سرحان والماسورة ( شعر ) / توفيق زياد
توفيق زياد
الأردن العربي – توفيق زياد ( الأربعاء ) 13/3/2019 م …
سرحان العلي: من عرب الصقر، نسف ماسورة البترول .. في ثورة سنة 1936 الفلسطينية ضد الاستعمار البريطاني والصهيونية العالمية .
(1) سرحان …. في الطريق
يقظا مثل حمار الوحش كان
وككلب الصيد ملفوفا خفيف .
وشجاعا مثل موج البحر كان
ومخيفا مثلما النمر مخيف
* * *
كانت الدنيا مطر
وصفير الريح في الأذنين
وحش وجأر
وعلى الوجه
يصير البرد شوكا وإبر
كانت الدنيا مطر
وظلام الليل كالفحمة
لا نجم يضوي أو قمر
إنما سرحان كالقط
يرى الإبرة في الليل الكثيف
إنه يعرف هذه الأرض كالكف
كما يعرفها كلب الأثر
كانت الدنيا مطر …
* * *
كان يمشي نحو تل الحارثية
حيث ماسورة بترول شقية
تحمل الخير الذي يدفق
من أرض الشعوب العربية
لبلاد أجنبية
كان يمشي نحو تل الحارثية
وبجنبيه ديناميت ونار وفتيل
وعلى كتفه كانت…. بندقية
* * *
كان يمشي نحو تل الحارثية
كتلة صامتة كان يسير
وبعينيه بروق وسكاكين وشر مستطير
كتلة تنحت نحتا دربها بين الصخور
شرها كالذئب للصيد الكبير
إيه يا سرحان أسرع
إن لليل عيونا ربما تقرأ أعماق الضمير
وترى ما في الصدور
إيه يا سرحان أسرع
ولتكن رجلك فوق الدرب منديل حرير
لم لا يخلق للإنسان أحيانا
جناح كي يطير؟؟
* * *
(2) قبل ذلك عندما لم يفهم سرحان ما معنى الوطن
عندما قالوا له :-
(سرحان يا سرحان ..هل تقدر أن تفعل شيئا للوطن)
هزّ كتفيه :-
(أنا ؟! ..
يا ناس خلّوني بعيدا عن حكايات الوطن)
عندما قالوا له :-
(سرحان يا سرحان ..هيا للجبال )
هز كتفيه :-
(أنا ؟!..
من أين إن جعت ستأتي لقمة الخبز الحلال ؟؟ )
عندما قالوا له :-
(سرحان يا ابن الكلب …انظر شعبك العبد الطعين)
هز كتفيه :-
(أنا ؟!..
ما دام جلدي سالما …مالي وما للآخرين ؟؟!!)
لعنة الله على شكلك يا كتلة طين.
* * *
وعندما فهم ..
لعنة الله عليه ما فهم
إنما لما رأيت يوما نجوم الظهر عيناه
فهم ….
مرة في الطوق
مشوه على ألواح صبار برجل حافية
وهوى العسكر بالسوط على ظهره
نارا حامية
كسروا السكة والعود
وساقوا الماشية
وبأعقاب البنادق حطموا السدة والباب
وكل الآنية
نسفوا البيت وصاحوا :-
(أنت ………….. يا ابن الزانية )
ساعة الميلاد جاءت ..هكذا في ثانية
* * *
عندها .. سرحان لم يأبه لنيران الألم
إنما صرَّ على أسنانه
في فمه المملوء دم
إنه ..
إن سرحان أخا البنت فهم
آآآآآآآآآآآه
كم يصبح سرحان…
مخيفا…….. إن فهم !!
*****
في الجبال
عاش سرحان العلي مطاردا
عاما ونصفا ما درى حيٌّ مقرَّه
فتشوا عنه مرارا
كل جحرٍ … كل حفره
وضعوا ألف جنيه
للذي يقتله أو يكشف سرّه
ألف مرة
بينه كان وبين الموت شعرة
ألف مرة
كان في كلّ مكان
واسمه عاش على كل لسان
إنما ..
عاما ونصفا ..ما درى حيٌّ مقره
******
ذات يوم
راح سرحان يفكر :-
( إن أنبوبا على بعد كذا
يدفق فيه النفط قرب الحارثية
يحمل الخير الذي ينبع من أرض الشعوب العربية
لبلاد أجنبية )
راح سرحان يفكر :-
(آه يا سرحان لو …
لو يتفجر
إن أسنانك لا تكفي
ولا يكفي رصاص البندقية
فتدبر لعنة الله عليك الأمر فكر
وتدبر )
* * *
(3) اللحظات الأخيرة
آه يا ماسورة البترول.. يا بنت الحرام.. انتظري !!
إن سرحان الشقي ابن الشقية
قادم
رغم انصباب المطر
وبعينيه بروق شتوية
كتلة صامتة وحشا شديد الخطر
ملء جيبيه ديناميت ونار وفتيل
أنتِ … يا بنت الحرام انتظري
هذه لحظتك السوداء جاءت
هكذا كالقدر
كلها بضع ثوان
قبل أن تنفجري
كلها .. بضع ثوان
قبل أن تنفجري
******
لم يعد سرحان من ليلته تلك
ولكن في الصباح
نشرت بعض الجرائد :-
(نسف ماسورة بترول بتل الحارثية
فجَّر الأنبوبة إرهابي مطارد
وجد البوليس بعد البحث
رجلا بشرية
وبقايا بندقية
وهوية …
اسمه الكامل سرحان العلي
من عرب الصقر
ولكن بعد لم تعرف
تفاصيل القضية
والبقية …
في غد نأتي إليكم بالبقية .)
* * *
(4) أمُّه ترثيه
شيعوا لبني عمومته .. يجيئوا بالطبول وبالزمور
خبروهم أنَّه قد عاد من غزواته صقر الصقور
وزعوا الحلوى وأكياس الملبس للكبير وللصغير
بالهنا كل الهنا …….. يا هنية
وانكوت عيني أنا …. يا صبية
شيعوا لبني عمومته … يجيئوا مثل أسراب النسور
خبروهم أنَّه لما أتاني عينه جمرٌ ونارُ مستطير
(( ناوليني قرشنا الأبيض يا أمَّاه فالأمر خطير))
بعت أسورة الزفاف وبعت خاتمي الأخير
بالهنا كل الهنا …. يا هنيه
لا تخلوه بلا ….. بندقيه
يا صبايا الحيّ هيئن الذبائح ، والمواقد والقدور
والثياب انقعنها بالعطر نقعا ، والمناديل الحرير
إن سرحان الأمير … بن الأمير … بن الأمير
عاد من غاراته يرتاح في حضني الأثير
يا صبايا حيِّنا ……. يا حرايــر
جاءنا الكيف فخذن … المزاهـر
شيعوا لبني عمومته يجيئوا بالطبول وبالزمور
خبروهم أنه إن جاء ثانية … أبع ثوبي الأخير
بالهنا يا أمَّه زفي إلى أحضانه أحلى صبيه
بالهنا يا أمَّه بيعي ثيابك .. واشتري له بندقيه
التعليقات مغلقة.