الله اكبر، هذا اردننا، فاقرأ باسم ربك الذي خلقه أفقا عربيا، وعمقاً سوريا – ببعد كنعاني (2) / ديانا فاخوري
ديانا فاخوري ( الأردن ) الأربعاء 6/3/2019 م …
صحيح ان سايكس / بيكو شطبت الأردن الكيان والإقليم من الخارطة والحقته كفائض جغرافي بفلسطين .. و اليوم يُسقط “محورالاعتدال العربي” الأردن من عضويته ليأسره في الدور الوظيفي المرسوم .. وينقلب هذا المحور بدوره جهارا وعلانية الى “المحور الصهيواعروبيكي” .. لكن هيهات منا الذلة!
لنبدأ بالشريف حسين ومرارة، بل شرف، النفي مرتين .. أراد الشريف للعرب الاستقلال والحرية منذ نهاية القرن التاسع عشر، فكان مصيره النفي (النفي الأول) إلى إسطنبول منذ عام 1893م حتى عام 1908م .. ثم جاء النفي الثاني اثر اعتراضه على مفرزات سايكس / بيكو واستنكاره لتأسيس “اخوان من طاع الله” كجمعية سياسية ترتدي العباءة الدينية، وتدعو للهجرة في سبيل الله، والحشد باسم الدين، والجهاد ضد الاخر والاغيار .. كم قلت أنهم عملوا ويعملون علی ادغام العروبة بالاسلام بحجج التماثل والتقارب والتجانس في محاولة دؤوبة لاسكان العروبة وادراجها فلجمها منذ “اخوان من طاع الله” التي، ولطالما كررت ذلك، قامت في سياق سايكس / بيكو لاجهاض “حلم الثورة العربية الكبری”؛ ذلك المشروع القومي العربي في الحجاز الذي استقطب مجموعة من الثوار العرب المناضلين ضد الصهيونية والاستعمار نحو دولة قومية عربية .. وعندما رفض الشريف حسين التخلي عن “حلم الثورة العربية الكبری” و ابى الانصياع لرغبة الإنجليز الاكتفاء بمملكة الحجاز، قام الإنجليز بالإيعاز لابن سعود ومساعدته بإحتلال الحجاز .. وفي عام 1925م تم النفي الثاني للشريف حسين الى قبرص حتى مرضه الأخير قبل ان يُنقل الى عمان، لتُعلن وفاته هناك، فالقدس ليوارى ثراها الطاهر!
صحيح ان اتفاقية سايكس/ بيكو جائت لتفتيت وتجزئة وتقسيم وشرذمة وتشظية وتفكيك منطقتنا وشطب الأردن الكيان والإقليم (وعمره آنذاك حوالي 5,000 سنة) من الخارطة وإلحاقه كفائض جغرافي (حوالي 90,000كم²) بفلسطين (حوالي 27,000 كم²) لتصبح مساحة فلسطين “الموعودة بلفوريا” حوالي 117,000 كم² .. وهكذا تتواضع اسرائيل بقبولها فلسطين من البحر الى النهر – مجرد حوالي 23 % من “حقها البلفوري السايكسبيكوي” من خلال “صفقة ألقرن”! .
صحيح انهم عملوا على تفريغ المنطقة برمتها من مسيحييها وبالتالي من عروبتها تبريرا ليهودية الدولة .. وضمن السياق ذاته تمت الأطاحة بوحدة الضفتين (١٩٨٨/١٩٧٤) بلافتات وعناوين وشعارات بدت براقة حينئذ!
صحيح انهم ما لبثوا يحاولون الفصل بين “الكعبة المشرفة” و”أرامكو المكرمة”، ويجهدون في انتزاع واغتصاب السدانة العربية الاردنية على المقدسات القدسية انسجاما مع “المصالحة التاريخية نحو اسرائيل الكبرى” ضمن لعبة ترامب الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي، وترجمتها الى “صفقة القرن” في المنطقة و ما تتطلبه من محاولات دؤوبة لدفع الاردن علی ظهر او الی بطن صفيح ساخن .. وها هي اسرائيل تتمدد تطبيعا مع عدد من الدول العربية المؤثرة في السر والعلن بعد ان كان فخامة المقاوم الرئيس لحود قد اسقط محاولتهم في قمة بيروت عام 2002 ليعاودوا الكرة مع الربيع العربي ومن خلاله .. وها هو “محور الاعتدال العربي” يسقط الأردن من عضويته ليتحول وينقلب جهارا وعلانية الى “المحور الصهيواعروبيكي” ويعمل جاهدا للإطاحة بالدور الاردني معلنا استعداد “اعرابه” للمصالحة التاريخية والعلاقة الاستراتيجية مع اسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا على حساب الشعب الفلسطيني بحقوقه ومقدساته متوسلين أخوة اسحق واسماعيل!
صحيح ان الفساد في الأردن لم يكن يوما مجرد ظاهرة، بل هو نهج حكم ما فتئ يتوسع ويتعمق عموديا في الصف الاول على نحو دسم ومغطى ومحمي حيث يكون الاستثمار كلمة السر فيوزع المال نفسه حسبما يعتقد أنه يحقق ربحاً أكبر، أو ريعاً أكثر، أو فائدة أعلى، وما الربح والريع والفائدة الا مسَميات مختلفة لأمر واحد. فالربح الرأسمالي ان هو الا ريع يتم اقتطاعه من غير جهد او عمل، والفساد من أسمائه الحركية .. ونظرا لافتقار الأردن لموارد أساسية كالنفط او الغاز تغذي الخزينه وتسدد عجز الموازنة، تلجأ الدولة للثلاثية المعروفة: الديون، وبيع ما تيسر من المقدرات الوطنية، والضرائب على المواطنين .. هنا مرتع الفساد ومصنع السماسرة – منظومة مقننة بيدها وسائل الانتاج وأساليبه وأدواته، والاستيراد والتصدير وآلياته! الفساد في الأردن يتجاوز الأفراد والقضايا الأخلاقية والمثاليات الى “الدولة العميقة” او “الدولة الخفية” بديوانها ومجمع مؤسساتها داخل الأجهزة الادارية والعسكرية والأمنية واﻻعلامية .. انه جزء لا يتجزأ من النسق السياسي المفروض في محاولة لحصار الأردن وحشره في دور وظيفي خدمة لمشروع المحور “الصهيواعروبيكي” متوسلين الضغوط الاقتصادية لتصفية الدولة وتفكيك نسيجها الاداري الاجتماعي والإطاحة بهيبتها ودفعهاالى الحائط فالانهيار لتعود على مقاسهم منحنية ومنكسرة وقد أمعنوا بالشعب تهجينا وتدجينا!
وصحيح انهم في المحور “الصهيواعروبيكي” يعملون على خنق الأردن اقتصاديا فيوقف حلفاء الأمس مساعداتهم ويتجسد داء الأردن ارتهانا سياسيا للراسمالية المالية العالمية وآلياتها الامر الذي يؤدي بالضرورة لاغراقه بالعوز والفقر وحرمانه او تجريده من الموارد واعاقة التنمية الوطنية فالحيلولة دون بناء المجتمع المنتج لتتوالى الأزمات وتتزاحم، فيستسلم الشعب ويرحب بالسيناريوهات التي تخدم العدو في المحور “الصهيواعروبيكي” .. وهكذا ُتستهدف الجبهة الاردنية الداخلية لتنوء تحت عبء النفط والغاز (الرأسمال المالي) من ناحية، وسهام الصهيونية (خدمةً للامبريالية) من الناحية الاخرى فتغدو قابلةً او ُمعدةً للانفجار.
و صحيح أيضاً ان التبعيّة ليست قدرًا، والثورةَ ضرورةٌ وحتميّة رغم جدران الفصل ومسرحيات الانفاق والنفاق ودروع الشمال وتهريج “أدرعي” والقواعد والقاعدة وداعش والنصرة وأخواتهم والمشتقات والملاحق الأخرى .. ولن تفلح محاولات المحور “الصهيواعروبيكي” اليائسة البائسة كما ينفذها وكلاء الداخل – بدفع الأردنيين لتلقي “صفعة القرن” صاغرين! وها هم لاجئو ونازحو الأردن ولبنان والدول العربية يتأهبون للتوجه والعودة الى الجمهورية العربية الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف .. كما على ثرى الأردن كذلك في السماء، ولن تحتمل السماء “صفقة القرن” التي يصفعها الأردنيون لينال الفلسطينيون، كل الفلسطينيين، حقهم بالعودة وإزالة النكبة بإزالة أسبابها – ازالة اسرائيل، نقطة على السطر! اذكروا ان الأردن جنوب سوريا وان “جند الاردن” لم ولن يخلعوا الشام أبدا، فاخلعوا محور الشر “الصهيواعروبيكي”!
نعم خسئوا فالأردن اكبر من الدور المرسوم، وهو قادر، قيادة وشعبا، على احباط “القدر المرسوم” .. وسيبقى الأردن وقف الله، أرض العزم، أفقا عربيا، وعمقا سوريا وامتدادا كنعانيا .. وطنا بهيا بانتظام ولايته الدستورية ومأسسة الدولة وتحصين القانون، شريفاً لا نبغي ولا نرضى عنه بديلا، ولا نرضاه وطنا بديلا! ولن تقوى قوى “الزندقة” او “الصهينة” و”الصندقة” بخشنها وناعمها على تحويل الاردن من وطن الى جغرافيا والاردنيين من مواطنين الى سكان انسجاما مع مفرزات سايكس/ بيكو ووعد بلفور بمصادقة صك الانتداب وعصبة الأمم وما رسموه للأردن من دور وظيفي قاومه الملك الحسين متمسكا باستقلال القرار السيادي وانتظام الولاية الدستورية، وعمل على تخطي الدور ومقتضياته والتحرر من الالتزامات المترتبة عليه ليرسى بذلك إرثا سياسيا لأجيال “اسلفتها” قريش “بمدرجة الفخار” فيحملوا “من الأمانة ثقلها، لا مُصْعِرِينَ ولا أَصَاغِرَ مِيلا” فهم – كما يضيف محمد مهدي الجواهري – ابنَاء “الذينَ تَنَزَّلَتْ بِبُيُوتِـهِمْ ، سُوَرُ الكِتَابِ، ورُتّلَتْ تَرْتِيلا”!!
نعم هيهات منا الذلة، وها هو الموقف العربي الرسمي من منصة مؤتمر اتحاد البرلمانيين العرب قبل يومين في عمان ينجح بفرض بند “رفض التطبيع” وإلاصرار على “القدس الشريف” عاصمة لدولة فلسطين بدلاً من “القدس الشرقية” رغم محاولات دول المحور “الصهيواعروبيكي” المستميتة والمتذاكية في آن معا.
ديانا فاخوري
كاتبة عربية اردنية
التعليقات مغلقة.