مفاوضات الأمريكان مع طالبان… محاولة جديدة لخنق إيران / فوزي بن يونس بن حديد
فوزي بن يونس بن حديد ( السبت ) 9/3/2019 م …
كلنا يعلم أن حركة طالبان عقدت حلفا قويا مع تنظيم القاعدة إبان الغزو الأمريكي على أفغانستان سنة 2001م بعد أن اتهمت أجهزة المخابرات الامريكية التنظيم وطالبان باعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، وكان الهمّ الأمريكي في ذلك الوقت القضاء نهائيا على التنظيم والحركة واستخدمت أمريكا في عهد جورج بوش الابن كل أنواع الأسلحة حتى المحظورة ومنها القنبلة الأم على جبال تورا بورا، لكن خططها العسكرية كلها باءت بالفشل، فلم تستطع طوال أقل من عشرين سنة قليلا أن تُخضع طالبان ولا القاعدة بالقوةرغم أنها استطاعت نسبيا تحجيم قوتهما وقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن في عملية نوعية زمن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
وظلت حركة طالبان تقاوم الصلف الأمريكي المحتل في نظرها، حيث كانت عين أمريكا على البلد الغني بالنفط، وبدعوى محاربة الإرهاب حاولت احتلاله ونهب ثرواته، وما قيل في الحادي عشر من سبتمبر 2001م كلام كثير وطويل حتى إن بعضهم اعتبرها مناورة أمريكية يهودية لمحاربة الإسلام أينما كان، ومهما كانت الأحداث والتطورات والأهداف فإن أمريكا احتلت أفغانستان ودمرتها بقنابل عنقودية وفسفورية وكل أنواع الأسلحة ولم تفلح في إجبار طالبان والقاعدة على الاستسلام، وظل التحالف قائما ومستمرا بين تنظيم القاعدة وطالبان إلى اليوم، وها هو حمزة بن أسامة بن لادن يطلّ من جديد ليأخذ بثأر أبيه، وها هي أمريكا تمنح مليون دولار لمن يساعدها في القبض على حمزة نجل زعيم تنظيم القاعدة.
لكن وبعد مرور 18 عاما على الحرب على طالبان، ورغم عمليات الكر والفر بين الحركة والقوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان والحكومة الأفغانية التي ترفضها طالبان، بقيت طالبان مصرّة على موقفها الرافض للاحتلال الأمريكي لأفغانستان، لكن الملفت للنظر هذه المرة تغيّر الموقف الأمريكي مائة وثمانين درجة كما يقال من اليسار إلى اليمين أو من اليمين إلى اليسار، فقد اضطرت إلى الجلوس وجها لوجه مع حركة كانت تعدّها يوما عدوّا لدودا أوّل في المنطقة، فلِمَ حصل هذا التغير وماذا تريد أمريكا من وراء هذه المصالحة المفاجئة مع طالبان؟
كلنا يعلم أن أفغانستان لديها حدود مشتركة مع إيران تبلغ حوالي ألف كيلو متر، وهي مسافة ليست قليلة، وكلنا يعلم العداء المتنامي بين أمريكا وإيران في الفترة الأخيرة بدعم من إسرائيل، وكلنا يعلم أن إيران أكبر شريك تجاري لأفغانستان، وقد ذكرت الإحصاءات الأخيرة أن التبادل التجاري بين البلدين بلغ خلال السنة الأخيرة فقد حوالي ملياري دولار، ومن ثم لا نستغرب أن نرى الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تستميل طالبان من أجل القضاء على إيران، وتضييق الخناق عليها من جميع الجهات، وهي تحاول مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية فرض الأمر الواقع– إن صح التعبير- كما فعلت مع فنزويلا، خاصة بعد الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى كل من الهند وباكستان والصين وهي الدول الشريكة الأساسية مع إيران لقيام اقتصادها.
فأمريكا دولة محتلة امبريالية، تحبك المؤامرات جيدا وتخطط من جميع الجهات، وهي تسعى دوما لتخريب المنطقة من خلال افتعال المشاكل بسريّة مطلقة، رغم أنها في ظاهرها تحاول رأب الصدع. لكن سياسة ترامب مع معارضيه كانت مكشوفة اليوم أكثر من أي وقت مضى، والدليل واضح للعيان محاولة القضاء على إيران من خلال تدمير الاقتصاد وتهييج الشارع الإيراني للإطاحة بالنظام الإيراني، والتدخل السافر والمتبجح في فنزويلا لتغيير نظامها الديمقراطي بالقوة والعنف، والانسحاب من معظم الاتفاقيات التي تدخل في السلم العالمي، والتستر على الجرائم السعودية في الداخل والخارج، كل ذلك يجعل المفاوضات مع طالبان عبثيّة ومضحكة إلى حدّ السخرية خاصة إذا علمنا العداء الشديد الذي تكنه طالبان لأمريكا، والعلاقة الوطيدة بين أفغانستان وإيران جغرافيّا وقبليّا وتجاريّا، فليس من طبع طالبان أن تخون إيران، وليس من طبع أمريكا أن تغير سياستها التوسعية والامبريالية.
ولعل طالبان تدرك هذا الأمر جيدا، وتعمل في حسبانها ما تخفيه أمريكا، ولكنها تساير الواقع الذي تريده أمريكا احتراما للوسيط القطري، وربما لتغيير صورتها أمام العالم التي شوّهتها أمريكا، فلم نعلم أن طالبان تخطت حدودها وقامت بعمليات في أمريكا أو أوروبا أو افريقيا، ولكنها تحارب أمريكا باعتبارها الدولة المحتلة، وتحارب الحكومة الأفغانية باعتبارها عميلة، وتسعى لاستقلال أفغانستان من وجهة نظر طالبانية قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة، غير أنها في النهاية تدافع عن وطنها، لكن أمريكا لها مخالب متنوعة تحاول أن تستخدمها متى شاءت وضد من تعتبره متمردا بعيدا عن أي قيمة مثالية أو أخلاقية، فالمهم بالنسبة إليها مصلحتها وإلا بم نفسر التقارب الأمريكي الطالباني على طاولة المفاوضات بين حكومة أعتى دولة في العالم، وحركة لها سوابق ولا تكتسب أي صفة سياسية أو قانونية.
التعليقات مغلقة.