِن «عَكّسَه تماما» تصريحه التالي: أجرينا محادثات موضوعية مع كيم, نعلم ما يُريدون ويعلَمون ما الذي يجب ان نحصل عليه».. وهذا ما سارع وزير الخارجية الكوري الشمالي رفضه وتوضيحه للعالم: نحن لم نُطالب بالرفع الكامل للعقوبات الاميركية على بلادنا, بل رفع جُزئي مُقابل أن نقوم بإغلاق المنشآت النووية في مجمّع يونغبيون».
في السطر الاخير…يهدف الاميركيون من محادثاتهم مع كوريا الشمالية الضغط على الصين وتمكين ترمب من تجديد ولايته الرئاسية, عبر إظهار قدرته (المشكوك فيها أميركياً/شعبياً) على حل مشكلات العالم. وبخاصة توفير الأمن للاميركيين من تهديدات مَزعومة, تُمثِّلها برامج كوريا الشمالية وايران النووية, عندما انسحب من الاتفاقية التي وقعتها بلاده في اطار مجموعة (5+1). لكن ليس كل ما يطلبه الاميركيون يتحقّق, لأن هناك مَن لا يخشى تهديداتهم ويتمسّك بكرامة شعبه وسيادة بلاده, والأمثلة في العالَم عديدة.
التعليقات مغلقة.