الإمبرياليون يفترضون استسلام الشعوب… صفقة القرن مثالاً / فايز رشيد




فايز رشيد ( الخميس ) 14/3/2019 م …

الإمبريالية بشكليها القديم والحديث هي وليدة الرأسمالية المتوحشة، وهي أعلى مراحلها، وهي ذات مفهوم كولونيالي عبودي واسع، تعمل ليس فقط على استعباد الشعوب باسم الحرية، بل تفترض فيها تنفيذ سياساتها وتصوراتها، وفقا لمصالحها الاستعمارية البغيضة، وهي وإن نجحت في استعمار هذا البلد أو ذاك بالشكل العسكري التقليدي، أو الشكل الاقتصادي الجديد، الذي يعتبر مدخلا للسيطرة السياسية وعلى المقدرات، فإنها تبقى قصيرة النظر في تصوراتها التكتيكية، أو الاستراتيجية، ذلك أنها اعتقدت وما تزال بقدرتها على تنفيذ مخططاتها، رغما عن الشعب المعني.
لقد خططت فرنسا في استعمارها للجزائر إلى ضم هذا البلد العربي إليها. أما إيطاليا فاعتبرت ليبيا مزرعة لها، وخططت لبقاء طويل الأمد فيها، وأعدمت قائد الثورة الليبية الشهيد عمر المختار، ظانّةً أنها بذلك ستقضي على المقاومة الليبية. أمريكا من جهتها، شنّت حربا على فيتنام، معتقدة أنها ستسيطر على منطقة جنوب شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، لكن السفير الأمريكي في سايغون (التي كانت عاصمة لفيتنام الجنوبية) لم يجد في نهلية المطاف وسيلة يهرب فيها من سفارته، غير طائرة هليوكبتر، تسلقها بحبل من على مبنى السفارة. تحررت الجزائر وليبيا وانسحبت أمريكا صاغرة من فيتنام، التي توحّد جزآها مباشرة. كان هذا حال معظم حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، صحيح أن النيوكولنيالية عادت بشكل جديد في بعض الدول، نتيجة لتقصيرات أو قل خيانات حكامها، او ضغوطات كولونيالية كبيرة، غالبا اقتصادية، لكن ذلك يُثبتُ بما لا يقبل مجالا للشك طبيعة العقلية الإمبريالية.
عندما تقوم الدوائر الإمبريالية الجديدة برسم مخططاتها السوداء لدولة أو منطقة جغرافية معينة، لا تأخذ في حساباتها ردّ فعل الشعب أو الأدقّ تعبيرا مقاومته للمخططات المرسومة له، بفعل الصلف النيوكولونيالي والعنجهية المبنيّة على سياسة القوة الغاشمة. لقد كشف التلفزيون الأمريكي «أي .بي. سي» المعروف بسعة اطلاعه على أخبار البيت الأبيض، عبر المحلل السياسي فيه ستيفن كيوورد، تفاصيل «صفقة القرن» بكامل الدقة وكيفية تنفيذ هذه الخطة! التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تصفية كاملة، لصالح الدولة الحليفة الاستراتيجية الأولى لواشنطن، وهي إسرائيل، وانطلاقا من مصالحها ببعد استراتيجي تحالفي، لتظلّ جسرا للمصالح الاستعمارية الأمريكية في عموم المنطقة. وقد ذكرت محطة «أي بي سي» أن الرئيس ترامب اتفق مع إسرائيل والسعودية على إكمال صفقة القرن، والبدء بتنفيذ المرحلة الرابعة منها، وهي توطين الفلسطينيين في الدول العربية، بعدما قطع كل تمويل الولايات المتحدة لمنظمة الأونروا المختصة باللاجئين الفلسطينيين، وكل المنظمات الدولية، التي تقدم خدمات لهم. أما المراحل المرسومة لصفقة القرن فكانت التالية: اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل وسحبها من أي مفاوضات. اعتراف الولايات المتحدة وطلبها من عدة دول الاعتراف أيضا بالمستوطنات الإسرائيلية، التي أقيمت في الضفة الغربية وهي تضم حاليا 650 ألف إسرائيلي، والمخطط يعمل لرفع العدد عبر إقامة مستعمرات جديدة الى مليون ونصف مليون إسرائيلي يهودي. اعتراف الولايات المتحدة بالدستور الجديد لاسرائيل، الذي يقول: ان إسرائيل دولة «قومية» يهودية والشعب اليهودي هو صاحب الأرض، وان الفلسطينيين لجأوا إلى أرض إسرائيل وفق الدستور الإسرائيلي، ولا يحق لهم المواطنة مثل «الشعب» الإسرائيلي اليهودي. البدء بإقناع دولتي مصر والأردن بتوطين 4 ملايين فلسطيني، مليون في الأردن ومليونين على حدود غزة، وصولا الى مدينة العريش بإضافة 7 آلاف كلم باعتبارها الجزء الفلسطيني من سيناء تاريخيا، لكن مصر حصلت عليها في زمن الانتداب البريطاني، وتتسع هذه المساحة لحوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، وهذا الامر تم بالاتفاق والتنسيق بين واشنطن وإسرائيل والسعودية، على أن يتولى ولي عهد السعودية الاتصال بالأردن ومصر لتحقيق هذه الغاية.

شعبنا الفلسطيني متمسك بحق العودة وبكافة حقوقه كاملة غير منقوصة، ومتشبث بوطنه الفلسطيني وترابه

أما حول التمويل، فتقضي الخطة بالطلب من اليابان وكوريا الجنوبية أن تدفع كل منهما مئة مليار دولار. كما تقدم واشنطن مئة مليار دولار أيضا. السعودية تقدم 200 مليار. إضافة الى الطلب من كندا دفع 50 مليار دولار، ومن الاتحاد الأوروبي 150 مليار دولار، وبذلك يصبح مجموع قيمة ما جمعه صندوق توطين الفلسطينيين 700 مليار دولار. يتم تقديم 250 مليار دولار للأردن، منها 80 مليار دولار لإقامة بنية تحتية في المنطقة غير المأهولة من أراضيه لتوطين الفلسطينيين على ان يبقى للموازنة الأردنية 170 مليار دولار تنتشله من أزمته، ويتوفر لديه 125 مليار دولار. يتم تقديم مبلغ 250 مليار دولار لمصر، لفتح حدود رفح غزة باتجاه مدينة العريش، وتوسيع مساحة غزة سبعة آلاف كلم وبناء أبنية ومساكن وبيوت للفلسطينيين على هذه المساحة بقيمة مئة مليار دولار، على أن تقوم شركات دولية بإقامة الأبنية والطرقات، وبناء مرفأين على البحر المتوسط لصيد السمك. كذلك إقامة مطار دولي قرب العريش، يكون مطار الدولة الفلسطينية، ويبقى لمصر 150 مليارا لفك أزماتها الاقتصادية.
أما مبلغ الـ 250 مليار دولار لمصر، فسيصرف منها مئة مليار على توطين الفلسطينيين، بحجم مليونين، أو مليونين ونصف المليون في مساحة السبعة آلاف كلم التي ذكرناها، على أن يبقى مع كامل البنية التحتية من ري مياه وكهرباء ومستشفيات ومدارس، وان يبقى للاقتصاد المصري 150 مليار دولار تدعم وتنتشل مصر من أزمتها الاقتصادية، وتخلق فرص عمل للشباب عبر إقامة مصانع، وتقدم لمصر والأردن أسبابا تفضيلية لتصدير بضائعهما إلى أوروبا والولايات المتحدة مع إعفاء من الرسوم الجمركية لكل بضائعهما، مع الحصول على 150 مليار دولار لاقتصادهما. يتم تقديم 200 مليار دولار للعراق لتوطين مليون ومئتي ألف فلسطيني في أراضيه، حيث محافظة صلاح الدين ونينوى والأنبار ذات الاكثرية السنية، وتقوم شركات دولية ببناء المساكن والأبنية لهم مع طرقات ومستشفيات ومصانع، فيما تحصل الخزينة العراقية على 150 مليار دولار. إقامة حلف إسرائيلي أمريكي سعودي، يدعم الدول الثلاث. وهكذا تكون صفقة القرن قد أتمت المرحلة التاسعة منها، وتم تقريبا بشكل نهائي تصفية القضية الفلسطينية، وحصلت إسرائيل على التخلص من الكثافة السكانية الفلسطينية، إضافة إلى إلغاء حق العودة نهائيا. التوطين، سيجعل السعودية تعتقد ان إيران لن يكون لها دور في خط الممانعة والمقاومة، ولن تعود أهمية لوجودها في العراق، كما سيتم سحب ورقة حزب الله ووجود صواريخه ومقاتليه في لبنان، وهذا ما تريده السعودية. أخيرا، هل يستطيع حلف إسرائيل- أمريكا- السعودية تصفية القضية الفلسطينية؟ أم ان للشعب الفلسطيني والأمة العربية موقفاً مجابها للخطة؟
الإمبرياليون الامريكيون في مخططهم لتصفية مشروعنا الوطني الفلسطيني، وكذلك حلفاؤهم الصهاينة، لا يحسبون حساباً لمقاومة شعبنا الفلسطيني، ومن ورائه امتنا العربية وأنصار الحرية في العالم أجمع، شعبنا الذي أفشل حتى الآن 34 مشروعا دوليا وأمريكيا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين. 15 مشروعا، بدءًا من مشروع ماك غي عام 1948 وصولا لصفقة القرن التي ينوون تحقيقها واقعا، 18 مشروعا إسرائيليا وعربيا، بدءًا بمشروع ديفيد بن غوريون عام 1948، ومشروع حسني الزعيم بالاتفاق مع وكالة الغوث عام 1953 لإسكان اللاجئين الفلسطينيين في منطقة الجزيرة بسوريا، وصولا إلى صفقة القرن الحالية، التي تستعمل بعض أطراف النظام الرسمي العربي سمسارا لتسويقها عربيا، والضغط على القيادة الفلسطينية للقبول بها. الإمبرياليون وحلفاؤهم وبخاصة الطرف العربي المستسلم، والمطبّع والذي لديه الاستعداد لتشكيل حلف إسرائيلي- أمريكي – عربي، لا يعرفون معدن شعبنا وإرادته الفولاذية، لأنهم لم يقرأوا تاريخه، ولا واقعه النضالي المقاوم، فمشروعنا الوطني سيظل متوقدا رغم العثرات والظروف الصعبة التي يمر بها، فالثورة لا تسير في خط مستقيم، وشعبنا متمسك بحق العودة وبكافة حقوقه كاملة غير منقوصة، ومتشبث بوطنه الفلسطيني وترابه المجبول بدم الآلاف من شهدائه على مدى يزيد عن القرن زمني، وما زال وسيظل يضحّي حتى تحرير وطنه وأرضه. وليخسأ أعداؤنا، ومصير مخططاتهم لن يكون سوى مزبلة التاريخ.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.