البحث عن «غوايدو جزائري» ! / محمد كعوش
عندما تتغوّل الإرادة على العقل نتيجة الإفراط في الثقة بالنفس، تتلاشى العقلانية والحكمة ويحدث الخلل في دائرة اتخاذ القرار وينتظم الوهم. المصابون بهذه الحالة يعتقدون أن لديهم القدرة وحدهم على تغيير العالم، وبناء دنياهم التوسعية حسب مزاجهم ومصالح بلادهم، وأن لديهم الحق في اختيار قادة الدول ومعاقبة الشعوب والهيمنة على ثرواتها وحرمانها من تقرير مصيرها وصياغة مستقبلها. هذا الوهم الذي تحوّل إلى نهج أميركي خلق طوفان الفوضى والعنف والارهاب الذي يعم الكون في غياب العدالة وقوانين الشرعية.
هذا النهج المتوحش كان نتيجته احتلال العراق وافغانستان وتدمير سوريا وتخريب ليبيا واليمن، وإثارة الفوضى في أكثر من بلد عربي شقيق أو بلد صديق. وقد تكون فنزويلا ليست آخر بلد يتعرض للحصار والعقوبات والتجويع والتهديد بالغزو وقطع الماء والكهرباء وتحويل حياة مواطنيها إلى جحيم، أعتقد أن قائمة الدول المستهدفة طويلة حسب برنامج الإدارة الأميركية.
تريد الولايات المتحدة تغيير النظام الاشتراكي في فنزويلا. فهي تقود انقلاباً علنياً لصالح غوايدو، رغم أن الدستور الفنزويلي ينص على أن نائب الرئيس هو الذي يتولى مهام الرئاسة إذا مات الرئيس أو عجز عن القيام بمهماته بسبب المرض أو اصيب بالجنون، وليس رئيس البرلمان.
وعلى قاعدة هذا الواقع أعلنت واشنطن أنها تريد مساراً جديداً في الجزائر، لذلك نخشى على الجزائر من التلاعب الأميركي المدعوم من التبعية الاوروبية. لذلك اعتقد أن تراجع الرئيس بوتفليقة عن ترشيح نفسه لرئاسة خامسة ووعده بتحقيق إصلاحات جذرية لن يوقف الحراك في الجزائر، لأن هناك من يسعى لاختطاف الحراك الشعبي وتحويله إلى «ربيع عربي» جديد لقلب نظام الحكم بكامله، وانهاء ثوابت جبهة التحرير الوطني في الجزائر، وهذا الفريق قد ينتج «غوايدو جزائري » بدعم أجنبي تحت عناوين كثيرة، خصوصاً بعد الإطلالة الجديدة لبرنار هنري ليفي وتصريحاته الاستفزازية حول الجزائر.
نحن نعرف ان القيادة السياسية والعسكرية الحاكمة رأت في بوتفليقة الرئيس التوافقي الذي حاز على اجماع الشعب الجزائري بسبب رصيده التاريخي، وقد نجح في انهاء مرحلة الدم والجمر، وأنقذ البلاد من حرب أهلية كانت حتمية. ولكن الرئيس المريض لم يعد قادرا على القيام بمهامه، ولكن إصرار جنرالات الجيش ومراكز القوى في جبهة التحرير على استمراره قاد الى تظاهرات شعبية ضد التجديد او التمديد، وهو الحراك الذي اجبر بوتفليقة على التراجع، بعد تعرضه لحملة ظالمة لم تحترم الرجل ولا ماضيه.
في النهاية جاء قرار تأجيل الانتخابات بهدف اعطاء جبهة التحرير الوطني فرصة لاعادة حساباتها وحشد قواها، ورص صفوفها وراء مرشح توافقي جديد، واللافت أن السياسي والدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي من حزب جبهة التحرير عاد الى دائرة الضوء بقوة، كما ان المنافسين من الاسلام السياسي بدأوا بحشد قواهم خصوصاً حركة «المجتمع والسلم» التي رشحت عبدالرزاق مقري، وقد تشكل الانتخابات، أو الفوضى، مفصلاً تاريخياً مهماً في مسيرة بلد المليون شهيد.
التعليقات مغلقة.