الزبداني بين الوقائع والأقاويل / عمرمعربوني
عمرمعربوني ( سورية ) الخميس 6/8/2015 م …
كثيرٌ من الأقاويل والتضليل ترافق عمليات الزبداني تقوم بها فضائيات ومواقع إخبارية محسوبة على الجماعات المسلّحة وتدور في فلكها، لم أجد في أي منها سواء كان خبرًا أو مقالًا أو تحليلًا ما يمكن توصيفه بالكلام المطابق للواقع، فالغالبية الساحقة من كتّاب المقالات ومن معدّي التقارير لا علاقة لهم بالعلم العسكري ولا يملكون معلومات مباشرة يمكن وصفها بالصادقة لتعارضها مع الوقائع الميدانية وكل ما يتم الكلام عنه أنّ مسلحي الزبداني يخوضون معركة استنزاف للجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية، والهدف هو رفع الروح المعنوية لجمهور هذه الجماعات ومحاولة التأثير في المعركة من خلال الحرب النفسية التي تؤدي أحيانًا دورًا معاكسًا لمبتغاها.
وقبل الدخول إلى الوضع الميداني في الزبداني، أودّ أن أشير إلى أنّ اتفاقًا حصل بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والأردن لتجميد عمل غرفة العمليات المشتركة “موك”، وهو أمر يندرج ضمن سياق الأجواء التي تحيط بالاتصالات الجارية على المستوى الاستخباراتي بين سورية والسعودية برعاية روسية.
خبر آخر لا بدّ من ذكره حصل قبل ساعات من كتابة هذه الكلمات، أنّ المفاوضات بشأن الزبداني مع حركة أحرار الشام، الفصيل الأكبر من مسلحي الزبداني، قد توقفت، ما يعني أنّ المعارك ستُستأنف بشكل كبير وهي بالتأكيد تتجه إلى الحسم النهائي.
ميدانيًا، إنّ ما أحرزه الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية في الزبداني من انتصارات في شهر من الزمن يُعتبر قياسيًا، بينما يعتبره الفريق الإعلامي المضاد صمودًا اسطوريًا من خلال تصوير المشهد بشكل مغاير للواقع حيث يتّم تسويق معلومات مفادها أنّ مسلحي الزبداني هم قلّة من أبناء البلدة مع عدد كبير من المدنيين يتم استهدافهم بالبراميل المتفجرة وقتلهم بلا رحمة، فيما الحقيقة في مكان آخر.
وبنظرة على إعداد وتسليح المسلحين ونوعية أدائهم العسكري، يتبين ما يلي:
– العدد الفعلي للمسلحين في الزبداني يقارب الـ 1600مسلّحًا ولا يقّل عن الـ 1300 حوالي 400 منهم من جبهة النصرة، ويتوزع الباقي على فصائل متعددة أهمها حركة أحرار الشام، وهي أرقام يمكن التأكد منها من خلال المتابعة الميدانية للمجموعات المسلّحة المقاتلة على الأرض عبر عمليات الرصد خلال عمليات تبادل إطلاق النار.
– تمتلك الجماعات عشرات القناصات الحديثة (عيارات 12.7 ملم وما فوق) المزودة بمناظير ليلية يمكنها العمل في مختلف الظروف الجوية والمناخية.
– عدد كبير من الأسلحة المضادة للدروع ومن ضمنها صواريخ تاو الأميركية وميتس وكونكوركس وكورنيت الروسية.
– الآلاف من قذائف الهاون من عياري 82 و120 ملم وإمكانية تصنيع آلاف أخرى في مخارط موجودة داخل المدينة باتت متخصصة في صناعة مختلف أنواع القذائف والعبوات.
– مئات العبوات الثقيلة من أوزان تصل أحيانًا لـ 200 كلغ يتم تفجيرها بطرق مختلفة من ضمنها التفجير الراديوي عبر موجات معينة أو بطريقة الصعق الكهربائي، ما يعني قدرة التحكم بلحظة التفجير وهو أمر خطير جدًا.
– أجهزة اتصالات متطورة مرتبطة بالأقمار الصناعية، إضافةً إلى انترنت دائم عبر الأقمار الصناعية أيضًا يؤمن للمسلحين إمكانية التواصل الداخلي والخارجي.
– كميات ضخمة من الذخائر الخفيفة والمتوسطة تكفي لمدة طويلة، إضافةً إلى مخزون جيد من المواد الغذائية.
فإذا ما دقّقنا بطبيعة الأسلحة والعتاد المذكورة، يبدو طبيعيًا أن تستطيع هذه الجماعات الصمود لفترة طويلة، لكن التكتيكات التي استخدمها الجيش العربي السوري والمقاومة كانت أسرع وأمضى من قدرات المسلحين وخبراتهم، حيث يتم استخدام أنماط قتال عديدة وجديدة لم تعهدها الجماعات المسلّحة لجهة التعاون بين صنوف الأسلحة المختلفة ووحدات الاقتحام التي تستخدم المناورة والخداع بشكل كبير، خصوصًا من ناحية التقدم الوهمي على محور، فيما تتسلل مجموعات صامتة على محور آخر وتنفذ ضرباتها وهذا ما عجّل في عمليات القضم التي جرت حتى اللحظة بشكل ممتاز.
اذا تابعنا مسارعملية الزبداني منذ شهر حتى اللحظة، سنجد أنّ معدل السيطرة اليومية للجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية يقارب الـ 1 كلم كمعدل يومي، بينما تمت السيطرة على كامل مساحة سهل الزبداني وهي حوالي 12 كلم مربع خلال يومين، ما يشير إلى أنّ معدل السيطرة لا يرتبط بالزمن بقدر ما يرتبط بالإعداد الجيد للمعركة وطبيعة وساحة المعركة، فكلما اقتربت المعركة من الكتل الإسمنتية زادت صعوبتها وتغيرت أنماط القتال فيها.
في الزبداني الآن بقعة لا تتجاوز الـ 2 كلم هي كل المساحة التي تتحرك فيها الجماعات المسلّحة وتحاول من خلالها تنظيم الدفاع عنها من خلال الاستعمال الكثيف للهاونات التي باتت مكشوفة أكثر مع الرشاشات الثقيلة التي تم تركيز أغلبها في الأبنية وتم تحصينها ضمن تكتيك الكوّات المتتالية إضافة للكمية الكبيرة من العبوات والأنفاق التي تستخدمها الجماعات المسلحة. وعندما نتحدث عن وصول المعارك إلى هذه المرحلة، فإنّ دور الطيران والمدفعية القوسية سيتوقف لمصلحة الرمي المدفعي المباشر إضافة للصواريخ الموجهة وهي ميزة باتت شبه حصرية للجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية فقدتها الجماعات المسلحة بسبب خسارتها للمساحات الواسعة والنقاط الحاكمة، ما سيجعل المعركة أكثر معركة أنفاس من غرفة إلى غرفة ومن خندق إلى خندق ومن نفق إلى نفق.
موضوعيًا ومن خلال المعلومات المؤكدة، بات الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية أكثر تحكّمًا بمفاصل الميدان المباشرة في الزبداني ويمكن في أي وقت ان نشهد إعلان عن تحرير الزبداني بمعزل عن رغبات البعض بعدم سقوطها وبمعزل أيضًا عن عدد الشهداء والجرحى من الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية، وهو الموضوع الذي تتم إثارته بشكل دائم على أنّه موضوع سيكون السبب في هزيمة الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية، وهو أمر لا يندرج في الحسابات العقائدية للجيش العربي السوري والمقاومة استنادًا إلى البعد التربوي في مسار الحرب.
ختاما، لا وقت محدد للإعلان عن الزبداني مدينة محرّرة، إلّا أنّ العمليات في خواتيمها والمتحكم الأكبر بالميدان هو الذي سيقول كلمته الأخيرة.
*ضابط سابق (خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية)
التعليقات مغلقة.