الثامن من آذار: في الحقيقة لسنا بخير / ريما كتانة نزال

الأردن العربي – ريما كتانة نزال ( فلسطين ) الجمعة 15/3/2019 م …




*السيرة الذاتية للكاتبة :

حاصلة على شهادة البكالوريوس في المحاسبة من جامعة دمشق.
عضو المجلس الوطني الفلسطيني.
عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية.
لها العديد من الدراسات والمقالات في المجلات المختلفة وخاصة المتعلقة بقضايا المرأة.
تشارك بمجالس الإدارة في عديد الجمعيات النسائية.
زوجة الشهيد خالد نزال الذي اغتيل في أثينا- اليونان في حزيران عام 1986.
اعتقلت من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في عام 1969 وأبعدت في ذات العام.
عادت إلى الوطن في عام 1996 بعد إبعاد قسري دام سبعة وعشرون عاما. 

*************************************************************************
يُنْظَر إلى يوم المرأة العالمي كيوم لتسليط الضوء على الإنجازات المتحققة إلى جانب رصد الفجوات والثغرات. هو يوم تتصدر فيه قضايا المرأة وحقوقها المنابر والمنصات الخطابية، النساء يعرضن المشكلات ويتقدمن بالمطالب، وأصحاب القرار يتحدثون عن الإمكانيات بالاستناد الى المرجعيات المعتمدة والرؤية المستقبلية ويقررون.

في فلسطين، كنا أمام أصحاب الواجب في قمة الهرم السياسي، حيث نظمت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتفالاً تكريمياً لنساء مميزات ناضلن وبذلن وأعطين مجتمعاتهن بسخاء على غير صعيد. ارتفعت سقوف توقعات الحاضرات بسبب استهلال علمي ومهني جعلنا نعتقد أن الاحتفال التكريمي مدروس، قبل أن نستنتج أنها استكمال شكليّ للمشهد الاحتفالي العام وفقرة من فقرات الحفل.

لا علاقة بين استهلال المكتب المركزي للإحصاء إحاطتهم الرقمية عن حقائق مشاركة النساء في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بما هي ثغرات وفجوات وبين باقي كلمات الاحتفال التكريمي، الذي أظهر أيضا فجوات في رؤية المتحدثين لموقع المرأة في المجتمع الفلسطيني ومكانتها في النظام السياسي! بين خطاب الاتجاه الوطني واليساري وخطاب المكرمات.

الأرقام تطرح نفسها دون حياد، بينما الخطاب السياسي مستمر في مستواه التقليدي ينحاز للنساء قولاً وضدهن عملاً وواقعاً. ليس من رابط بين الرقم الصريح وعموميات الخطاب. لم يكن مفاجئاً للنساء الحاضرات، لكن الإضافة البائسة التي تؤشر إلى أن السياسات والخطط الرسمية لا تحترم المؤشرات الرقمية ولا تستوعب استحقاقاتها. الروابط بينهما مفقودة، أرقام مناسباتية، لا أكثر ولا أقل.

حدثتنا الأرقام عن أن نسبة الحاصلات على منصب مدير عام فما فوق في مؤسسات ووزارات السلطة تبلغ 11.6% مقابل 88.4% لصالح الرجال، وأن نسبة النساء في القوى العاملة تبلغ 19.2% وان نسبة البطالة الأنثوية تبلغ 48%، بينما نسبة تعليم النساء ابتداء من مستوى “البكالوريا” فأعلى تبلغ 49.1% مقارنة بنسب تعليم الرجال التي لم تتجاوز نسبة 43.9%، والأكثر غرابة أن محصلة الراتب اليومي للنساء تعادل 84 شيكلاً بينما محصلة راتب الرجال تبلغ 116 شيكلاً. الأرقام تكشف بفجاجة بلاغة خطابات النوايا.

خطاب القيادة صاحبة القرار منفصم عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، المرأة هي الأم والأخت والزوجة، لا شيء لديهم حول التمييز في الأجور، لا شيء بخصوص عدم تحول التعليم الى تشغيل، لا شيء لديهم حول تطبيق قرارهم الخاص بإضافة 30% من عضوات المجلس الوطني الى المركزي، حتى المقترح القاضي بإضافة العضوات على دفعات، لم يتم تسديد فاتورته الأولى..!

يوم المرأة العالمي، يوم لكشف الستار عن قوائم العنف والاستبداد والاستلاب والانتقاص القانوني الممارس بحق النساء من جهة؛ يوم يعلو فيه صوت المساواة والعدالة الاجتماعية من جهة ثانية، لتحويل نصف المجتمع إلى قوة إيجابية ذكية قادرة على ممارسة أدوارها المتعددة في المجتمع نحو المشاركة بفعالية في مقاومة الاحتلال وفي عملية التغيير والتنمية والبناء والتطوير الداخلي.

إن كان ثمة وصف دقيق لعنوان سريع لوضعية المرأة الفلسطينية بين عامين، بين آذارين، لن نجد أدق من مصطلح “المراوحة” في المكان، بما يؤشر أيضا لمرادفة التراجع. مراوحة في المكان، من أجل إبقاء المرأة في وضعها الدوني كمواطنة من الدرجة الثانية واستمرار الانتقاص من أهليتها القانونية.

لقد شهد العام بين آذارين على انتكاسات جوهرية وإرادوية، تلكؤ لجنة تطبيق قرارات المجلسيْن، المركزي والوطني، في تنفيذ القرارات ذات الصلة بالمرأة، وشهدنا على تفوهات قاضي القضاة حول شرعية ضرب النساء، وصولاً إلى تعميم مجلس الوزراء حول التحفظات على اتفاقية “سيداو”. عناوين التراجع المشار إليها لا يمكن نفي مفاعيلها الثقافية حتى لو تم نفي بعضها. فالطلقة التي تخرج لا تعود.

قضايا المرأة الرئيسية عالقة في عنق زجاجة، تشكو من احتباس الإرادة السياسية، احتباس القوانين والسياسات القادرة على إحداث النقلة النوعية لإحداث التغيير. مردّ الاحتباس يعود الى أن المرأة وحدها في ميدان النضال الديمقراطي والمساواة التامة، بينما معركة مواءمة القوانين دون قَضْم لا تتحقق دون مشاركة مجتمعية، بمعنى نضال الرجال والنساء معاً، في جميع عمليات التنمية والتطوير المجتمعي الذي يؤدي بالضرورة إلى استنهاض المشاركة المتكافئة والفاعلة في العملية الوطنية، بما في ذلك دمج القضايا الاجتماعية للنساء في الحياة النضالية اليومية، بدءاً من مشاركتها في صياغة القرار السياسي والاجتماعي المتناسب مع ثقلها الاجتماعي ودورها الكفاحي ومؤهلاتها العلمية مروراً بتطوير البنى الحزبية ومأسستها قانونيا وثقافيا على أساس المساواة التامة والمناصفة في النضال والقرار، وانتهاء بالعمل الجاد لجَسْر الفجوة بين الالتزام النظري والعملي.

نقطة في نهاية السطر، وضعية المرأة وتموضعها القيادي ليسا بخير. من هنا نبدأ، أن تراجع الحركة النسائية التجربة المُعاشة لجهة يدها التي تصفق وحدها، تقييم تحالفاتها لجهة فرز الحقيقي عن الوهمي وخاصة علاقتها التبادلية مع الأحزاب، لجهة إصلاحها على قاعدة توازن العلاقة العضوية بين المرأة وأحزابها.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.