مادبا انموذجا… الديمقراطية وحق الأكثرية / عبدالحفيظ أبوقاعود
عبدالحفيظ أبوقاعود* ( الأردن ) السبت 9/3/2019 م …
الانقلاب الأبيض الذي قاده ” الاخوان المسلمون ” في مدينة مادبا في العام 1980،ساهم في تغيير موازين القوى في إدارة الحكم المحلي في المدينة ، لصالح مكونات جديدة في النسيج الاجتماعي ، كان له ما يبرره في حينه لدى الغالبية العظمى من مواطني المدينة ، لكن بعد اربعين عاما على الانقلاب، هنالك معايير أخرى ومنطق أخر غير مسوغ للتبرير في الأدبيات السياسيية للواقع الحالي ،حيث يعني حق ألأكثرية في المجتمعات الديمقراطية، في قدرتها علَى الحكم الفعّال والاستقرار والسلم الأهلي والخارجي ولمنع الأقليّات من تعطيل الحكم المحلي ، لركني ألديمقراطية وهما ؛ حُكمُ الأكثريّة و حمايةُ حقوق الأقليات والأفراد.
لقد اصدر السلطان العثماني عبدالحميد الثاني مرسوماً سلطانيا ً(خطي شريف) في قصر كلهان، تضمن إعلان المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، مما يعني إلغاء الوضع الشرعي التقليدي لغير المسلمين على اعتبار أنهم أهل ذمة. وتم التأكيد ما ورد في المرسوم بقرار سلطاني آخر عام 1856 حين اصدر السلطان مرسوما ً آخر (خطي همايون) الذي منح المساواة التامة والحرية الدينية الكاملة للرعايا المسيحيين واليهود في الإمبراطورية العثمانية، ضرورة وجود تمثيل لجميع الأقليات القومية (الأقليات الدينية المسيحية واليهودية ، لكن دستور السلطنة لا يوضح كيفية بلوغ هذا الهدف بشفافية .
وقد جاء بناء مدينة مادبا في موقعها الحالي ل”عشائر ألنصارى ” العربية في إطار هذا المرسوم قبل أكثر من مائة عام ويزيد ، وتأسس فيها حكما محليا في البلدة تطور مع مرور الزمن إلى بلدية يديرها مجلس بلدي منتخب برئاسة احد الشخصيات المحلية من أبناء عشائر النصارى من سكان المدينة وفق إحكام قانون المجالس البلدية إلى العام 1980 ، حيث حل أول رئيس مسلم ينتمي إلى ” الاخوان المسلمين ” المرحوم ” احمد قطيش ” على رأس المجلس البلدي في الانتخابات البلدية التي جرت في صيف عام 1980، والتي لم يفز بها إي عضو من أبناء عشائر النصارى لأول مرة في تاريخ المدينة لدورتين متواليتين ، لان الغالبية من الكتلة الانتخابية في المدينة أصبحت من المسلمين، حيث تحولت ألأكثرية الانتخابية إلى أقلية،لا تستطيع تصعيد إي شخصية من أبنائها إلى عضوية المجلس البلدي إلا بالتدخل الحكومي لصالحها .
لقد تحولت الأكثرية لانتخابية اإلى أقلية عرقية طائفية مذهبية في إطار مبدأ التداول السلمي على السلطة،ومبدأ حكم الأكثريّة،ومبدأ فصل السلطات ومفهوم تجزِئة الصلاحيات،و مبدأ التمثيل والانتخاب ، ومفهوم سيادة القانون ومفهوم اللامركزيّة ، و ضمان الحقوق ألسياسية للأقليات !!!، وتحولت الأكثرية الانتخابية إلى أقلية انتخابية !!!.
لقد تكررهذا الوضع الانتخابي من الانتخابات البلدية وانتقل إلى الانتخابات البرلمانية في مناطق انتخابية اخرى ، لاسباب غير معروفة لامجال لذكرها في هذاالمقام .لكن والسؤال الذي لا جواب له ، هو ؛ لماذا عاند حكماء عشائر النصارى المنطق واخدتهم العزة بالإثم ، وعدم الاستجابة لمطالب الأكثرية من مكونات النسيج الاجتماعي في المدينة والقبول بالحلول الوسط في تقاسم التمثيل النسبي في المجلس البلدي مع بقية مكونات النسيج الاجتماعي في المدينة؟!!!،حيث لا يمكن تصعيد ممثل لهم في المجلس البلدي الا بالتوافق مع المكونات الاخرى بالتنسيق مع الادارة المشرفة على الانتخابات .
ان ما حدث في انتخابات بلدية مادبا في العام 1980، قد يحدث في الانتخابات البرلمانية اللاحقة !!!، ولكن بوضعية مغايرة عما حدث في العام 1980 ، لان تعقيدات الوضع البرلماني مختلف عما يحصل في الحكم المحلي ، لان هنالك وجهة نظر ورؤية ذات منشأ غير محلي ،تنطلق من بعد مصلحي مرحلي يقضي بالحفاظ على الوضع القائم ألذي يحتفظ فيها “ألارادنة” الذين يشكلون العمود الفقري في مؤسسات النسق ،بان يكون لهم الدور الأكبر والملحوظ في ادارة الحكم في الوضع الجديد المستقبلي في البلادفي اطار صفقة القرن !!!!.
الجواب يكون على شكل سؤال ، هو؛ هل مآل اليه العراق” هو الحل هنا ؟!!!.
((هنالك برهة للتفكير في مصير وحقوق” الأقلية الجديدة ” في إطار الخيارالدولي “صفقة القرن” لتصفية قضية فسطين على حساب المستقبل السياسي لهذه “الأقلية” وتحويلها الى مكون أساس في إطار نسق وظيفي متجدد يحتضن مكونات النسيج الاجتماعي ويعيش فيها الجميع بأمن وأمان وعدل وحياة كريمة,والبديل في حال هذا الخيار ،هو؛ الصدام مع مكون بات يشكل الأغلبية في النسيج الاجتماعي في البلاد)).
((معطيات هذا الصدام في حال حدوثه وأسبابه متوافرة باتت، تفرض على احد طرفيه ، طلب الحماية الخارجية وهي جاهزة للتدخل السريع لحسم الأمر لصالح طرف أخر وفق مقتضيات مصلحة القوة الخارجية)).
مؤشرات الصدام بدأت تلوح في الأفق بعد الاعتراف بيهودية “النظام الإسرائيلي” في فلسطين المحتلة ، وفرض حل “مذل ” لتصفية قضية فلسطين ” صفقة القرن ر ” توافق عليه “سلطة عباس” وليقبل به غالبية عرب فلسطين في الداخل والخارج في حال وقوع تغييرات دراماتيكية في إحدى دول الطوق ، أو نشوب حرب تؤدي الى انهيار معسكر المقاومة “الحرب الكونية على سورية ومن سورية ” . لكن الوقائع والمعطيات لما يجري في الاقليم والمنطقة تشئ الى استدارة كبرى تنهي مخرجات سايكس بيكو، و المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة بوقف مسار ثقافة التسوية ” مسار السادات الاستسلامي ” وملحقاته .
لقد شكل الانقلاب ” الاخواني” في مدينة مادبا في العام 1980 ؛ الخطوة الاولى في التحول نحو الدمقرطة بالبلاد في العام 1989، حيث قبلت قيادة” الاخوان ” القيام بدور حصان طروادة في تمرير وادي عربة في العام 1994، في اطار لعبة الاكثرية وحق الاقلية .وفق مبادئ الديمفراطية .
خلال الاربعين عاما على الانقلاب البلدي تراجع دور نصارى مادبا في الحياة الاجتماعية و الثقافية والعلمية في المدينة بالانكماش حول الذات ، والتقوقع الطائفي المستورد الى ان تدخل الفاتيكان في تمويل اقامة جامعة خاصة ودعم و تمويل مشاريع البلدية ليصار لتعين مسيحي في منصب نائب رئيس البلدية في نهاية السيناريو.
فعملية التغير الديمغرافي في المدينة احدثت تخلخلا في البنية الاجتماعية لصالح مكونات اجتماعية وافدة من المحيط الجغرافي ، لتبقى المدينة ومحيطها السكاني على الهامش في العملية السياسية والنشاط الاقتصادي لتناقص مساهمتها في الناتج المحلي الاجمالي. حيث مازال”صحن المدينة ” غير متفاعل مع المكونات الاجتماعية الاخرى حتى بعد انحسار دور” الاخوان ” في العمل السياسي والاجتماعي لصالح مكونات اجتماعية اخرى ذات بعد عشائري وجهوي واقليمي .
فالصراع على ادارة الحكم المحلي في المدينة،الذي تديرة “المؤسسةالامنية” يتداخل مع الصراع على المقاعد النيابية في اطار اللعبة السياسية التي تخدم الوظيفة الاقليمية للنسق . لكن الوفاق والتفاهم العام بين مكونات النسيج الاجتماعي في المدينة لبناء قواعد سلم اهلي راسخ الاركان، غير ممكن في حال ضعف العملية الانتاجية في المدينة .
صيغة التعايش بين هذه المكونات ؛ المطلوبة لاستعادة الدور السياسي والاجتماعي المغيب في الحياة العامة للمسيحية المشرقية في الحياة العامة ، غير متوافرة لاسباب معروفة ، هي ؛ ان الوظيفة الاقليمية للنسق تحد من تحويل النسق الى دولة المواطنة وسيادة القانون ” العقد الاجتماعي “.
وهنا يأتي دورالنخب في احياء التفاعل الايجابي بين مكونات النسيج الاجتماعي في المدينة للوصول الى الاتفاق العام على الحقوق بينها في صيغة التعايش السلمي بين الافرقاء .
الخلاصة ولاستنتاج ؛
لقد عاند حكماء نصارى مدينة مادبا المنطق في عدم الاحتكام لمبدأ الديمقراطية حق الأكثرية والقبول بالحلول الوسط في التقاسم الوظيفي مع المكونات الاجتماعية الاخري في الحكم المحلي للمدينة , كصيغة توافقية في ادارة البلدية .حيث خسر المكون المسيحي “صحن البلد ” حقة التأريخي في الادارة والمشاركة المجتمعية بعدما اصبحوا اقلية طائفية بعد التغير الديمغرافي نتيجة الهجرات القسرية والمعيشية من الجوارالجغرافي ،وغياب الزعامة العشائرية التاريخية وبخاصة عند عشائر”عرب العزيزات ” .
-التطرف المذهبي والطائفي والتقوقع العشائري في المدينة من المكونات كافة ؛ ادى الى عملية اقصائية لمكون اساس من مكونات النسيج الاجتماعي في المدينة ،فالوظيفة الاقليمية للنسق كانت وراء تعميق الهوة بين مكونات النسيج الاجتماعية في المدينة والبلاد. حيث زاد من الطين بلة ؛ مخرجات” وادي عربة” والدمقرطة .
-تداعيات وادي عربة وافرازات مرحلة ثقافة التسوية والمصالحة المكشوفة مع إسرائيل ، وغياب النخب السياسية وقادة الراي العمالقة عن مسرح الاحداث في المدينة والبلاد؛ كانت وراء تفتيت النسيج الاجتماعي وظهور” ازلام ” النسق لتعميق ظاهرة “الامني يقود السياسي” ، لضمان ثقافة التسوية والاعتراف بيهودية الدولة في فلسطين المحتلة .وهذه الحالة اضعفت مؤسسات النسق في ايجاد قواعد اجتماعية بديلة رافعة في المئوية الجديدة لانهاء الدور الوظيفي المتجدد “ادارة سكان”.
-غياب الزعامة السياسيية الوطنية في الحياة العامة واستبدالها بشخوص من اصحاب الاجندات الخاصة و الخارجية واصحاب الوجاهات من ابناء العوائل في ادارة الحكم المحلي ، وهجرة العقول وهروب الرساميل المحلية الى خارج البيئة المحلية ؛ اسهم لحد كبير في الانكماش الاقتصادي وعدم التوافق المجتمعي على المستوى العام ، حيث اوصل البلاد والعباد الى متلازمة الفقر والقمع الناعم والفساد التي وضعت البلاد على الحافة الكبرى .
– ضرورة ايجاد مؤسسة للحوارالشعبي العام بين مكونات النسيج الاجتماعي للالتقاءا والتفاهم على صيغ التعايش فيما بينها لتطوير المدينة كحاضرة من حواضر البلاد ذات التنوع الاجتماعي والديني. مما يوجب استحضار قادة الراي للحوار العام حول القضايا والمشكلات التي تحد من النهوض الحضاري للمدينة ،لتكون مادبا احدى بوابات التفاعل الانساني لبناء وطن لدولة مدنية ديمقراطية منتجة تتناوب مكوناتها السياسية والاجتماعية ادارة الحكم سلميا ، والمجتمع المدني ،حيث غيب قادة الراي عن مسرح الاحداث في عملية النهوض الحضاري للمدينة . وذلك بتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في الشراكة المجتمعية للوصول الى الوئام الوطني العام بين مكونات النسيج الاجتماعي .
– ثقافة فن الحياة ” الديمقراطة “وليس الدمقرطة ، هي ؛ الحل لايجاد التوازن الاجتماعي والاقتصادي بين مكونات النسيج الاجتماعي عبر عقد اجتماعي جديد ينهي حالة الصراع غير المبرر بين هذه المكونات لاستكمال مرحلة التحول الى دولة مدنية ديمقراطية منتجة تتناوب مكوناتها السياسية والاجتماعية السلطة سلميا .
– وجوب تبني استراتيجية وطنية لتوزيع السكان الى مدن جديدة ،وسياسة عامة للاجور في القطاعات الانتاجية بمفعول رجعي ” ربط الاجور بتكاليف المعيشة”،والعودة الى القطاع الاهلي في الانتاجية ، واعادة بناء القطاع الخاص الوطني وسوق راس المال وفق سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي. . ليس على منطلقات سياسة اقتصاد .. المقلي والمشوي والمسلوق التي دمرت الطبقة الوسطى.
* صحافي ومحلل سياسي
التعليقات مغلقة.